مدينة الأبجدية الأولى تطوي عاماً وتستقبل آخر، من بوابة أوغاريت من البحر إلى الجبل احتفل أهالي اللاذقية بعيد رأس السنة الميلادية.

وفي جولتنا الصباحية لاحظنا أسواق الخضار تكتظ بالوافدين، كما محال الحلويات التي لم نتمكن من الدخول إليها إلا بصعوبة وبوقت قصير نفق ما أعدته من حلويات للمناسبة. ولم تغفل الحضانات في هذه المدينة أن تجري احتفالات لأطفالها لتعلمهم المحبة وأهمية الاحتفال الجماعي في العيد.

وفي المساء أضيئت الأنوار والزينة على جدران شرفات المنازل وأحيت كل عائلة هذا اليوم على طريقتها، فالأغلبية العظمى اجتمعت عند العائلة الأكبر وبعضها التقى عند الأخ الأكبر عمراً وهناك أبناء العمومة والأخوال كما الأصدقاء والجيران اجتمعوا على الألفة والمحبة والموائد التي احتوت أصنافاً من الطعام التقليدي المخصص لهذا اليوم "التبولة، الكبة، الفطائر بأنواعها، كما الكستناء وسلطة الفواكه.. ولم ينسوا الكاتو ليطفئوا شمعة من عمر الزمن".

يطفئون شمعة العام

في جولتنا على بعض هذه المنازل كان لنا وقفة مع إحدى العائلات كثيرة الأفراد الذين اجتمعوا عند أمهم المريضة لتفرح بأبنائها وأحفادها من حولها وكل ابنة من بناتها السبعة أحضرت طبقاً من الطعام تشتهر بإعداده.... وفي عائلة أخرى استوقفتنا أنغام العود وأصوات جميلة ليتبين لنا لدى دخولنا أن الأولاد والأصهار اجتمعوا ليستقبلوا السنة الجديدة بالغناء الأصيل فها هي داليا تغني لحبيبها الساهر معهم أجمل باقات من الأغاني التي تتناول الحب ومشاعره. وسعى فواز لاستنهاض تراث اللاذقية من خلال أغنية "يا محلى الفسحة يا عيني".

ومنذ وقت ليس بالقصير وصلت عائلة من سفر طويل لذاك المنزل فعائلة حسان قدمت من حلب إلى بيت العمة ليشتم رائحة من غابوا من الأهل وفي هذا اليوم من كل عام تستقبلهم بالأطعمة التي تشتهر بها اللاذقية ولا تنسى كبة السلق الأكثر شعبية.

مأكوالات العيد

الابن الأصغر توجه لأبي يوسف مع عائلته من دمشق لتشارك ابنته الوحيدة أجدادها وعماتها فرحة العيد فاجتمعت مع ابن عمها الصغير ليطفئوا شمعة العيد.

ولم تنس تلك الصبية في الثلاثين من عمرها انتقاء قالبين من الكاتو الأول لبيت حماها والثاني لبيت أهلها وهو تقليد اتبعته منذ زواجها، لتبدأ السهرة عند الأول وتكمل عند الأخير وتعود منزلها قبل الثانية عشرة طاوية به سنة ومستقبلة أخرى.

بوابة سوق الخضرة

وآخرون من أهالي اللاذقية الذين تستهويهم الأجواء الصاخبة والمطاعم بادروا للحجز قبل أيام ولم يتوقفوا عن الرقص والغناء طوال السهرة رغم الازدحام في تلك الأمكنة... وما يهز الذاكرة الوجدانية لأهالي اللاذقية صفير حميم لا تلهيهم عنه أصوات المفرقعات إنه صفير البواخر الراسية في ميناء اللاذقية تطلق زغاريدها التراثية عند نهاية العام لتستقبل العام الجديد حيث كان الطقس منذ عشرات السنوات يقتضي استقبال العام الجديد على كورنيش البحر كعادة يذكرها الأجداد أكثر من الأحفاد.

ولكن سواء في المنازل أو في المطاعم عندما اقتربت ساعة الصفر ازدادت الأضواء والقنابل المضيئة التي زادت من جمال سماء اللاذقية خرج الجميع إلى الشوارع ليتمتعوا بمشاهدتها معلنة بذلك بداية عام جديد..

في صباح اليوم الأول من العام الجديد استيقظت باكراً لأجول الشوارع فالصمت مطبق يوحي بهدوء ما بعد العاصفة وكأن لا حياة هنا أو هناك. حتى وصلت الكورنيش الجنوبي لأرى البحر صامتاً أيضاً قد يكون حزيناً لأن النوم أثقل كاهل زواره ولم يلقوا التحية الصباحية عليه.

وفجأة طرقت أذني مطرقة عامل بناء ليعود الأمل بأن الحياة مازالت مستمرة رغم انقضاء عام ولنبدأ من جديد.