تعد "جْريدة الحمص" من الطقوس التراثية التي اعتاد أهالي قرية "الدي" وأغلب قرى الريف الساحلي في كل موسم زراعي، إقامتها لتناول الحمص المشوي وتلوين اليدين والوجه باللون الأسود، دلالة على الفرح.

ينتظر الكبار كما الأطفال ظهور علامات بلوغ ثمار الحمص في الحقول الزراعية البرية، ليباشروا بما يمكن تسميته طقوس الطفولة التراثية، وهنا قال المزارع "مرشد غانم" من أهالي وسكان قرية "الدي" في ريف "القدموس"، لمدونة وطن "eSyria" بتاريخ 25 تموز 2015: «في كل موسم زراعي ربيعي خاص بزراعة الحمص الأخضر، ننتظر بلوغ نباتات الحمص وإنتاج الثمار، لنستعد لطقس تراثي كنا نمارسه قبل عشرات السنين كما يمارسه الأطفال حالياً، وهذا من حيث الحالة العامة له مع اختلاف ببعض التفاصيل.

"مرط الحمص" أمر صعب نتيجة المادة الملحية الموجودة على النبات الأخضر، التي تؤدي إلى بعض الأذية لليدين، ويتلافى العامل بمرط الحمص هذه المادة الملحية بلف قطع قماشية على الأصابع، وهذا حال صاحب الحقل الزراعي أيضاً، ولكنه أبعد عن حالنا في حال عقدنا العزم على تناول الجريدة وعندما نبدأ عملية المرط، حيث لا نهتم أبداً بالنتائج

وليس عيباً أو تصغيراً لقيمة الشخص الراغب بتناول الجريدة، لأن لتناولها لذه خاصة يضعف أمامها كل كبير جربها في سنوات المراهقة، حيث كنا نقصد ونحن مجموعة شبان في مقتبل العمر، الطبيعة البرية بحثاً عن الحقول المزروعة بالحمص الأخضر، وهذا بصرف النظر عن ملكية الحقل الزراعية ولمن تعود، فندخل إلى أطرافه من دون أن نسبب أدنى ضرر يسيء للمالك، فيمرط كل منا مجموعته ويبدأ الركض بعيداً عن الحقل وكأنه يخاف من المالك، علماً أنها كما قلت كانت حالة معروفة لدى جميع زارعي الحمص».

حقل حمص أخضر

ويتابع: «أغلب الأحيان بعد مرط مجموعات الحمص الأخضر كنا نقصد البيادر العامة ليجتمع حولنا كل محب لهذه الوجبة التراثية، أو كنا نختبئ من أهالينا ضمن أي حقل بري لنتابع بقية المراحل، وهذا ليس خوفاً وإنما حالة طقسية فقط أدركها في الوقت الحالي من الأطفال الذين يمارسونها في موسم ربيعي صيفي بذات الطريقة السابقة التي مارسناها.

نضع ما تم جمعه من الحمص الأخضر بعضه مع بعض ضمن "كوشة" واحدة شكلها كالقبب مفرغة من الداخل، لنضع فيها الأعواد الرفيعة وبعض الأعشاب اليابسة لتساعد على اشتعال الحمص الأخضر، فينطلق الدخان ويملأ الأجواء ريثما تجف المياه من العروق الخضراء فتلهبها النار وتحولها إلى فحم أسود، معلنة نضج الوجبة وانطلاق العبث الطفولي بهباب الفحم والتلون به».

صناعة الجريدة

المعمر "علي عباس" قال: «في السابق كان أهالينا يكتشفون أننا أشعلنا جريدة الحمص من التغيرات التي تطرأ علينا عند العودة إلى منزلنا، أهمها حالة الفرح والسعادة التي تملأ قلوبنا كفتية في مقتبل العمر، وهي حالة صورتها منقوشة في مخيلتي حتى الآن، أستذكرها كل مرة أرى فيها الفتية وقد لونهم هباب الفحم الطبيعي الناتج عن تناول الجريدة، فأرى حالة الفرح تغمرهم على الرغم من أن اللون الأسود يغطيهم».

ويتابع في توضيح حالة "مرط الحمص" فيقول: «"مرط الحمص" أمر صعب نتيجة المادة الملحية الموجودة على النبات الأخضر، التي تؤدي إلى بعض الأذية لليدين، ويتلافى العامل بمرط الحمص هذه المادة الملحية بلف قطع قماشية على الأصابع، وهذا حال صاحب الحقل الزراعي أيضاً، ولكنه أبعد عن حالنا في حال عقدنا العزم على تناول الجريدة وعندما نبدأ عملية المرط، حيث لا نهتم أبداً بالنتائج».

سمير رضوان

أما المزارع "سمير رضوان" فقال: «منهم من يفضل أن تكون جريدة الحمص من الثمار القاسية نوعاً ما، وهنا تنتقى النباتات من الحقل وتجمع بعضها مع بعض، ثم نقوم بتجريدها من ثمار الحمص المتواجدة عليها، ونضعها في وعاء ليتم نقعها بالماء لبعض الوقت، وهذا يعني أنها ستنضج بسرعة خلال مرحلة الشواء، ولكن هنا يجب مراعاة أمر مهم وهو طريقة وضعها فوق الرماد الساخن، وهذه الطريقة تصلح عندما يبدأ النبات اليباس طبيعياً في الحقل».