قصة البانياسيين مع المقاهي معروفة، فإذا سألنا أياً من أبنائها عن مقاهي المدينة سيتحدث بداية عن "مقهى البحر" الذي سامرت أمواج البحر أمسياته الممزوجة بعبق قهوته المميزة لسنين طويلة.

في هذا الموقع المميز بإطلالته وظلاله والذي أصبح المكان المفضل والملتقى الذي يقصده الكثيرون منذ ساعات الصباح الأولى وخلال أمسيات الصيف الطويلة، eSyria استكشف بتاريخ 18/5/2009 ماضيه الطويل الذي يعرفه أصحاب المقهى والعديد من رواده.

أجلس في هذا المقهى منذ أكثر من ثلاثين عاماً، وكان البحر يصل إلى هذا الحائط (حائط السرايا) حيث كانت هذه الفسحة أصغر

التقينا هناك بصاحب المبادرة في استلام إدارته منذ زمن بعيد- "مصطفى الجندي" الذي أجاب عن تساؤلاتنا حول مسألة القدم مؤكداً وجوده قبل جميع مقاهي المدينة الأخرى، حيث قال: «كان المقهى سابقاً عبارة عن أرض جرداء تستخدم كساحة لخيول الشرطة، وبعد ذلك تم إنشاء هذه الساحة التي أصبحت تابعة للمقهى، أما مالكه قبلنا فلم يستمر لأكثر من عام وهو أروادي يدعى "فضل بصو"، واستلمته سنة 1955 عندما كنت موظفاً في "شركة النفط" حيث تم توقيع عقد مع بلدية "بانياس" حينذاك».

صورة للمقهى أثناء سباق للسباحة

الرجل الذي جمع الكثيرين على فنجان القهوة أو الشاي لسنين عديدة، أصبح الآن مثل بعض زائريه الذين يأتون في ساعات الصباح أو المساء، وعن دور الطبيعة سابقاً ولاحقاً يضيف: «كان البحر يصل حتى جدار "السرايا"، وقد تم ترميم جدار هذه الساحة عدة مرات بسبب الأمواج، وكل هذه الأشجار هنا زرعناها نحن، وهي ما تميزه عن مقاهٍ عديدة اليوم.

يعتبر هذا المقهى أقدمها في المدينة بتاريخ يعود إلى ما قبل الخمسينيات، وهو مكان شعبي جمع كافة الفئات، فلم يكن يوجد مكان يضاهيه بالموقع والإطلالة».

أحمد الجندي

ومن الأبناء الذين استلموا زمام أمور المقهى حالياً حدثنا "أحمد الجندي" فقال: «في سنة 1963 تم توقيع عقد مع مدير المنطقة "وليد يوزباشي"، والعقد ما يزال موجوداً، وقد ظل والدي يدير المقهى حتى الآن، وبدأت أساعده في السنوات الأخيرة بعد أن تركت عملي الأساسي في حقول النفط.

كان البحر يصل سابقاً إلى مكاننا هذا وبقي كذلك حتى سنة 1986 عندما تم إنجاز مشروع الكورنيش، وكانت الأمواج تسبب أضراراً وتسحب جزءاً من أرض المقهى، وقد تم ردمه مرات عديدة».

جورج حجار ويوسف خربطلي

بحكم قربه من مبنى "السرايا" آنذاك أصبح ملتقى الشريحة المثقفة الأول بامتياز، وعن ذلك يعلق بالقول: «يعد هذا المقهى أحد أقدم مقاهي "بانياس" وهو ملتقى للناس من جميع الفئات، لما يتميز به من جو هادئ، كما يعد ملتقى للمثقفين ومحامي البلد منذ خمسين سنة، يتخرجون ويحضرون شهاداتهم معهم، فلا يوجد محام قد تخرج إلا أتى إلى هنا، حيث يلتقي بزبائنه وزملائه، وهذا ما كان يعطي للمقهى تميزه.

شجرة "البطم" هذه عمرها حوالي 55 سنة وتعطي ظلاً كثيفاً في أشد أوقات الصيف حرارة، وبعض الزبائن الذين تراهم جلسوا هنا حوالي خمسين سنة وقد جلس آباؤهم قبلهم».

مسألة الملك العام كانت سبباً في إبعاد الكثيرين من أصحاب هذا الملك عن مكانهم المفضل، ولكن هذا كان لفترة وجيزة حيث عادوا ليشربوا فنجان قهوتهم المفضل في "مقهى البحر"، وبحسب قوله: «منذ حوالي سنتين وبعد كل هذه السنين من العمل في هذا المقهى نفاجأ بصدور قرار وزير الإدارة المحلية بإخلاء المقهى كونه في النفع العام، وهذا بدوره إجراء غير قانوني وظلم لأنه يوجد عقد إيجار فالعقار ملك لـ"مجلس مدينة بانياس".

أيد أعضاء المجلس بقاءنا مرتين، لكن لم يتم القبول بدون مناقصة، وقد قمنا باستعادة المقهى بعد ذلك عن طريق هذه المناقصة، أما القسم الشتوي فسيتم إعلانه في مزاد للبنوك الخاصة».

كانت الدقائق القليلة التالية مع بعض رواد المقهى القدامى الذين جلسوا إلى طاولة قريبة، ربما كانت المفضلة على مر السنين، وهناك تحدثنا إلى "جورج حجار" الذي قال: «أجلس في هذا المقهى منذ أكثر من ثلاثين عاماً، وكان البحر يصل إلى هذا الحائط (حائط السرايا) حيث كانت هذه الفسحة أصغر».

أما "يوسف خربطلي" فعبر قائلاً: «كنت محاسباً في البلدية وقد كتبت عقد الإيجار لهذا المقهى سنة 1965، ولا أذكر نفسي إلا أجلس فيه، وبالنسبة لي يعد الجلوس على البحر مصدراً للراحة النفسية مهما كان الشخص متعباً بسبب هذه المناظر».