استطاعت من خلال كتاباتها أن تصنع لنفسها عالمها الخاص، كما أنّ قدرتها على الخلق والابتكار سمحت لها أن تعيد رسم الواقع بصورة جديدة. تنوعت الموضوعات التي تناولتها، فكتبت عن الطبيعة والإنسان، وعن كل ما تراه عيناها وينتفض لأجله قلبها.

الكاتبة "رجاء شعبان" التي التقتها مدونة وطن "eSyria" بتاريخ 4 تشرين الثاني 2019 تحدثت عن رحلتها في عالم الكتابة حيث قالت: «نشأت في بيئة جميلة فاتنة الطبيعة، في إحدى قرى السّاحل السّوري وتدعى "الخريبة"، قرية أخذت جمالها من خلودها على قمم الجبال وإطلالاتها على البحر، والحقيقة أنها لم تأخذ من اسمها إلّا عكسه، فهي العامرة بالمحبّة والفتنة والوداعة والسّحر.

في مجتمعنا تراجع دور الثّقافة، لكن المهتم بالكتاب سوف يبقى على شغفه واهتمامه، والكتاب الورقي لم يتراجع دوره، إنّما جاء الكتاب الإلكتروني كبديل فقط وليس أساسي، والكتاب لا يأخذ شرعيّته إلّا إذا كان ورقياً، ومن خلال معرض الكتاب رأيت أنّ الكتاب الورقي يعود لمجده من جديد، وإعادة مجد أي شيء تكون بالاهتمام والرّعاية وتسليط الأضواء، والأهم الاعتراف بأهميّة كل من الكتاب والكاتب

عائلتي متنوّعة الفكر والآراء، مستقلّة الشّخصيّات، إذ لكلّ فرد كيانه المختص فيه، ورؤيته الخاصّة به، فأمّي امرأة موهوبة إذا ما قورنت بالنّساء من أترابها، وقد ورّثتنا القلق المبدع، فهي لا تكلّ ولا تملّ من الحركة وإنجاز الأعمال المتميّزة المتّسمة بحسّ فنّي، هذا عدا عن نظرتها الثّاقبة، فهي كالطّبيب الشّعبي تفهم بالمواليد والأمراض، وتميّز من نظرة الولد المعاق أكثر من أجهزة الطّب التّصويريّة، إضافةً إلى لباقتها في التفكير والكلام، وقد وصفت من قبل بعض النّاس بالفيلسوفة، أّما أبي الرّاحل فقد اشتهر بقوّته العضليّة لدرجة تخطّت حدود المألوف، وتأثّري بالطبيعة وعائلتي مضاف إلى فائض إحساسي، ولّد لديّ التأمّل والتّعبير عن الذّات بالكتابة».

من التكريمات

وتتابع قولها: «تأثّري بجمال الطّبيعة أرخى عندي حجب الخيال، فانفتحت مخيّلتي على مصراعيها، والكتابة بالنسبة إلى حبّ ذاتي، فكثيراً ما ألهبتني أناشيد الطّفولة والمدرسة والقصص التي كنّا نحصل عليها من مكتبة المدرسة، أحببت قصيدة "الخريف" للشّاعر "سليمان العيسى"، والصّور فيها استفزّت بطريقة إيجابيّة شاعريّتي، ومن القصص الّتي راودت مخيّلتي وشغفت بها قصّة "جميلة والوحش"، لقد شغفني حبّاً هذا العالم الشّعري والقصصي، وأيضاً كان لأختي كتاباتها الجميلة، وأخي مبدع بالنّحت بالفطرة، وقد كان يهوى المطالعة ويحضِر الكتب والمجلات، حينها كنت في المرحلة الإعدادية، ولم يستهوني إلّا كتب "جبران خليل جبران" لما رأيته فيها من انعكاس لروحي، لكنّني فضّلت الاحتفاظ بميولي هذه بيني وبين نفسي، أكتب وأحتفظ بكتاباتي على دفاتر لا زالت عندي حتّى اليوم، إذاً موهبتي بدأت تظهر في المرحلة الإعدادية، حينئذٍ طافت بي المشاعر وانفجرت تعبيراً، أمّا المشجّع الأكبر هو بحثي عن شيءٍ يخفف عنّي، فوجدته بالكتابة والتعبير».

وتضيف: «أكتب لأتوازن، ففيض التأثر والإحساس لديّ جعلني أكتب لأرتاح، فكتبت عن الحياة وأعدت صياغتها بما يناسبني، لهذا أتحدّث إليها بكلّ شيءٍ من خلال قلمي، لكن تشغلني الوجدانيّات والطّبيعة بكلّ تفاصيلها، وبالذّات الإنسانيّة بكل عمقها، وأيضاً كتبت عن الأمكنة والأزمنة والمواقف والأحداث، وكلّ ما تراه عيني وينتفض لأجله قلبي، وأحبّ كلّ صنوف الأدب، لكنني أجد ذاتي بالرّواية والشّعر، فالشّعر ومضات تنتابني، تشعلني فأشعلها للحياة، والرّواية تعطيني الفسحة لأستطرد بحديثي وفكري مع الحياة، والشّعر كالتنفّس العادي والرواية كتنفّس الصّعداء».

وعن إصداراتها ومشاركاتها والتكريمات قالت: «لم يصدر لي إلا كتاب واحد، وتم توقيعه في معرض الكتاب، صادر عن دار "دلمون" الجديدة للطباعة والنّشر والتّوزيع، واسمه "تلك الأيّام"، وهو وجدانيّات من قصص وشعر نثري، ولدي رواية جاهزة للنّشر، وقد أرسلتها للمشاركة بها بإحدى مسابقات دور النّشر، إلى جانب امتلاك الكثير من الكتابات الجاهزة للطباعة، إنما العائق هو مادّي، وحاليّاً أنشر في جريدة "الثّورة" النّسخة الإلكترونيّة، إضافةً إلى النّشر أحياناً في مجلّة "جيش الشّعب"، وقد كُرّمت من قبل الأصدقاء الرّوس لعملي الفاعل بمجلّة "معاً نصنع السّلام"، وهي مجلّة مشتركة تصدر عن وزارتي الدّفاع السّوريّة والروسيّة، إضافة لتكريم آخر منذ عدّة أيّام برعاية وزارة الثّقافة، والحقيقة التّكريم مهم جدّاً لرفع الحالة التّقديريّة للذات، يزيد من الثّقة ويفتح آفاق التّفاعل والإبداع».

وتختم حديثها بالقول: «في مجتمعنا تراجع دور الثّقافة، لكن المهتم بالكتاب سوف يبقى على شغفه واهتمامه، والكتاب الورقي لم يتراجع دوره، إنّما جاء الكتاب الإلكتروني كبديل فقط وليس أساسي، والكتاب لا يأخذ شرعيّته إلّا إذا كان ورقياً، ومن خلال معرض الكتاب رأيت أنّ الكتاب الورقي يعود لمجده من جديد، وإعادة مجد أي شيء تكون بالاهتمام والرّعاية وتسليط الأضواء، والأهم الاعتراف بأهميّة كل من الكتاب والكاتب».

وعنها يقول الكاتب الصّحفي "ديب علي حسن": «تصرّ الكاتبة "رجاء" على الابتكار والقدرة على تطويع اللغة، وهي دائمة السّعي ليكون لها صوتها من خلال ما تكتبه من نصوص تمزج بين الشّعر والخاطرة، والتقاط لحظات مغايرة من الحياة، كما أنها تبحث عن الاختلاف، وتعمل على مشروعها الذي يبدو أنّه خاص بها، بمعنى آخر تعيدنا إلى مفردات الحياة الّتي تصوّر اللحظة انطلاقاً من الذّات العامة، وهذا ما يفسّر بساطة اللّغة والصّورة وقدرتها على القص من خلال النّص الّذي تقدّمه».

يذكر أنّ الكاتبة "رجاء صالح شعبان" من مواليد "بانياس" عام 1980، حاصلة على إجازة في الإعلام.

ومن كتابتها اختارت على أمل اللقاء:

أحقاً وددتَ لو أنساكَ؟!

ليس صعباً أن تغوينا

هاوية النسيان

بل الأجمل، ذاكرة الحنان

تموت الوردة بِذاتنا

من شحِّ الماء

وتنمو خلف أسوار الروح..

لو أغراها المطر

مِلتُ بوجهتي عنك

يا اجتياحي

على جسرِ ابتعادٍ أعبر..

إلى حيث لا أنت

أكتسي لون المدى

وأتزوّد عطر اللا منتهى..

وردةُ روحٍ هنا ووردةٌ هناك

أساكن قصور الفضاء

إذ لا ذلّ ولا استجداء

ولا إغواء

أتدثّر ممالك العفّة

وأفترش عروش الوفاء

لا أخسر عذريّة مملكتي

ولا أفنى شقاء