مجموعة من العوامل الطبيعية تضافرت عبر الأزمنة الجيولوجية المتعاقبة لتشكل هذه المنطقة سواء بالحركات "البنائية التكتونية" أو بالحت النهري، حيث المناخ المعتدل، والمياه الوفيرة والأرض الخصبة، جميع هذه العناصر جعلت من هذه المنطقة مركزاً لكثير من الزراعات ومورداً غذائياً هاماً.

إنها منطقة "جعابين طرطوس" التي تمتد من الشريط الساحلي الضيق شمال مدينة "طرطوس" بـ5 كم، وتساير نهر "حصين البحر" من الجانبين باتجاه العمق داخل الجبال لمسافة تزيد على 4 كم، وتتشعب لليمين واليسار بين الجبال.

أعتقد بأن قدم هذه المنطقة في زراعاتها يعود إلى مرور النهر فيها، خاصة إذا علمنا أن النهر لم يكن ليجف في العقود الماضية، كذلك فإن سماكة "اللحقيات" التي جلبها النهر ساهمت بازدهار كافة أنواع المزروعات وتقديم إنتاج زراعي مميز، كما أن الرواسب التي جلبها النهر تتنوع بين "بحص ورمل" وبقايا عضوية متنوعة جداً، ساهمت جميعها بجعل التربة خصبة

ويعتبر سرير النهر أخفض منطقة في هذا السهل في حين ترتفع الأرض على جانبيه باختلاف المناطق، كما تتسع في مكان وتضيق في آخر، ويتصل السهل بالجبال المحيطة به بزاوية حادة بسبب ارتفاع ووعورة هذه الجبال، هنا يقول الأستاذ "أحمد سكاف" مدرس جغرافيا من قرية "بلاطة غربية" المشرفة على الوادي، لمدونة وطن "eSyria" التي التقته بتاريخ 20/4/2013: «يمكن لمن يرى هذا الوادي على الخرائط أو في الصور الفضائية أن يلاحظ الالتواء الطويل الذي يشق الجبال الساحلية ويلتقي بالتواءات أخرى وصولاً إلى محافظة "حماة"، ويجري عبر هذا الشق نهر ينبع من مدينة "مصياف" ويجري بين الجبال وصولاً إلى البحر جنوب مدينة "طرطوس" ب3 كم والذي يسمى في آخره "حصين البحر".

إحدى مناطق العمق في الوادي

والفكرة هنا أكبر من مجرد سهل يشق الجبال عدة كيلومترات، وإنما مجموعة عوامل تضافرت عبر الأزمنة الجيولوجية المتعاقبة لتشكيل هذه المنطقة سواء بالحركات "البنائية التكتونية" أو بالحت النهري الذي شكل هذا الوادي، لكن مسافة ال5 كم المذكورة آنفاً هي الأكثر اتساعاً بسبب قربها من السهول الساحلية واتساع وانخفاض أرضها ما جعل النهر يلقي الكثير من حمولته من الرواسب في هذه المنطقة.

كذلك فإن عوامل الحت التي قام بها النهر ساهمت عبر الزمن في اتساع الوادي إلى أن أخذ شكله الحالي، ولمن يعرف المنطقة قبل ثلاثين عاماً يذكر كيف كانت مياه النهر تغطي مساحة الوادي كاملاً خلال الفيضان، في حين كان قليل العمق ويبلغ عرض سريره 100م كحد أقصى، ومع دخول استثمارات "الكسارات" النهرية واستخراج البحص من النهر زاد عمقه، وبالتالي أصبحت المناطق المحيطة به أكثر أماناً للزراعة وأرضاً زراعية خصبة».

المزارع "عامر محمد"

المزارع "عامر محمد" أشار: «يعتبر هذا الوادي من أقدم المناطق التي تمت زراعتها في "طرطوس"، فأبي وجدي وربما قبلهم زرعوا أرضهم في هذه المنطقة بالخضار "البعلية" حيث المناخ المعتدل صيفاً والرطوبة العالية، كذلك فإن انخفاض المنطقة جعل مياه الأودية المجاورة تصب في هذا الوادي من جميع الجهات، وقد سبب هذا الأمر قدوم تربة جديدة دائمة محملة بالمواد المغذية للمزروعات.

اشتهرت المنطقة سابقاً بزراعة جميع الخضراوات خاصة الصيفية "بطيخ، قرع، عجور، ذرة"، ومنذ أربعين عاماً بدأ الناس في المنطقة مع فتح الآبار بإدخال مختلف أنواع الفواكه أهمها الحمضيات بأنواعها، ثم أدخل بعض القادمين من المغترب شجرة "الأفوكادو"، وتعتبر مناطق "الجعابين" من أقدم مناطق سورية التي زرعت فيها "الأفوكادو" وهكذا تلتها الأنواع الأخرى مثل "الرمان، اللوزيات، التفاحيات"، في حين اتجه بعض الناس منذ عقدين إلى الزراعات المحمية».

سميت المنطقة باسم "الجعابين" نسبة إلى "جعبة" بمعنى المنطقة العميقة المحفوظة والمنخفضة، وتقع في منطقة متوسطة بين سهول "طرطوس" الساحلية غرباً، وقرية "بلاطة الغربية" شمالاً، ومن الشرق قرية "بيلة وبملكة"، ومن الشمال قريتي "دوير الشيخ سعد، بسماقة"، في حين لم تعد مياه نهر "حصين البحر" تفيد المزارعين في هذا الوادي النهري بعد أن كان النهر مورداً لسقاية بعض المزروعات الصيفية، إضافة إلى أن النهر لم يعد يجري كما السابق، حيث أصبح يجف في شهر حزيران.

في حديث آخر يقول المهندس الزراعي "عمران أسعد" من مدينة طرطوس: «أعتقد بأن قدم هذه المنطقة في زراعاتها يعود إلى مرور النهر فيها، خاصة إذا علمنا أن النهر لم يكن ليجف في العقود الماضية، كذلك فإن سماكة "اللحقيات" التي جلبها النهر ساهمت بازدهار كافة أنواع المزروعات وتقديم إنتاج زراعي مميز، كما أن الرواسب التي جلبها النهر تتنوع بين "بحص ورمل" وبقايا عضوية متنوعة جداً، ساهمت جميعها بجعل التربة خصبة».