تعدّ "المقيريطة" من الأكلات الشعبية التراثية المرتبطة بروح البيئة الساحلية بمختلف جوانبها؛ فهي الوجبة المفضلة للشابات في مقتبل العمر، وموادّها منتج البيئة، وزمانها مواسم منتظرة.

ففي ريف الساحل السوري ما زالت ربات المنازل وخاصة الشابات تحضّر هذا النوع من الطعام كنوع من المقبّلات الشهية المفيدة التي لم تفقد وجودها حتى اليوم على موائد العائلات في القرية والمدينة، بحسب حديث الشابة "وسام محمد" خلال لقاء مدونة وطن "eSyria" معها بتاريخ 16 تموز 2016، حيث قالت: «تعرفت إلى هذه الأكلة من والدتي التي اعتادت إعدادها لنا منذ طفولتنا، وهي ذات فوائد كبيرة لكون المواد التي تدخل في صناعتها طبيعية ولا يتمّ طهوها على النار، بل تؤكل نيئة، حيث تكمن المتعة والفائدة في الاستمتاع بالطعم الطبيعي للمواد التي تحضّر منها».

نطلق على هذه الأكلة اسم "المقيريطة" أو "المفيريطة" إذا كان نوع البرغل خشناً، أما إذا كان ناعماً، فتسمّى الوجبة "فريفيرا"

وتضيف: «تكمن المتعة في تناول هذه الأكلة أيضاً باستخدام أنواع من الأوراق الخضراء غير المطبوخة أيضاً، وهي أوراق عرائش العنب الأخضر، أو نبات الملفوف، وذلك حسب رغبة الشخص، وهنا يكمن السرّ في نكهة البيئة الطبيعية وخاصة إن كانت عرائش العنب بريّة».

مريم خليل

وتوضّح ربّة المنزل "ليلى شدود" من أهالي قرية "خربة السناسل" في ريف مدينة "بانياس"، أنّ هذا النوع من الطعام مرتبط بالبيئة الريفية ارتباطاً وثيقاً، حيث تتوافر المكونات بأكملها فيها، ويمكن لكلّ ربّة منزل إعدادها؛ لبساطة مكوّناتها، وسهولة تحضيرها».

ولتحضيرها لابدّ من توفر مجموعة من المواد الأولية ضمن البيئة المحيطة، وعنها تقول: «لصنع "المقيريطة" نجهّز المواد الأولية، وهي عبارة عن باقة من البقدونس، وأخرى من النعناع، وباقة أخيرة من البصل الأخضر، إضافة إلى بعض حبات البندورة والخيار، وكميّة قليلة من الزيت والليمون والملح، كما يجب نقع كمية من البرغل الخشن في الماء البارد حتى يصبح قابلاً للأكل، ولابدّ من الإشارة إلى أنّه كلما ازدادت كمية الخضراوات زادت فائدة الأكلة وغناها بالعناصر الطبيعية، كما أن الألوان المختلفة للخضراوات بين الأحمر الغامق والأخضر أيضاً تزيد من جمال منظر الوجبة والشهوة لتناولها بسرعة».

تحضير المكونات

وتتابع ربّة المنزل "ليلى": «نقوم بتقطيع الخضراوات وإضافتها إلى البرغل المنقوع، ثم إضافة كمية مناسبة من زيت الزيتون والملح وعصير الليمون، ثم نخلط المكوّنات جيّداً ونضعها في وعاء التقديم، حيث تؤكل بورق العنب الأخضر أو الخس أو الملفوف».

وبالانتقال إلى منطقة أخرى نجد طريقة أخرى لإعداد هذه الوجبة، وهنا تقول ربّة المنزل "مريم خليل" من أهالي ناحية "القدموس" عن طريقة صناعتها: «نقوم بتحميص البرغل الناعم مع الزيت ثم طبخه مع قليل من الماء، ونضيف إليه كمية من الخضراوات المفرومة والزيت والملح وعصير الليمون أيضاً».

وتضيف: «لهذا النوع من الطعام فوائد كثيرة متمثلة في الفيتامينات والمواد الطبيعية الموجودة في المكونات، ومنها الزيت والبرغل، ويمكن تناولها بأوراق الخضار الطبيعية النيّئة من ورق عنب وملفوف، أو بعد سلقها بالماء الساخن قليلاً، إضافة إلى أوراق الخسّ».

كما تختلف تسمية الأكلة حسب نوعية البرغل الذي تصنع منه، بحسب قول ربّة المنزل "مريم": «نطلق على هذه الأكلة اسم "المقيريطة" أو "المفيريطة" إذا كان نوع البرغل خشناً، أما إذا كان ناعماً، فتسمّى الوجبة "فريفيرا"».

وفي لقاء مع الباحث التراثي "حسن إسماعيل"، قال: «في ظلّ جميع الظروف الصعبة نرى في التراث ارتباطاً بالأصالة، وهذا من منطلق إعادة البناء وتأسيسه، وهنا تكمن فكرة هذه الوجبة التراثية التي تجتمع لإعدادها مجموعة من الشابات أو السيدات ضمن حالة من الحب والألفة والودّ، فلا يمكن الاجتماع على طبق طعام واحد وحالة من البغض موجودة بين المجتمعات، فأنا شخصياً أرى في هذه الوجبة تأصيلاً للعلاقات الإنسانية والكثيرون لا يدرونها، ولكنهم يمارسونها».

ويضيف: «كما أن لهذه الوجبة حالة فريدة من التعاون فيما بين الشابات، حيث تتسلّم كل واحدة منهن عملاً معيناً تتقنه لتنتهي جميع الأعمال بوقتٍ واحدٍ، وتحضر الوجبة بسرعة، إذاً فيها تكريس لحالة التعاون في إعداد الطعام».