مدرسة للغة الإنكليزية، كانت لها تجربةٌ رائدةٌ بمجال الترجمة، واستطاعت أن تنفرد بعوالمها الخاصة وتنقل من خلال قصيدة النثر خلاصة تجاربها وخبراتها في الحياة.

مدوّنةُ وطن "eSyria" التقت بتاريخ 5 كانون الثاني 2020 الأديبة والكاتبة "لبانة الجندي" لتحدثنا عن رحلتها في عالم الكتابة والترجمة، والبداية من نشأتها ومراحل دراستها فقالت: «نشأت في منطقة "الخوابي" التابعة لمحافظة "طرطوس" لدى أسرة مهتمة بكل ما يتعلق بالعلم والثقافة، ولها تاريخ في العمل السياسي أيضاً، وبسبب ظروف العائلة تنقّلت بين عدّة مدارس، ومنها ما كان مختلطاً، وهذا ما أزال كل الحواجز بيني كفتاة وبين زملائي من الذكور، فالمدارس المختلطة أكسبتني شخصيّةً منطلقةً، هذا إلى جانب ما تميزت به من تفوق دراسي في كافة المراحل، وفي الحقيقة لقد كنت من عشاق الأدب واللغات الأجنبية، وعلى الرغم من تفوقي بالمواد العلمية، إلا أنّ الكتابة كانت ملاذي النفسي عندما أخلو بقلمي ودفتري المدرسي، فلم أترك زاويةً في دفاتري إلا وملأتها بما يجول في خاطري، وسكبت بها أحاسيسي ومشاعري منذ المراهقة وحتى الجامعة، وما زلت حتى اليوم محتفظةً بإحدى دفاتري، وقد كتب لي عليها مدرس اللغة العربية آنذاك (لا أعدم فيك قبساً يتلمس الطريق إلى الفجر، فينمو ويتفتح في معانقة الشمس)، حينها ظننت أن ما كتبه يحمل معنى سلبياً، وإذ به كان دليلي إلى عالم المطالعة والكتابة».

دراسة الإنكليزية وغيرها من اللغات الأجنبية تضفي المزيد من الغنى والشمول لثقافتنا وشخصيتنا، وتفسح المجال أمام القارئ لينهل من الثقافات الأخرى، وتصبح قراءته للرواية أو قصيدة الشعر أو أي صنف أدبي مكتوب بلغة أجنبية أكثر مهنيةً وعمقاً، لقد كنت أحلم أن أكون مترجمة وناقلاً أميناً للثقافة الإنكليزية إلى اللغة العربية، وقد تحقق حلمي ولو بعد طول انتظار، وحالياً أنا مترجمة محلفة قانونية منذ العام 1993 وحتى الآن

وتتابع قولها: «في الثانوية تعرضَت والدتي لوضع صحي أثر لاحقاً في مجموعي العام، فبعد أن كان حلمي دراسة هندسة العمارة، لتميزي بالرسم المنظور، وما أتمتع به من موهبة في التشكيل الهندسي والفن المعماري، وجدت اختياري قد وقع على رغبتي الثانية وهي دراسة الأدب الإنكليزي، وبالفعل بدأت الدراسة في جامعة "دمشق"، وقد كنت حينها في الـ17 من عمري، وبعد مضي عام وجدت نفسي مضطرة للعمل إلى جانب الدراسة، نظراً للظروف المادية التي عانت منها أسرتي حينئذٍ، فدرّست اللغة الإنكليزية لمختلف المراحل، والآن هناك العديد من الخريجين الجامعيين والأطباء والمهندسين وغيرهم كانوا من تلامذتي في تلك الفترة، وما زالوا يحتفظون بذاكرتهم بما كنت أحدثهم، وبما كنت أعلمهم وأقدمه لهم من معاملة تحمل كل الاحترام لشخصيتهم التي سعيت لتنميتها بأسلوب تربوي جميل».

من إصداراتها

وعن علاقتها باللغة الإنكليزية وآدابها قالت: «دراسة الإنكليزية وغيرها من اللغات الأجنبية تضفي المزيد من الغنى والشمول لثقافتنا وشخصيتنا، وتفسح المجال أمام القارئ لينهل من الثقافات الأخرى، وتصبح قراءته للرواية أو قصيدة الشعر أو أي صنف أدبي مكتوب بلغة أجنبية أكثر مهنيةً وعمقاً، لقد كنت أحلم أن أكون مترجمة وناقلاً أميناً للثقافة الإنكليزية إلى اللغة العربية، وقد تحقق حلمي ولو بعد طول انتظار، وحالياً أنا مترجمة محلفة قانونية منذ العام 1993 وحتى الآن».

أما فيما يخص موهبتها في الكتابة الأدبية والشعر فقد قالت: «الكتابة عالم لا يوصف؛ بل يعاش، وأنا أعيش لحظة الكتابة بحالة أنفصل بها عن كل شيء مادي، لأحلق بفضاءاتي وأستجمع ما نهلت من ثقافة وما اختزنته من مشاهدات يومية، وهذا يستهويني أكثر من الكتابة الرومانسية. لقد كانت لي محاولةٌ في كتابة الشعر العمودي، لكنني وجدت نفسي أميل لقصيدة النثر، وهذا ليس سهلاً، فإن كانت بحور الشعر هي ضوابط لموسيقا الشعر العمودي المقفى، فقصيدة النثر تحتاج لموسيقا وتناغم وصور أكثر انسجاماً وبأقل ضوابط، وأي خلل بها يعيبها مهما كانت فكرتها مهمة، وأنا لم أكن لأمتهن الشعر، لكني دونت ما جادت به روحي على صفحات بيضاء أمامي، فلونتها بما أحس وأفكر، فخرجت نصوصاً نثريةً.

وأيضاً كانت لي محاولة لكتابة سيرتي الذاتية في رواية، ولي قصتين للأطفال لكنني لم أنشرهما بعد، كما صدرت لي مجموعتان شعريتان، الأولى عام 2016 بعنوان "النوارس تشحذ أجنحتها"، والثانية في العام 2019 حملت عنوان "جموح الخيل"، كما صدر لي عام 2018 كتابٌ عنوانه "الأنماط اللغوية الاجتماعية" عن دار الحوار في "اللاذقية"، عُرض في عدة دول عربية عبر مشاركة الدار في عدة معارض، وفي الصيف الماضي شاركت بقصة للأطفال مترجمة عن الأدب الياباني في عدد مجلة "جسور" الصادرة عن الهيئة السورية للكتاب، إلى جانب مشاركاتي في لجان تقييم المسابقات للأطفال والشباب، ومساهمتي بتأسيس مهرجان "الخوابي" للثقافة والفنون والآداب، من حيث التنظيم والإعداد والتقديم. ولي العديد من المشاركات في الأمسيات الشعرية سواء في "طرطوس" أو "دمشق"، أو "سلمية" وغيرها، والعديد من الندوات والمحاضرات التثقيفية بمختلف الموضوعات والقضايا».

تقول في إحدى قصائدها:

«كمْ تشبهُني .. أيُّها البحرُ!

لغةُ

الزبدِ المرتطمِ

على شطآنك

لا يتقنُها

إلا قلّةٌ

زمجرةُ

الغضبِ الخارجِ

من أعماقِك

لا يفهمُها

إلا قلّةٌ

وأنا

لا أعرفُ أحرفَك

لكنّي

أفهمُ صرخاتِك

وأسمعُ

كلَّ المخلوقاتِ بداخلِك

تنادي

هلْ مِنْ كونٍ يشبهُ عالمَنا !

قلتُ

بلى

ما في قلبي

أقوى

هو الهيجانُ الروحيّ

بداخلِ أنثى

ترفضُ

أنْ تُخنقَ تحتَ الماءِ

حتّى لو

فتّتها الصَّخرُ

فهي القادمةُ إليه

دون حساب

لا للبعدِ

ولا للقوّةِ

بلْ

للقاءٍ

يتماهى فيهِ الرملُ

وذراتُ الماءِ!

وتختلفُ

الخلجانُ عليهِ

لكن ما يبغيه

لم يفهمْه

إلا اثنان

رحلا في لجّةِ أحلامٍ

ضاقتْ بهما الدُّنيا

فارتكبا

خيبةَ صِدقٍ

أودتْ بالأحلامِ

قواربُ

تنشدُ بحّاراً

رحلَ وغاب

لم يقوَ القاربُ

على مقارعةِ عواصفَ

فاضتْ فيها

أمواجُ القتلِ

وأهوالُ الذبحِ

وغناءُ نوارسَ

لمْ تطلبْ إلا

فُتاتَ السَّمكاتِ المَوءُودةِ

منْ قالَ لكمْ

أنَّ النورسَ

لا يتقنُ فنّ الطَّيرانِ

هو أصدقُ

منْ كُلِّ المَخلوقاتِ

لم يَنشدْ

أعلى مِمَّا يُمكنُ

أنْ يعطيَه الدِّفءَ

فالشَّاطئُ

أعلى منْ كُلِّ السًّمواتِ

ولولا البحرُ

لما خُلقَ

اللونُ الأزرقُ

وكُلُّ غيومِ الدُّنيا

تحلّقُ

أعلى

أعلى

أعلى

ثم تعودُ

لتقبّلَ

أقربَ صخرةٍ».

وعنها تقول الشاعرة "نعمى سليمان": «حقيقةً إنّ للمربية "لبانة" الشاعرة والمترجمة شخصيتها المتفردة في إيصال الفكرة بكل سلاسة وحب، اسم من ذهب في زمن قل فيه الأصلي، وهي سيدة بحجم وطن، تجيد الحياة بكل ما فيها من ألوان فرح وحزن وتعب، وقبل أن تكون مدرسة في اللغة الإنكليزية هي إنسانة تحمل في جوانحها كل ما يجب أن تحمله المرأة السورية الخلاقة، وقد تركت بصمتها في الساحة الأدبية والثقافية كما تركتها في التعليم والتربية، فبعد إصدارين شعريين نثريين، تركت بعضاً من فكرها في أروقة الكتب، لها عوالمها الخاصة، وعليك الغوص جيداً في فكرتها، فمفرداتها تحمل كل خلاصات فكرها وتجربتها في الحياة، وهذا ما جعل نصّها نصاً غير عادي، بل نص يعلّم ويعطي بعداً حقيقياً للحياة، وبالفعل منها تتعلم كيف يكون الكبرياء حاضراً باسم وهيئة امرأة، إلى جانب هذا كان لها تجربة رائدة في الترجمة، وكتاب عن أنماط اللغة، ومحظوظ من استطاع أن يكون من ضمن الحاضرين لأحد محاضراتها».

يذكر أنّ الأديبة "لبانة الجندي" من مواليد "سلمية" عام 1960، مقيمة في "طرطوس".