يكتب "أمين صفية" الشعرّ في حالة من الانزواء ضمن أجوائه الخاصة وغرفته الشخصية، بعفويةٍ وعاطفةٍ صادقة، وباللغة الفصحى واللغة المحكية بعيداً عن النثر غير المقنّع له، منذ أربعة وستين عاماً، منتجه ديوان وحيد "غيث"، وما يقارب 500 قصيدة موزونة مقفاة.

مدوّنةُ وطن "eSyria" التقت بتاريخ 9 شباط 2020 الشاعر "أمين صفية" ليحدثنا بداية عن حياته الشخصية، وهنا قال: «أكتب الشعر منذ زمن بعيد قبل بلوغ سن الثامنة عشرة بقليل، وبفطرية دون دراسة أو تنمية وحتى قبل دراسة اختصاص اللغة العربية الذي أحببته كثيراً وأعطيته كل حياتي، وأذكر أنّ تلك الكتابات كانت باللغة الفصحى واللغة المحكية على حد سواء، ولكن فيما بعد استقريت على اللغة الفصحى في أغلب كتاباتي الشعرية وحتى المسرحية، وأيضاً كتبت الكثير من الأغاني ومعظمها غناها ولحنها "محمود الحاج" و "مصطفى نصري"، وأذكر منها أغنية "لومي لومي" وأغنية "نعمت الشارع يا بنيه" وأغنية "حلوة طرطوس"، والكثير من الأناشيد الرسمية للمنظمات المحلية كـ "شبيبة الثورة" واتحاد العمال وفي ميلاد حزب "البعث"، وقد جُمعت هذه الأناشيد مع مجموعة أخرى في كتاب واحد سمي "الأناشيد" طبعته وزارة الثقافة عام 1981 ككتاب تدريسي لجميع المراحل التعليمية، وبعدد صفحات وصل لـ 800 صفحة.

أعطيت الدروس الخصوصية لسنوات ولمئات الطلاب بشكل مجاني تماماً، وذلك بهدف تأسيس حالة من العطاء الثقافي التعليمي التأثيرية في المجتمع، رفضاً للتجارة باللغة والمعرفة، وهو ما كان له أثر طيب وإيجابي، ولكنه لم يستمر مع تزايد الضغوط الاقتصادية وجشع البعض

وكان لزوجتي "أم غيث" الدور الكبير في مسيرتي الأدبية، من خلال ما قدمته لي من أجواء مريحة وفرتها لي لتناسب مزاجي الخاص جداً في الكتابة، حيث أنزوي على ذاتي في غرفتي الخاصة لحظات ولادة الكلمات الموزونة المقفاة بسجعها وموسيقاها وصورها المستوحاة من واقعنا العام وحياتي الخاصة ومخيلتي على حد سواء، فشخصياً لم يستهوني شعر النثر أبداً، ولا أجد فيه المتعة التي أجدها بالشعر الموزون على أحد البحور الشعرية.

كتاب الأناشيد

بعد الانتهاء من دراستي في دار المعلمين في محافظة "دمشق" عام 1957 اختصاص لغة عربية عينت مدرساً في محافظة "حمص" ثم في محافظة "طرطوس" حتى عام 1962 حيث حظيت بإعارة إلى دولة "الجزائر" لخمس سنوات في مدينة "عنابة"، فدرّستُ في دار المعلمات إبان مرحلة الاستقلال وحكم "أحمد بن بيلا"، وهذا دفعني لتأسيس حركة تعليمية ومراجع ما بعد الحرب معتمداً على قواميس ومراجع عربية لتقديم محتوى عربي باللغة الفصحى، وخاصة بعد صدور قرار رسمي يحظر على معلمي الإعارة التدريس والتحدث بغير اللغة الفصحى تأصيلاً لها، وكتبت في تلك المرحلة الشعر الثوري باللهجة الجزائرية وباللغة الفصحى، وكتبته للشعب ولأبطال الثورة ورموزها المنتصرين، كما كتبت المسرحيات التي تحاكي بطولاتهم وإنجازاتهم التي رووها لي وسمعتها عنهم، كما أشرفت على فرقة "جبهة التحرير".

وبعد أن عدت إلى بلادي عملت في المسرح المدرسي، فكتبت الكثير من المسرحيات الهادفة لتنشئة الطلاب والتحفيز على التعلم، وعليه كان من أهم الآثار الإيجابية التوجه نحو اختصاص اللغة العربية وحمايتها، كما قدمت مسرحية بعنوان "فتح عمورية" حققت المرتبة الأولى على مستوى القطر في مهرجان المسرح المدرسي وذلك عام 1970، وعليه تم تكريمي رسمياً لمحتواها وهدفها ونصها».

التوزيع الموسيقي لنشيد قسماً بشبيبة ثورتنا

كتابة الشعر لديه لها طقوس خاصة، عنها قال: «بعد إنتاج القصيدة على الأوراق للمرة الأولى أعيد تنقيحها وتصويب كلماتها وقوافيها وموسيقاها التي أهتم بها كثيراً، وغالباً أمزق تلك الأوراق عدة مرات قبل أن يعجبني الإخراج العام لها، مهما بلغ عدد أبياتها، وهنا يختلف معي كثير من الشعراء الذين يكتبون الشعر الارتجالي ولا يعيدون صياغته مرة أخرى ليظهر بأبهى حلة، والبعض يعتبر إعادة الصياغة والهيكلية موهبة مختلفة عن الكتابة وتميز يحتسب للشاعر الذي يقوم به».

وعن ديوانه الوحيد المطبوع قال: «لدي ديوان مكتوب باللغة الفصحى بعنوان "غيث" على اسم ولدي الوحيد، بدأت بتجميع نصوصه منذ عام ١٩٥٦، لكنه لم يُطبع حتى الآن، وهو شامل لمختلف النصوص الأدبية الطويلة والقصيرة، ولمختلف المشاعر الإنسانية النابعة من العواطف البشرية، وما ينتج عنها من مدح ووصف وهجاء وعواطف جياشة، وهو بعيد كل البعد عن التناقض في تلك المشاعر، لأنه كتب بحب كبير وموهبة فطرية، أطّرِتْ بهدوءٍ وشغفٍ على مدار أربعة وستين عاماً من العطاء».

من مقطوعاته الشعرية

حالةٌ العطاء انتهجها الشاعر "أمين" في كتابة الشعر لم تختلف كثيراً عن حالة العطاء التعليمي وفق ما تحدث به حيث قال: «أعطيت الدروس الخصوصية لسنوات ولمئات الطلاب بشكل مجاني تماماً، وذلك بهدف تأسيس حالة من العطاء الثقافي التعليمي التأثيرية في المجتمع، رفضاً للتجارة باللغة والمعرفة، وهو ما كان له أثر طيب وإيجابي، ولكنه لم يستمر مع تزايد الضغوط الاقتصادية وجشع البعض».

من أشعاره اخترنا: "مرثية الفارس - يا شام":

«لُمي الجراحَ بلوعةٍ يا شامُ فلقد كبا في ساحِكِ الضرغامُ

والقاسيون تَزَلزلت جنباتُهُ وَتَنَكست فوقَ الذرى الأعلامُ

وعلى سفوحِ الشيخ طيفُ يمامةٍ تبكي انكفاء الشهمِ وهو هُمامُ

يا شام صَبركِ فالمصيبة جَاوزت صَدَّ العرينَ وزعزعَ الإقدامُ

إني عَرَفتكِ في الشدائدِ قوةً لا يستَهانُ بعزمها يا شامُ

قدرٌ تطاولَ فوقَ هامِ أحبتي لو أستطيعُ أنا الفدى يا هامُ».

وفي لقاء مع الموظف المتقاعد "أحمد حيدر" المهتم بالمجال الثقافي الأدبي والمسرحي وأحد طلاب الشاعر "أمين" قال: «الشاعر "أمين" كان مغموراً في مرحلة من المراحل الحياتية ولكن لا أحد يستطيع نكران فضله في المجال التدريسي الذي أكد فيه موهبته في كتابة الشعر وتمرسه باللغة العربية، فقدم مثلاً للمسرح المدرسي نصوصاً مسرحية جسدناها كطلاب شخصيات ناقضة للخطأ مشجعة على الصواب، وما أزال أذكر حتى الآن ردة فعل الحضور بعد كل عرض، حيث كانت نصوصه إبداعية بكل معنى الكلمة لما تحتويه من شواهد واقعية كان لها أثر في كثير من عمليات التصحيح الواقعي للخدمات في القرية، وكذلك بالنسبة لشعره الذي تغنى بالطبيعة وهجا الواقع غير السليم وحفز على الإبداع، وباللغة الفصحى التي لم تكن سائدة في تلك الفترة، ما شجع على الاهتمام بها، من خلال الصور التي قدمها والموسيقا التي تميز بها».

يشار إلى أنّ الشاعر "أمين صفية" من مواليد محافظة "طرطوس" قرية "حصين البحر" عام 1938.