منزلان انفردا على أرض منبسطة بجانب مغارة "جوعيت" ونبعها وينابيع أخرى، ما يزيد على القرن من الزمن ومازالا، مشكلين قرية ريفية نموذجية بمعيشتها وعلاقاتها الاجتماعية.

وهذه القرية الريفية البسيطة حصلت على اسمها من موقعها الجغرافي المميز وهنا يقول الجد "محمود علي ليلى" أحد سكان القرية الصغيرة خلال لقاء مدونة وطن eSyria بتاريخ 11/6/2013: «من المعروف أن القرية تحصل على اسمها نتيجة قصة تناقلها الآباء من الأجداد أو نتيجة اسم عائلة كانت الأساس في نشوئها، ولكن بالنسبة لقرية "جوعيت" الصغيرة جداً فقد حصلت على اسمها نتيجة استيطان مؤسسيها الجدان "محمد علي ليلى" و "أحمد علي ميهوب" بجانب مغارة "جوعيت" التاريخية المعروفة جداً على مستوى المحافظة والمحافظات الأخرى، وهو الأمر الذي أدركناه من آبائنا، حيث إن البعض قال إن القرية هي سبب تسمية المغارة ولكن الصحيح أن المغارة هي سبب تسمية القرية، فهي لا تبعد عنها أكثر من ثلاثين متراً ومياهها الفائضة عنها تسير بجانب منازلها عبر أقنية ترابية وشلالات مائية صغيرة، وهو الأمر الذي منحها جمالية غير عادية فالخضار والربيع يزينها على مدار العام.

ولكون السكان عائلتين فقط فقد تميزت علاقاتهم الاجتماعية بالبساطة والمحبة، فلم تشُبها الخلافات العائلية

وأكسب تربتها خصوبة تمنح الحياة لمختلف الزراعات فيها وخاصة منها الخضار والجوز واللوزيات بشكل عام، ومنح أبناء القرية فرصة عمل أصبحت مصدر الدخل الأساسي لمعيشتهم على مدار عقود سابقة، وأقول سابقة لأن أبناء القرية الحاليين أو ما نقول عنه الجيل الجديد جيل الثلاثينيات رغم قلة عدده أختار طريق المعرفة والدراسة التعليمية لتبوؤ الوظائف الحكومية وغير الحكومية».

الجد "محمود علي ليلى"

ويتابع الجد "محمود": «قرية "جوعيت" منزلان عربيان مبنيان بالحجارة المربعة الشكل وفق نظام العمارة التراثي القديم الذي كان رائجاً العمل به في ريفنا الساحلي منذ بدايات القرن الماضي، وقد تم تحديث بعض جدرانهما، وكل منزل منهما عبارة عن غرفة واحدة ذات بهو مفتوح بمساحة كبيرة تقترب من مئة متر تقريباً، وهي غير مقسمة من الداخل بجدران حجرية كما الخارج وإنما كنا نستخدم القصب للفصل بين تقسيمات المعيشة فيها، وكان لكل جدار من جدرانها الخارجية من الداخل خصوصيته الخاصة، ففيها كوات صغيرة خاصة بحاجيات المنزل والمطبخ وغيرها العديد من خصوصية كل منزل.

وقد سكن هذان المنزلان والدي "محمد علي ليلى" وكانت أسرته مؤلفة من حوالي خمسة عشر فرداً، علماً انه وحيد والديه من الذكور، والجد "أحمد علي ميهوب" وهو رجل وحيد لأسرته أيضاً وعائلته مؤلفة من أربعة أشخاص، وهما من أسس للقرية ولو بقي أبناءهما ضمن القرية لكان عدد منازلها حوالي ثلاثين منزلاً تقريباً، ولكن لطبيعة وظروف العمل سكن الأبناء في قرية "مريقب" مسقط رأس الجدين، أضافة إلى سكن بعضهم في مركز مدينة "الشيخ بدر".

مدخل القرية

وعمل الجميع منذ البداية بالزراعة البعلية للحقول التي لم تصلها أقنية الري الترابية، والزراعة المروية للحقول التي تمكنوا من إيصال الأقنية لها، ومن تلك الزراعات زراعة القمح والخضار العشبية والحمضيات وبوفرة لطبيعة المناخ المعتدل، إضافة إلى تربية المواشي وانتاج الحليب ومشتقاته، وخاصة السمن البلدي الذي اعتمدنا عليه كثيراً في حياتنا اليومية بدلاً من زيت الزيتون الذي لم تكن تزرع أشجاره في تلك الفترة لدينا، والمهم في الأمر أننا لم نكن ندرك أنه كان يوجد شيء علينا شراؤه لاستمرار حياتنا ومعيشتنا اليومية، لأننا كنا ننتج كل شيء ونستثمره بالشكل الأفضل، وهذا ما جعل من المرأة رفيقة الرجل في مختلف أعماله اليومية، لأن موقع القرية بعيد عن الحياة الاجتماعية».

وعن طبيعة الحياة اليومية يقول الجد "محمود": «كانت الإنارة الليلية لدينا عبارة عن ضوء الزيت البسيط أو ما كان يعرف بالبصبوص، وكنا نقتات في بعض الأحيان وبحسب الموسم على صيد السمك والحجل ومختلف الطيور البرية، وكان هذا موردنا الوحيد لتناول اللحم علماً أننا كنا نربي المواشي وخاصة الماعز الذي اشتهر بأحجامه وأوزانه الكبيرة نتيجة اعتمادنا على الطبيعة في تغذيته، إضافة إلى تربية ذكور الأبقار أو ما يعرف بالعجول الخاصة لحراثة الأراضي الزراعية».

القرية ضمن المثلث الأسود وفق جوجل إرث

وفي لقاء مع مختار قرية "سريجس نرجس" السيد "أحمد عبدو محمد" قال: «تتربع قرية "جوعيت" على أرض منبسطة بجانب نبع ومغارة "جوعيت" وتحيط بها المياه من مختلف الجهات، فترى الشلالات الصغيرة تغدق مياهها بجانب كل منزل في مشهدية بصرية فريدة رائعة الجمال، والقرية تبعد عن مدينة "الشيخ بدر" في جهتها الجنوبية الشرقية حوالي أربعة كيلومترات فقط، ويعتبر مناخها معتدلاً لإحاطتها بالمرتفعات الجبلية والغابات الطبيعية.

ويحد القرية من الجهة الشمالية قريتي "حميص" و"الفندارة" ومن الجهة الجنوبية قرية "القليعات" وقرية "كرفس" ومن الجهة الشرقية قرية "بشمس" ومن الجهة الغربية قرية "كفرية" وقرية "الديريني".

كما يوجد بجوارها عدد من طواحين الماء التراثية منها طاحونة الشيخ "صالح العلي" التي تميزت بطريقة عملها بضخ المياه لطحن الحبوب وعصر الزيتون و"طاحون الزيمرية" التراثية وطاحونة الشيخ "محمد نعوس" وطاحونة "البلوطة"».

ويتابع السيد "أحمد": «ولكون السكان عائلتين فقط فقد تميزت علاقاتهم الاجتماعية بالبساطة والمحبة، فلم تشُبها الخلافات العائلية».

أما الجد "دمر أحمد" فقال: «سكن الناس هذا الموقع الجغرافي لتوافر المياه الغزيرة على مدار العام، وقد استثمروها في حياتهم الطبيعية والزراعية، فكانت سبباً في بقائهم على مدار عقود متعددة، وما يزالون يقطنون فيها حتى الآن رغم أن بعضهم عاد إلى قرية "المريقب" أو مركز مدينة "الشيخ بدر"».