على ثلاثة تلال متجاورة تمركزت قرية "الدي" التابعة لناحية "القدموس" وارتفعت /975/ متراً عن سطح البحر، لتتميز بالمناخ المعتدل صيفاً والبارد شتاءً، ولتحتضن أربعة إخوة منذ /300/ عام كان لهم الأصل في تشكل هذه القرية التي عرفت أيضاً بطيبة شعبها وحبهم للثقافة والعلم والسعي لإغناء فكرهم بها.

موقع eSyria زار قرية "الدي" بتاريخ "5/1/2011" والتقى الجد "حافظ غانم" الذي حدثنا بداية عن تضاريس القرية، حيث قال: «توضعت قرية "الدي" التابعة لناحية "القدموس" على ثلاثة تلال يفصل بينها منحدرات أودية خفيفة جداً، حيث أحاط بها من الجهة الغربية قرية "باب النور" ومن الجهة الشرقية قرية "النواطيف" ومن الجهة الجنوبية قرية "الدويلية"، في حين أن قرية "كعبية عمار" أحاطت بها من الجهة الشمالية».

لقد تميز السكان بالطيبة والعفوية والصدق في تعاملاتهم فيما بينهم ومع الآخرين، وهذا ما أدى إلى عدم ذكرها في أي محفل قضائي حتى الآن، حيث تُحل خلافاتهم البسيطة عبر وجهاء القرية والمعمرين الذين يلقون الكثير من التقدير والاحترام

أما عن تاريخها وقدمها فيقول: «من حوالي /300/ عام وأكثر سكن رجل يدعى "معد" المنطقة وقد جاء من قرية "خان جلميدون" التابعة لمحافظة "حماه" وكان لديه أربعة أولاد هم "غانم" و"أسعد" و"عباس" و"معلا"، حيث أصبحوا فيما بعد هم أصل عائلات القرية الأربعة، وكان سكنهم أشبه بالخرائب وسط الطبيعة البكر، لذلك سميت المنطقة باسمه "خرائب معد" وعرفت على مستوى المناطق والقرى المحيطة، وعملت هذه العائلة بالزراعة وسط هذه الطبيعة الجبلية الصعبة القاسية، فزرعوا القمح والذرة والدخان، وكروم العنب على جوانب الأراضي المزروعة فقط، وما تزال هذه المهنة سائدة حتى أيامنا هذه، وقاموا بتربية الماعز الذي يستطيع التأقلم والعيش في طبيعة قاسية كهذه، كما كان يوجد في القرية نبع طبيعي وحيد يسمى "نبع الناصوب"، حيث تم في فترات سابقة تجميع مياهه ضمن خزان كبير للاستفادة منها».

الجد "حافظ غانم"

وعما تمتعت به القرية إلى جانب طبيعتها الخلابة يقول السيد "أصف عباس": «تشرف القرية كموقع جغرافي على كلٍ من قلعة "العليقة" وقلعة "المرقب" وقلعة "القدموس"، ما جعلها مطمعا لبعض المحتلين زمن الاحتلال الفرنسي، حيث شهدت القرية في أحد أوديتها المجاورة وهو "وادي جهنم" معركة لن ينساها المحتلون أبداً لما تكبدوه من خسارة في الأرواح والعتاد بعد محاولتهم الزحف إليها للسيطرة على موقعها، حيث دفع بعض الأهالي أرواحهم ثمن لهذا».

ويتابع: «لقد تميز السكان بالطيبة والعفوية والصدق في تعاملاتهم فيما بينهم ومع الآخرين، وهذا ما أدى إلى عدم ذكرها في أي محفل قضائي حتى الآن، حيث تُحل خلافاتهم البسيطة عبر وجهاء القرية والمعمرين الذين يلقون الكثير من التقدير والاحترام».

طريق الوصول إلى "الدي"-دائرة الحمراء من "بانياس"-الدائرة السوداء

وعن بعض المناطق الطبيعية الهامة التي عرفت وتميزت بها يقول السيد "محمد عباس": «لقد ذاع صيت وادي "جهنم" في جميع أنحاء المعمورة لطبيعته الجميلة والخلابة وامتداده الواسع وأرضه المنحدرة بشكل كبير رغم خصوبتها، إضافة إلى وجود فالق جيولوجي طبيعي اسطواني الشكل يدعى "هوة جباب" يقصده القاصي والداني في الصيف للتمتع بجماله الطبيعي وعذوبة مياه نبعه الداخلي واعتدال حرارته».

ويتابع: «يوجد على قمة جبل بالقرب من منطقة الهوة منطقة أثرية فيها عدد كبير من الآبار المحفورة بالصخر وتسمى الآبار الكفرية، يعتقد أنها كانت مخازن لتعتيق الخمور على زمن الكنعانيين، حيث كانت هذه المنطقة مليئة بكروم العنب، وكانوا يصنعون منها مؤن الخمر على مدار العام، كما يصنعون مؤن القمح والزيت، أضف إلى ذلك وجود معاصر عنب قديمة هي عبارة عن بواطيس حجرية، وقد سميت بهذا الاسم اشتقاقاً من اسم الإله "باخوس" اله الخمر».

من الطقوس التراثية في القرية

وعن سبب تسمية القرية يحدثنا الباحث التراثي "حسن اسماعيل" فيقول: «لقد سميت منطقة الخرائب التي سكنها الجد "معد" بـ"الدي" نتيجة لدفعها فدية مادية لأحدى العائلات في القرى المجاورة حلاً لخلاف نشب بين بعض الشباب فيهما، وهناك رواية أخرى تقول أن الجد "معد" كان متزوج من امرأة تملك مهارة خاصة في عملية توليد النساء، حيث لم يكن يوجد غيرها في المنطقة كداية عربية في تلك الأيام، وعرفاناً لها سميت القرية باسمها قرية "الداية" حيث تم فيما بعد تحريف الكلمة واختصار بعض الأحرف منها لتصبح "الدي"».

ويضيف: «بحسب أبحاثي وسعيي الدائم لكشف هوية المناطق الريفية التراثية والاجتماعية، وجدت أن قرية "الدي" لا تزال تحتفظ بالكثير من عاداتها وتقاليدها التراثية وطقوسها الاجتماعية ومنها عادة السهرات الجماعية، وطقوس إحياء العرس الريفي التراثي، وصناعة بعض الأكلات التراثية أيضاً، كالسيالات، وجميعها بالطرق التقليدية القديمة لدرجة أنهم لا يقومون بأي عمل إلا وفق جذوره التاريخية التراثية الصحيحة، وهذا ما دفعني لأن أقترح عليهم تسمية قريتهم بقرية "الصح" لأنهم ينامون صح ويشربون صح ويأكلون صح ويتزوجون صح ويتحدثون صح ويزرعون صح ويعملون صح ويتعلمون صح».

وفي لقاء مع المهندس "ناظم أبو أسعد" رئيس البلدية حدثنا عن الخدمات التي تقدمها البلدية لهذه القرية: «تم تأسيس مجلس بلدية "الدي" بتاريخ "21/2/1981" وعَمِل بشكل مستمر على تأمين جميع الخدمات للأهالي من صرف صحي وتنظيم شوارع وتعبيدها ورش المبيدات الحشرية، حيث تضم "الدي" كبلدية قرية "النواطيف" وقرية "كعبية عمار" وقرية "جارة الوادي"، ويبلغ عدد سكان البلدية حوالي /7319/ نسمة».

عن المشاريع يقول: «لقد تم تنفيذ مشاريع جدران استنادية ضمن قرية "الدي" و"جارة الوادي" منها على جسم الطريق التنظيمي نتيجة لانهيارات التربة وقطعه ومنها بقصد التوسيع، وذلك بقيمة /1179000/ ليرة سورية، في حين أن مشاريعنا المستقبلية هي الانتهاء من بعض أضابير الاستملاك وتجهيز مصارف مطرية في قرية "الدي" و"النواطيف"، إضافة إلى وصلات صرف صحي في "الدي" لتحويل الصرف الصحي بعيداً عن الحقول الزراعية».