تجمعه نساء قرية "المقرمدة" من خيرات الطبيعة، ويحفظنه كمؤونة لفصل الشتاء كبديل صحي عن عصير "الحامض"، ويستخدمنه حالياً كما استخدمته جداتهن منذ عدة عقود، وله في ذاكرتهن قصص وحكايات.

المشكلة الحالية أنه على الرغم من توافره في مختلف الحقول البرية الطبيعية في الريف الجبلي، ما يزال بعض الناس غير مدركين لقيمته وأهميته وكيف يمكن استخدامه، وهذا على حد تعبير المهتمة بالتراث "جمانة حرفوش" من أهالي وسكان قرية "المقرمدة" التابعة لمدينة "القدموس"، حيث قالت لمدونة وطن "eSyria" بتاريخ 20 تشرين الأول 2015: «استخدم خوخ البرقوق باستمرار منذ سنوات عديدة، وقد ورثت التعامل معه ضمن وجبات الطعام من والدتي، وهذا أمر لا تدركه بعض ربات المنازل في منطقتنا، لذلك وضمن نشاطنا في المحافظة على البيئة والطبيعة والعودة إلى التراث عبر استخدام النباتات الطبيعية والعطرية والدوائية، نروج لهذا الأمر لأسباب عدة أهمها وفرة هذه الثمار في الطبيعة، واستخدامها بوجه أساسي في تراثنا الريفي، إضافة إلى أنني قد قرأت إحدى المرات عن أهميته بالنسبة للمجتمع الياباني، حيث يباع بأسعار مرتفعة جداً لفوائده الكثيرة والمتعددة».

يجمع "خوخ البرقوق" من الطبيعة خلال شهر آب وحتى نهاية شهر أيلول، وهذا ما سأعمل عليه في موسم إنتاجه طبيعياً ليكون مؤونة شتائية لمنزلي

وعن فوائده واستخداماته قالت: «يمكن أن يصنع من "خوخ لبرقوق" الخل أو العصير الحامض أو "الكسيد" المجفف، وبالنسبة لفوائده فهي كثيرة تصل إلى إحدى عشرة فائدة؛ أهمها أنه يساعد على تخطي الآلام المعوية ومنها القرحة والتهاب الأعصاب وتكلس العظام، ويمكن استخدامه مع "الشوربة" أو أي وجبة طعام تحتاج إلى العصير الحامض، وهذه الاستخدامات أدركتها من الحياة التراثية الممتدة إلى الأجداد، فقد كان يأخذ مكان الليمون الحامض وعصير العنب أو ما يعرف بـ"دبس العنب"، وقد استخدمته والدتي وعلمتني طرائق استخدامه، وهو ما أقدمه في منتجاتي التراثية ومعارضي الريفية».

جمانة حرفوش

وتتابع: «أذكر أن والدتي لم تكن تطهو الوجبة الشتوية العريقة "اللقاسات" إلا به؛ بعد أن تكون قد جنته و"شمسته" وخزنته كمؤونة للشتاء، كمكون أساسي للوجبة، في حين أن بعضهم استعاضوا عنه بالسماق الطبيعي المنتج والمجهز في الأرياف بهمة ربات المنازل، ويمكن استخدام حتى النواة المستخرجة من الخوخ البري، التي كانت توصف تراثياً لمن يعانون من "بحّة" في أصواتهم، كما أنها تخفف نسبة حمض البول في الجسم عبر عملية الإدرار التي تسهلها تلك البذور».

وبعد أن تعرفت ربة المنزل "فدوى أبو شاهين" إلى تفاصيل استخدام "خوخ البرقوق" من "جمانة حرفوش" قررت استخدامه في منزلها لصناعة وجبات الطعام، حيث قالت: «يجمع "خوخ البرقوق" من الطبيعة خلال شهر آب وحتى نهاية شهر أيلول، وهذا ما سأعمل عليه في موسم إنتاجه طبيعياً ليكون مؤونة شتائية لمنزلي».

ثمرة خوخ البرقوق

وبالعودة إلى حديث "جمانة حرفوش" قالت: «أذكر عندما كنت صغيرة وخلال عملية رعي المواشي مع مجموعة من الرفاق، أننا كنا نجمع ثمار الخوخ ونقوم بحفر حفرة في التراب ونضعها فيها على أمل أن تنضج فيمكننا تناولها، فنعود بعد عدة أيام لنجدها ما تزال حامضة لكنها أصبحت طرية جداً وناضجة، وهنا كنا ندرك أن مذاقها لا يحلو، وسبب نضجها كما أدركت لاحقاً نتيجة مطالعاتي في المراجع التراثية في القرية وغيرها، أن ثمرة الخوخ كانت تحصل على طاقة من الأرض بعد وضعها في الحفر.

وقد كانت ترافق عملية جمع "خوخ البرقوق" من قبل النساء عملية جمع الحطب من الطبيعة؛ حيث تكون العمليتان بسيطتين، ويمكن إتمامهما معاً، لذلك يمكن القول إن أغاني التحطيب ومنها أغنية "عاليوم مشمل" كانت تطلق على عملية جمع خوخ البرقوق».

مجففات من الخوخ

وأردفت ربة المنزل "رفاه إبراهيم" عن استخدام "خوخ البرقوق" بالقول: «أعتقد أن فكرة الاقتصاد المنزلي أصبحت منهج عمل كل ربة منزل في وقتنا الحالي نتيجة ضغوط الأوضاع المعيشية، لذلك عاد الجميع إلى تجهيز كل ما يمكن تجهيزه لمؤونة الشتاء ومنها الخوخ كبديل عن "الحامض" لوجبات الطعام؛ وهذا ما خفف أعباء مادية كبيرة مع ارتفاع أسعار الحمضيات، لذلك نحاول إعادة نشر ثقافة استخدامه على مستوى أوسع في مجتمعنا الريفي؛ لكونه صحياً وطبيعياً».