ذكريات كالحلم تتحدّث عن سبع طواحين خشبية وقماشية بناها أهالي "أرواد" منذ أكثر من قرنين؛ بهدف تأمين الدقيق لأيام الشتاء الصعبة، وتموين المراكب الشراعية العابرة، والحصول على المال.

تناثرت الأحاديث والأقاويل المتناقلة عبر الأجيال وبعض من عاصروا وجود هذه الطواحين التي بنيت في الجهة الجنوبية من جزيرة "أرواد"؛ فالصور الملتقطة لها قليلة جداً وتكاد لا تتعدى أصابع اليد الواحدة؛ لكنها دليل على وجودها فعلاً، ليبقى الحديث عن أهميتها وسبب وجودها، خاصة أن منهم من قال إن وجودها كالطيف والحلم، لكنه مؤكد.

كانت الطواحين مبنية من الخشب في البداية، ثم تمّ تحديثها ببناء حجري مع المحافظة على هيكليتها الأساسية وشفرات مراوحها المصنوعة من القماش المتين الخاص بأشرعة السفن ليتحمّل الرياح القوية، وكذلك كان وجودها في الجهة الجنوبية من الجزيرة، حيث الرياح الدائمة

"علي نجم" من أهالي وسكان جزيرة "أرواد"، أكد هذا في حديثه لمدونة وطن "eSyria" بتاريخ 28 كانون الأول 2016، ويتابع: «أنا من مواليد عام 1950، وأذكر وجود طاحونتين قائمتين على العمل في مرحلة عمرية مبكرة من حياتي، وأذكرها كالطيف، وبحسب الأحاديث المتناقلة بين الأهالي في الجزيرة، إنّ عددها كان سبع طواحين، وجميعها في الجهة الجنوبية من الجزيرة، وكنت أرى أصحاب الطاحونتين الباقيتين يستخدمونهما لطحن الحبوب، وخاصة القمح بعد سلقه على النار بأوعية كبيرة جداً تصل سعتها إلى نحو خمسين كيلوغراماً، حيث تحتسب هذه الكمية طحنة واحدة ضمن جرن الطاحونة، الذي تديره المراوح القماشية العاملة بفعل الهواء عبر محور معدني ثخين مرتبط بقرص معدني مسنّن يديرها لتطحن القمح.

صورة عامة للجزيرة تظهر في الدوائر السوداء الطواحين السبعة

كانت أهمية هذه الطواحين تنبع من القيمة الحقيقية للجزيرة الوحيدة المسكونة هنا، وخاصة بالنسبة للمراكب الشراعية العاملة بالجزيرة والعابرة لخط الإبحار بجانبها، وذلك من حيث عملية التموين الغذائي لها على مدار أيام السنة، وكذلك الحال بالنسبة للأرواديين في مختلف فصول السنة، ومنها فصل الشتاء الصعب الذي ننقطع فيه عن اليابسة لأيام وأسابيع».

ويتابع: «في تلك الفترة الزمنية كان من الصعب التنقل؛ لقلّة المراكب مقارنة مع أيامنا هذه؛ وهذا منح وجود الطواحين الهوائية قيمة مضافة؛ لصعوبة الحصول على القمح أو الدقيق والبرغل باستمرار؛ لذلك كان وجودها أمراً مهمّاً لتخفيف الأعباء على الأهالي؛ فالمعروف أنّ من يمتلك الدقيق يمتلك كل شيء. وأذكر أيضاً -بحسب الروايات- أنّ المراكب الشراعية كانت تبحر من الجزيرة إلى قريتي "بيت عليان" و"بيت كمونة" اللتين تزرعان القمح بكميات كبيرة، عبر نهر "الغمقة" لتتمكن من الحصول على القمح والعودة به إلى الجزيرة، وكذلك بالنسبة للخضار والحاجات الأخرى غير المتوفرة، التي تحتاج إليها المراكب للتموين والسفر الطويل».

القبطان علي أبو عمر

والأهم من هذا، حالة التوظيف للمناخ والإمكانيات المتوفرة بين يدي الأرواديين، حيث أضاف: «كانت الطواحين مبنية من الخشب في البداية، ثم تمّ تحديثها ببناء حجري مع المحافظة على هيكليتها الأساسية وشفرات مراوحها المصنوعة من القماش المتين الخاص بأشرعة السفن ليتحمّل الرياح القوية، وكذلك كان وجودها في الجهة الجنوبية من الجزيرة، حيث الرياح الدائمة».

وبحسب صفحة "أبناء وأصدقاء جزيرة أرواد" على أحد مواقع التواصل الاجتماعي، تذكر بعض مالكي تلك الطواحين، وهم: "الحاج عبد القادر سمين"، وعائلة "خليل بهلوان"، والشيخ "عبد الباري عثمان"، و"عبد القادر كنفاني".

صورة إحدى الطواحين الخشبية مربعة الشكل

وفي لقاء مع القبطان في البحرية التجارية السورية "علي أبو عمر" من أهالي جزيرة "أرواد"، قال: «المعروف أنه تم بناء عدة طواحين هوائية بحدود عام 1880 في الجهة الجنوبية من الجزيرة، حيث تهب الرياح فيها دائماً، وقد تم تحديثها من حيث البناء الخشبي إلى حجري مع المحافظة على المراوح القماشية، وبعدها في الستينيات أدخلت الطواحين الميكانيكية، وأهملت الهوائية وبدأت تنهار وتستخدم لأغراض أخرى كتربية الدجاج؛ وهذا أمر أتذكّره جيداً عندما كنت طفلاً».

ويضيف: «بعض الصور المتوفرة توضح وجود خمس طواحين، وجنود الاحتلال الفرنسي إلى جانبها، وهي مأخوذة عام 1920، وتظهر أيضاً الفسحة الرملية من الجزيرة، حيث لا يوجد بناء؛ أي المجال للتيار الهوائي مفتوح ليحرّك المراوح القماشية، فتدير المسنّنات والرحى لتطحن القمح، وهذا كان مكلفاً مادياً؛ لذلك كانت ملكية بعض الطواحين تعود إلى أكثر من شخص أو عائلة، وكان ارتفاعها يتراوح ما بين عشرة وخمسة عشر متراً».

أما رئيس مجلس بلدية "أرواد" الدكتور "محمد بصو"، المهتم بتوثيق تاريخ الجزيرة، فقال: «لا توجد صور كثيرة عن تلك الطواحين الهوائية، لكن في إحدى الصور المتوفرة والمأخوذة من دففتر محفوظات قديم جداً، تظهر سبع طواحين موزعة بطريقة مدروسة في الجهة الجنوبية من الجزيرة، وهذا إن دلّ على شيء، فهو دلالة على دقة التصاميم والتنفيذ، خاصة أن هذه الجهة من الجزيرة تتمتع بهبوب رياح دائم، كما أن في الصورة ذاتها تظهر الطواحين وهي مبنية من الخشب بالكامل. وفي صورة أخرى تظهر وقد أضيفت إليها بعض التحديثات، حيث كانت الحجارة الرملية المنحوتة يدوياً أساس البناء، وبطريقة فنية رائعة وشكل أسطواني بخلاف الشكل الأساسي الخشبي الذي كان على شكل مربع من القاعدة وحتى الأعلى، وقد تضيق في الأعلى قليلاً كمساحة عن القاعدة.

إضافة إلى أن سقف الطاحونة الخشبية كان هرمياً، بينما سقف الطاحونة الحجرية على شكل قبّة، مع المحافظة على طبيعة المراوح الشراعية المصنوعة من القماش القوي في كلا البنائين».