غابة طبيعية بمختلف مكوناتها البرية غطت رقعتها الجغرافية أشجار السنديان والقطلب الأحمر النادر محاكية الحاضر بتاريخها المتجذر في أربعة قرون خلت.

فغابة "الشيخ شاهين" إحدى أهم الغابات المترامية الأطراف في قرية "سريجس" بمدينة "الشيخ بدر" هي الموروث البيئي الذي لقي العناية الجيدة من أهالي القرية منذ استيطانهم عليها، وهو ما أوضحه مختار القرية "أحمد محمد" لمدونة وطن eSyria عندما التقته بتاريخ 30/5/2013 مضيفاً: «قد يكون اسم الغابة دلالة واضحة على طبيعتها من الناحية الاجتماعية بالنسبة لأبناء القرية، فهي تحوي مقاماً دينياً قديماً من قدم القرية، لذلك سميت باسم صاحب هذا المقام، وهي تقع في مركز القرية بجانب نبع "سريجس" وتمتد باتجاه الشرق وتترامى أطرافها إلى الناحية الجنوبية والشمالية، وتتربع على سفح هضبة القرية بقسمها العلوي لتظلل العديد من المنازل التي بنيت بجانبها وفيها.

في السابق اجتمع الصغار من أبناء القرية إلى جانب خطيب القرية لتحصيل علومهم الفكرية بجانب نبع القرية وشجرة الشيخ "شاهين"

والغابة تبعد عن مدينة "الشيخ بدر" حوالي أربعة كيلومترات باتجاه الجنوب الشرقي، وترتفع عن سطح البحر حوالي /500/ متر، وتتميز بأشجارها الباسقة المرتفعة والضخمة جداً مقارنة مع بقية التجمعات الشجرية الصغيرة في القرية، حيث يبلغ ارتفاع بعضها حوالي العشرين متراً تقريباً وربما تزيد، وحجم قطر جذعها يزيد على سبع أمتار».

الأستاذ "كامل اسماعيل"

يتابع المختار "أحمد" في توضيح الثروة النباتية والحيوانية التي تتمتع بها غابة "الشيخ شاهين": «تتميز الغابة الطبيعية بنمو نوع نادر من الأشجار وهي أشجار القطلب الحمراء إلى جانب أشجار السنديان العملاقة وشجيرات الريحان والغار والآس والزعرور والبطم والخرنوب والجربان والعجرم والعديد من النباتات والأعشاب البرية مثل الخبيزة والبلغصون والحميضة وبعض الفطور الغريبة أو النادرة ربما.

أما عن الحيوانات فيوجد فيها تنوع جيد كالأرانب والثعالب والخنازير والسناجب والضب وفئران الحقل، ويقال إنه كان يوجد في الغابة الكثير من الغزلان التي كان يقصدها الملك "دياب ابن غانم" للتمتع بصيدها في فصل الصيف عندما يزور قصره بجانب الغابة، أما الطيور ففيها الحجل والدوري والدرغل والشحرور».

السياحة الشعبية في الغابة

الأستاذ "كامل اسماعيل" من أبناء القرية تحدث عن انعكاس أهمية الغابة بالنسبة للأهالي على العناية بها فقال: «تمتعت الغابة بالحماية الجيدة من قبل الأهالي نظراً لقدمها الطبيعي وقيمتها في حياة الأجداد اجتماعياً ولوجود مقام ديني فيها، وهو ما جعلها مقصداً مهماً في أغلب أيام العطل الأسبوعية والأيام العادية لممارسة السياحة الشعبية بين ربوعها الخضراء، حيث تجد أغلب معمري القرية في كل يوم يجلسون في فيئها طوال النهار يمارسون لعبتهم المفضلة "المنقلة"».

ويتابع الأستاذ "كامل": «تملك الغابة الكثير من مقومات السياحة وتمارس فيها السياحة الشعبية بشكل جيد وكبير رغم أنها غير مخترقة بالطرق الزراعية بشكل جيد ومناسب للتنقل في ربوعها، وهذا ما يجعلها بيئة مناسبة وجاهزة للاستثمار السياحي بمختلف أوجهه لو تم العمل على هذا الأمر بشكل جيد، ناهيك عن الإطلالة الجبلية الخلابة في أعلى مواقعها».

موقع الغابة ضمن المثلث الأسود وفق جوجل إرث

الجد "دمر أحمد" معمر من القرية يبلغ من العمر حوالي ثمانين عاماً، يحدثنا عن أهمية غابة "الشيخ شاهين" في عرفهم الاجتماعي وكيف وظفوها في حياتهم الاجتماعية، وهنا قال: «لقد اكتسبت هذه الغابة التي تبلغ مساحتها حوالي أربعين دونماً مكاناً مهماً في حياتنا الاجتماعية لعدة أسباب منها أنها تبدأ من مركز القرية وتحتضن العديد من المنازل وتضفي مناخاً معتدلاً جميلاً في مختلف فصول السنة، وأنها كانت ذات مكانة قيمة في حياة أجدادنا القدامى لاحتضانها مقاماً دينياً لأحد الأولياء الصالحين في القرية، ناهيك عن أنها منحت أبناء القرية مناخاً جيداً لممارسة هواية صيد الطيور في بعض أشهر السنة التي يسمح فيها بالصيد.

إضافة إلى أن الأهالي القدامى في القرية اجتمعوا تحت ظل أشجار السنديان والقطلب فيها ومارسوا حرفتهم التراثية في حل شرانق الحرير بواسطة دواليب الحرير الخشبية، وقد كانت ملجأً لهم في بعض الأشهر الحارة للاستظلال بظلها الوارف نتيجة لطبيعة أشجارها الكثيفة التي تمنح المناخ العام الانتعاش والهواء العليل.

كما أن هذه الغابة جمعت مختلف الحرف التراثية الأخرى التي كانت تمارس بسواعد أبناء القرية كصناعة الأقفاص المتنوعة المصنوعة من أعواد شجيرات الريحان أو ما يسمى "القفر"، حيث كانت هذه الشجيرات تقلم بشكل نظامي في كل عام تقريباً ليستفاد من أغصانها المقلمة في هذه الحرفة التراثية».

ويختم الجد "دمر" حديثه بالتأكيد على قيمة الغابة لأبناء القرية من حيث التحصيل العلمي والفكري حيث يقول: «في السابق اجتمع الصغار من أبناء القرية إلى جانب خطيب القرية لتحصيل علومهم الفكرية بجانب نبع القرية وشجرة الشيخ "شاهين"».