من ذاكرة الحرب وبقاياها صمّم عدد من الفنانين في منطقة "مشتى الحلو" شجرة برؤيا فنية باسم: "شجرة سورية المقدسة"، تحمل معاني ورموزاً عديدة عن تفاصيل حياة الإنسان السوري.

مدونة وطن "eSyria" زارت بتاريخ 2 كانون الثاني 2017 مكان هذه الشجرة في "مشتى الحلو" لتعكس أفكارها ومعانيها العديدة، والتقت النحات "وائل الدهان" من الفنانين الذي شاركوا في تنفيذ هذا العمل، فحدثنا عنه بالقول: «"شجرة سورية المقدسة"؛ عنوان العمل، حيث قررنا أن نرمز لـ"سورية" والحرب بعمل محدد يعبر عن معاناة الإنسان السوري نتيجة قساوة الحرب وظلمها، وبعد جلسة عصف ذهني مع زمكلائي الفنانين قررنا أن تكون من المعدن الصلب، فصنعنا من عمود حديد شجرة متجذرة في الأرض ومتمسكة بنفسها؛ وهذه "سورية" التي لا تهزّها الحروب العابرة، والثابتة والمتأصلة عبر القرون الطويلة والزمن البعيد، ورمز كل غصن لمكان ومنطقة وحيّ في هذا البلد، مازال ينعم بالبقاء والوجود بعد سنوات الصراع، وأخيراً أوراق الشجرة التي صنعناها من أدوات وأغراض منزلية مازالت بين أيدي أصحابها، وهذه الأوراق هي كل إنسان؛ طفل أو راشد، رجل أو امرأة، شاب أو عجوز مازال حياً بعد سنوات الحرب القاسية.

نحن أمام عمل فني بحت نرى بقايانا معلقة عليه، ومقتنيات تعيش معنا الحرب في كل لحظة، لا نراها فقط معلقة على شجرة، لكن تذكرنا بكل ما مضى في هذه السنوات؛ فهي تخاطب الناس دائماً ليتأمّلوا بكل ما عاشوه من تفاصيل وأحداث

وأخيراً، اخترنا أن نلوّنها بالأزرق؛ فـ"الله" يرمز إليه دائماً به من المنظور الفني؛ رمز السماوات البعيدة التي لا حدود لها. وفي النهاية، قدّمنا هذا العمل الذي يوحي للمارّة والعابرين بأن "سورية" ستبقى ثابتة متجذرة بترابها، ومازالت تتنفس الحياة مع أنّ كل ما حولنا هو من مخلفات الحرب».

أغصان

"وائل الصباغ" مدير الملتقى الثقافي في "مشتى الحلو"، والمشرف على تنفيذ هذه الشجرة، يقول: «بدأت فكرة الشجرة من مخلفات الحرب والمعدن، لكن مع الوقت تبلورت ونضجت أكثر، حيث خضعت لبعض التعديلات، فعندما أتى الفنانون "وضاح سلامة"، و"وائل الدهان"، و"علاء محمد"، و"علي سليمان" من "دمشق" و"طرطوس"؛ طرحوا أفكاراً مختلفة ومدعومة برؤية فنية، فدارت النقاشات حول ماذا تعني كلمة مخلّفات الحرب؟ فكانت الأجوبة مباشرة هي الرصاص أو الشظايا أو القذائف، لكن بعد النقاش والحوار رأينا أنّ كل شيء هو من بقايا الحرب؛ فالأغراض الشخصية والأدوات المنزلية ومعدّات الإنتاج، وغيرها الكثير من الأمور المختلفة التي مازالت موجودة بين أيدينا تعدّ بقايا حرب؛ فوجدنا أنّ مفهوم "بقايا حرب" أوسع وأعمق بكثير من المتداول بين الناس، فبدأت تتضّح الفكرة أكثر وأكثر، حينئذٍ قرّرنا أن نصنع شجرة تعمّ بالحياة من صبغة فنية وملامسة لواقع الإنسان السوري.

وبدأنا تنفيذ هذه الشجرة ضمن ظروف جوية صعبة من أمطار وثلوج؛ لكن إرادة الفنانين ومحبتهم لفكرة "شجرة سورية المقدسة" كانت أقوى من المناخ؛ فعملوا بإصرار على تنفيذها، واتّجهنا إلى العائلة السورية والأدوات والمقتنيات الموجودة في كل منزل يستخدمها كل فرد يعيش فيها وتعيش معه، وقد أحضر لنا كثيرون من الأشخاص أغراضهم ليشاركوا بها في الشجرة.

مشهد عام للشجرة

سمعنا خلال مدة العمل قصصاً وحالات إنسانية كثيرة؛ فهناك سيدة من منطقة "مشتى الحلو" أحضرت لنا طنجرة طبخ، وقالت إنها تذكّرها بأولادها؛ حيث كانوا كل يوم يسكبون طعامهم منها ويجتمعون حولها، أما الآن، فكل أولادها سافروا، فأرادت أن تشارك بها في عملنا لتراها كل يوم كأحد أوراق شجرة الإنسان السوري وتتذكّر أولادها. أيضاً أتى رجل مسنّ إلينا وأحضر "ركوة" قهوة، وقال إنّ عمرها عشرات السنين، وكان حين يتشاجر مع زوجته في المساء يستيقظان صباحاً ويتصالحان عندما يشربان قهوتهما في الصباح، وغيرها الكثير من القصص والتفاصيل الصغيرة التي يعيشها الإنسان السوري كل يوم في ظلّ هذه الحرب؛ فكان هذا العمل الرمزي "شجرة سورية المقدسة"، التي تعبّر عن بقايا حرب ووطن مازال ثابتاً حياً ومستمراً».

"منذر عيد" من سكان المنطقة، قال عن رأيه بالشجرة: «نحن أمام عمل فني بحت نرى بقايانا معلقة عليه، ومقتنيات تعيش معنا الحرب في كل لحظة، لا نراها فقط معلقة على شجرة، لكن تذكرنا بكل ما مضى في هذه السنوات؛ فهي تخاطب الناس دائماً ليتأمّلوا بكل ما عاشوه من تفاصيل وأحداث».

بعض مخلفات الحرب