تسميات ثلاث عرف بها حيوان بحري قرمزي اللون، جذب الكثيرين من صيادي السنارة لمراقبة الطقس والسهر اليومي بغية اصطياده وتناوله كوجبة لذيذة متكاملة الفوائد، أو بيعه بالمزاد العلني.

"الكلمار" هو الاسم الإنكليزي لهذا الحيوان البحري الذي مكثنا طويلاً على شواطئ مدينة "بانياس" بغية مراقبته ومعرفة طرائق صيده وخفاياها، مع الصياد "حيدر حيدر"؛ الذي تحدث لمدونة وطن "eSyria" بتاريخ 10 كانون الأول 2014، عن هذا الحيوان البحري الذي يعتاش على صيده في الربع الأخير من كل عام مع الربع الأول من العام الجديد: «ضمن البيئة البحرية المحلية أو الشعبية في بلادنا، يطلق على حيوان "الكلمار" اسم "الحبار" وفي اللهجة الصيادية اسم "الصبيد"، وهو حيوان بحري مهاجر ما بين البحار والمحيطات وما بين المياه الدافئة والباردة في أغلب الأحيان، إلا أنه يستقر في المحيطات وضمن الأعماق الكبيرة عندما يبلغ وزنه مئات الكيلوغرامات، حيث يمكن أن نجده ونصطاده أيضاً بأوزان صغيرة جداً تصل إلى مئات الغرامات.

لطعم الصبيد نوعان؛ الأول غامق والآخر فاتح، ويستخدم الطعم الغامق عندما يكون القمر بدراً، لأنه لا يعكس الضوء أبداً، مما يوحي للصبيد بأنه سمكة حقيقية، أما الطعم الفاتح فهو شبه فوسفوري ويعكس ضوءاً خفيفاً، لذلك نستخدمه في الليالي المعتمة ليستدل الصبيد إليها بانعكاسات ألوانها، أي نساعده على رؤية الطعم

ومن المعلومات التي أدركتها منذ زمن بعيد أن صيد "الكلمار" يكون وفقاً للمد والجزر، ويتم صيده بسنارة المكنى "المويلنيه" بطعم كلماري مخصص يتناسب وكمية ضوء القمر، أي إن عملية الصيد هذه تبدأ مع ساعات المساء الأولى، وتنتهي بعد منتصف الليل بقليل، حيث نقذف الطعم وهو عبارة عن سمكة اصطناعية، إلى مسافة تزيد على خمسين متراً بعيداً عن الشاطئ الصخري، فيحدث خلخلة غير مرغوبة في سطح المياه، فتثير فضول وغريزة "الصبيد" لمعرفة ماهيتها، وبعد عدة دقائق نبدأ تحريك الطعم عبر سحبه بهدوء والتوقف لمرات متتالية وكأنه "قريدس" يتحرك، فينقض عليها "الحبار" لتناولها فيعلق بدبوسيها المثبتين في السفل، فنسحبه بهدوء حتى لا يتمكن من الفرار بحكم وزنه وضعف منطقة الفم لديه، حتى إن رفعه من المياه إلى البر يحتاج إلى خبرة وتمرس، لأنه خبير بالفرار في هذه اللحظات أيضاً بحكم وزنه، وبعدها ننزع الدبابيس من فمه بهدوء كي لا ينفث الحبر من فمه، وللعلم إن هذا الحبر لا يمكن تنظيفه عن الثياب».

الصياد حيدر حيدر

ويتابع الصياد "حيدر": «في هذه الفترة يرغب "الصبيد" للطعم شبه الثابت بالمياه أكثر من المتحرك، وخاصة منه النوع الأصلي ذو العينين الكبيرتين المعتاد على تناول الطعام في الليل على عكس النوع "الجحاشي" الذي يأكل خلال النهار أكثر، وهنا تأتي خبرة صياد "الصبيد" وإدراكه متى يجب أن يطعمه الطعم "على الواقف"، ومتى يطعمه "على الماشي"».

ولتناول "الصبيد" طقوس وأعراف يقول عنها الصياد "حيدر": «بعض أبناء المجتمع البعيدين عن مهنة الصيد لا يحبون تناول "الكلمار"، لأن تناول ما يخرج من البحر مرتبط فقط بالأسماك بالنسبة لهم، ناسين أنه من الوجبات البحرية الشهية التي لا تملك الحراشف على جسدها أو الدماء في عروقها، حتى إن مرحلة تنظيفه وطهوه بحاجة إلى خبرة ومهارة، وبالنسبة لي أعدّه من ألذ الحيوانات البحرية التي أصطادها، لنوعية لحمه الأبيض وما يحتويه من نسب عالية من البروتينات والفيتامينات ومحفزات القدرة الجنسية».

الصبيد الأصلي

أما الصياد "أحمد نفوس" الذي يمتهن صيد الحبار في كل يوم تقريباً لتناوله في وجبة طعام، فقال عن مهارات صيد "الصبيد": «بعض الصيادين -وأنا منهم- يضع على الفواشة قلماً فوسفورياً يضيء ضمن المياه، ليدرك موقع سنارته خلال سحبها بهدوء دون توقف ريثما تصل إلى البر، وهي طريقة ثانية لجذب الصبيد، وبعد الانتهاء من عملية الصيد نضع القلم الفوسفوري في الثلاجة فيحافظ على مفعوله لعدة مرات، كما أن رمي السنارة باتجاه المياه يحتاج إلى خبرة جيدة لتصل إلى المسافة المطلوبة، التي تزيد في بعض الأحيان على الخمسين متراً».

ويتابع الصياد "أحمد": «للصبيد عدة أنواع منها ما يعرف بالأصلي ويتميز بلونه الأحمر القرمزي الرائع في بداية اصطياده وإخراجه من المياه البحرية، حيث يتغير لونه بعد حوالي عشر دقائق من عملية الصيد إلى اللون الأبيض، ويستقر عليه، أما النوع الآخر فيطلق عليه اسم "الجحاشي" ويكون لونه أبيض مستقراً وأصغر حجماً من الأصلي، علماً أن لحم الأصلي أفضل وألذ من "الجحاشي"».

الصياد محمد عثمان

وبالعودة إلى الصياد "حيدر" أوضح أمراً مهماً في عملية الجذب والصيد، فقال: «بطبيعة الأحوال أعتمد على صيد "الصبيد" في معيشتي لأن سعره مرتفع وله زبائنه، وهذا جعلني على مدى خمسة وثلاثين عاماً من رحلتي في الصيد أدرك خفايا الصيد، وأهمها متى يكثر صيد الحبار وما السبب، وهنا أقول إنه خلال الأحوال الجوية البحرية غير المستقرة أي خلال النواة البحرية، أو خلال المد والجزر، يختبئ طعام الحبار وهو سمك البذرة، بين الصخور، فيخرج الحبار للبحث عن الطعام وينتشر في المياه كثيراً، وهو ما يؤهل للصيد بالسنارة».

ويتابع الصياد "حيدر": «لطعم الصبيد نوعان؛ الأول غامق والآخر فاتح، ويستخدم الطعم الغامق عندما يكون القمر بدراً، لأنه لا يعكس الضوء أبداً، مما يوحي للصبيد بأنه سمكة حقيقية، أما الطعم الفاتح فهو شبه فوسفوري ويعكس ضوءاً خفيفاً، لذلك نستخدمه في الليالي المعتمة ليستدل الصبيد إليها بانعكاسات ألوانها، أي نساعده على رؤية الطعم».

وفي لقاء مع الصياد "محمد عثمان" الذي يعمل خياطاً، ولكنه يحب صيد السنارة كثيراً وملتزم بعملية الصيد التزاماً شبه يومي تقريباً، قال: «أهوى صيد السنارة من خمسة عشر عاماً، وأدرك أن موسم صيد الحبار هو موسم شتوي، يبدأ من الشهر التاسع وحتى الشهر الرابع، وأنا أصطاده للتناول وللبيع على حد سواء، لأني أدرك قيمته الغذائية وقيمته المادية المرتفعة.

أملك سنارة طولها نحو 360 سنتيمتراً، وهي تساعدني برمي الطعم لمسافات بعيدة ضمن المياه، حيث يجب أن يتراوح طول سنارة الصيد ما بين 350-360-400 سنتيمتر، لتكون جيدة في الرمي، ولكن هنا يعيقنا صيادو المراكب باقترابهم من مرامي السنارة فتخاف الحيوانات البحرية وتهرب».

أما عن مراحل تنظيف "الكلمار" فقال الصياد "محمد": «يتم سلخه بالكامل وبسهولة عند انتزاع أجزائه العلوية، فيصبح شكله والتعامل معه كثمرة الكوسا، حيث يتم تنظيف أحشائه ومن ثم نضع أحد أصابع اليد في جوفة ونقلبه من الداخل إلى الخارج ونغسله جيداً، وهذه المراحل يجب أن تكون ضمن وعاء ماء للتخلص من مادة الحبر التي يمتلكها في أحشائه، ومن ثم يقطع إلى قطع صغيرة ويوضع في الثلاجة قبل طهوه ليكون هشاً وليناً، أو توضع له بعض كربونات الصوديوم قبل طهوه لكي يضعف عصبه القوي، فيصبح سهل التناول».