يصنع الخرنوب يدوياً في الريف الساحلي لفوائده الصحية المتعددة، ويحتاج إلى الكثير من الوقت والدقة، يعد حلوى طبيعية توازي قيمتها الغذائية العسل، ويقدم لأصحاب حقوله مردوداً مادياً جيداً.

مدونة وطن "eSyria" التقت بتاريخ 12 آذار 2015، "موسى رحال" من سكان "حي القوز" في مدينة "بانياس"؛ حيث تمرس على صناعة وطهو "دبس الخرنوب" في كل موسم، حيث اعتبره منتجاً يستحق الساعات الطويلة التي تحتاج إليها صناعته، ويقول: «أصنع "دبس الخرنوب" في كل موسم أجني فيه ثمار الخرنوب من حقلي الزراعي، وأحتفظ به كمؤونة شتوية أتناوله وأسرتي كحلوى مغذية ومفيدة، خاصة عندما نعاني من نزلات البرد أو التهاب القصبات، وأحقق من خلاله مردوداً مادياً جيداً أحصل عليه مقابل بيعه لمحبيه ومجربيه سابقاً».

فوائده كثيرة ومتعددة أهمها: يساعد في الشفاء من مرض الربو وتحسس القصبات الهوائية والرشح

ويتابع في توضيح فوائد "دبس الخرنوب" فيقول: «فوائده كثيرة ومتعددة أهمها: يساعد في الشفاء من مرض الربو وتحسس القصبات الهوائية والرشح».

موسى رحال

وعن طريقة صناعة وطهو الدبس يقول "موسى": «يحتاج "دبس الخرنوب" إلى الكثير من الوقت والجهد والعناء، والبداية تكون من مرحلة جمع قرون الخرنوب عن الشجر المنتشر في الطبيعة البرية، ومنها في حقلي الزراعي، حيث لا يمكن جمعه إلا بعد نضجه التام في الثلث الأخير من الصيف، ويمكن إدراك هذا النضج من لون القرن واحمراره الكامل، وبعد الجمع يغسل بالماء جيداً للتخلص من الغبار، ويوضع تحت أشعة الشمس حتى يجف تماماً، وذلك بعد تكسيره أو تقطيعه إلى قطع متوسطة الحجم، ثم يجمع ويطحن في آلة خاصة تسمى "الجاروشة"، وهذه الطريقة تشبه طريقة طحن حبوب القمح، أي تحويل الخرنوب إلى ما يشبه دقيق القمح.

وبالنسبة لي قبل استخدام "الجاروشة" كنت أقوم بتكسير قرون الخرنوب بواسطة الجرن الحجري المخصص لصناعة الحنطة، حتى يصبح قطعاً صغيرة، ثم يوضع في وعاء ويغمر بالماء وتشعل النار الهادئة تحته لعدة ساعات، ويحرك باستمرار حتى تذوب المادة السكرية فيه، وبعد إدراك أن المادة السكرية قد حلت بالكامل يترك حوالي اثنتي عشرة ساعة حتى يبرد، وأقوم بتصفيته في وعاء ذي ثقوب ناعمة جداً لنتخلص من شوائب القرون، لتبدأ مرحلة عصر بقايا القرون حتى نستخلص منها ما تبقى من مادة سكرية سائلة.

خلال عملية طهو الدبس

ثم أضع السائل المستخلص مرحلة ثانية في وعاء وعلى النار، وأغليه عدة ساعات حتى نلاحظ أن لونه أصبح مائلاً إلى الأسود، ولزوجته أصبحت جيدة، أي ما يعرف تراثياً بمرحلة "العقد"، حيث يصبح جاهزاً للتناول والتمتع بفوائده الكثيرة».

وفي لقاء مع الباحث التراثي "حسن إسماعيل" قال: «ما يميز العامل بصناعة "دبس الخرنوب" أنه صبور جداً، لتعدد مراحل العمل وصعوبتها، والزمن الذي يحتاج إليه حتى تنتهي بدقة دون أخطاء، خاصة أن أي خطأ في التقديرات أو الزمن يمكن أن يعرض الدبس للعطب، فيصبح طعمه حامضاً بدلاً من الحلو.

إبراهيم سليمان

إضافة إلى أن "الخرنوب" المستخدم في صناعة الدبس يجب أن يكون "بلدياً"؛ ذا قرون عريضة وذات نهايات طويلة، وفي بعض الأحيان يمكن أن تظهر في نهاية القرن كدليل على النضج مادة سائلة لزجة نسميها "العسلة"، ويمكن اعتبار الدبس من حيث القيمة الغذائية بعد العسل الطبيعي في الترتيب.

والقيمة الغذائية للدبس هي التي تدفع صانعيه للعناية بأشجار الخرنوب في الحقول الزراعية أو الطبيعة البرية، وذلك من خلال التقليم المستمر والتطعيم في بعض الأحيان إن لم تكن الثمار جيدة، كما أن لصناعة "دبس الخرنوب" مردوداً مادياً جيداً، يمكن الاعتماد عليه لتأمين دخل مالي إضافي جيد في كل موسم».

وفي لقاء مع المعمر "إبراهيم سليمان" من قرية "وادي البركة" ممن اعتادوا جمع الخرنوب في كل موسم وبيعه لمن يرغب بصناعة الدبس منه، قال: «ثمار الخرنوب هي المادة الأولية لدبس الخرنوب، وعندما نتحدث عن هذه المادة الأولية كأننا نتحدث عن المادة المصنعة منه، فهي من الثمار المستخدمة والمفيدة في الطقوس التراثية، وخاصة في مجال التغذية البشرية لما يحتويه من فوائد كبيرة، وهذا بالعموم قبل إدراك طرائق التصنيع، ولكن منهم من كان يشتريه ويملك الخبرة الجيدة لصناعة الدبس منه، للحصول حلوى شتوية تغني عن العسل وتمنح الجسم الصحة والعافية.

كما أن بعضهم كانوا يستخدمون بقايا الخرنوب المصنع منه الدبس كعلف للحيوانات والمواشي في الريف الساحلي، وخاصة منها المتوعكة صحياً».

وبالعودة إلى حديث الباحث التراثي "حسن اسماعيل" يقول: «تميزت أشجار الخرنوب في مناطقنا الريفية بنوعيتها الجيدة، وهو ما انعكس على المادة والمحتوى في الثمار "القرون"، حيث يمكن مشاهدة المادة السكرية اللزجة تقطر من القرون خلال نضجها الجيد، وتميزت شجرة الخرنوب بطول مدة إثمارها أي تزهر في مرحلة نضج الثمار على الشجرة الأم، وفي وقتنا الحالي لاحظت أن أغلب ثمار الخرنوب قد نخرها الدود نتيجة تغير عوامل المناخ بوجه عام».