أتقن التعامل مع الحس الأدبي، فأخذ يصوغ للقراء بقلمه قصائد تحاكي كل ما حولهم، كتب الدواوين والدراسات النقدية التي حققت انتشاراً محلياً وعربياً.

مدونة وطن "eSyria" تواصلت بتاريخ 15 أيار 2019، مع الشاعر والناقد "قصي عطية" ليحدثنا بالقول: «بداياتي الأدبيّة تعود إلى المراحل الدراسية الأولى، بدأتها بالقراءة، فقد كنتُ شغوفاً بالقراءة والمطالعة، وكنتُ أستعير بعض الكتب من المدرسة، وأعود بها إلى البيت لأواظب على قراءتها بمتعة واندهاش، ثمّ بعض المحاولات المتواضعة، إلى أن اختمرت قراءاتي أكثر في الصف الثاني الثانوي، حين كتبتُ نصوصاً وشاركتُ بها في مسابقات أقامتها رابطة الشبيبة آنذاك، وفعلاً فازت بالمرتبة الأولى، وكُرّمنا بإقامة مخيّم أدبيّ في "طرطوس" لثلاثة أسابيع، والتقينا أدباء هذه المحافظة، وشعرتُ بأنّ هذه المرحلة أثّرت كثيراً في عشقي للأدب العربيّ، ثمّ جاءت المرحلة الجامعيّة، وتخصّصي بالأدب العربيّ مع أنّ شهادتي الثانوية كانت بالفرع العلميّ، وكانت سعادتي بدراسة الأدب وقصص الشعراء كبيرة، ففي الجامعة تعرّفتُ إلى الجوّ الثقافيّ الذي أشبعني بما أرغب، وكان لبعض الأساتذة في الجامعة أثر كبير في تكويني الأدبيّ، ولا أنسى دفء تشجيعهم، واحتضانهم لموهبتي، وفي هذه المرحلة نشرت أولى قصائدي بعد أن اطّلع عليها أساتذتي، وكنتُ أنشر في صحيفة "الثقافة الأسبوعية" للأديب الراحل "مدحة عكاش"، وفي الصفحات الثقافية في صحيفتي "البعث"، و"تشرين"، وكان لأهلي دور مهم في تكويني، فقد وجدتُ في البيت مجموعة من الكتب التي قرأتها بنهم، إضافة إلى ما كنتُ أستعيره من مكتبة المدرسة، ولم يعارض أحد من أهلي دراستي اللغة العربية، بل شجّعوني، وفي الجامعة وجدتُ من أخذ بيدي، وأنار لي طريق الأدب والنقد».

معرفتي به ممتدة من المرحلة الجامعية، هو صديق قديم متجدد، من صفاته المواظبة والصبر والطموح اللا محدود، لا يعرف الملل، ولا يعترف به، شخص مخلص، يعطي ولا ينتظر المقابل، قد لا أكون مطلعة على كافة مقالاته النقدية التخصصية التي يركز فيها على الجوانب الفنية في شعر الشعراء، لكنني في الشعر يمكنني التحدث كثيراً، فهو يكتب بصوت جديد، وصور كثيفة، ولغة مدهشة، بعض القصائد تتسم بالصعوبة لكونه شاعراً متخصصاً، فقصائده لا تنفتح للقارئ المستعجل، بل تحتاج إلى مهارة وحب لاستكشاف بواطنها

ويكمل: «نشرتُ أول مجموعة شعرية عام 2014، وكانت بعنوان: "معراج الضوء"، وكنتُ متريّثاً في طباعة المجموعة الأولى، مع أنني كنتُ أنشر قصائدي منذ عام 1997 في الصحف والمجلات، وكانت هذه المجموعة اختياراً لمجموعة من القصائد التي كتبتها بين عامي 2009ـ2010، إذ وجدتُ أن أدواتي الفنية قد بدأت تأخذ طابعاً خاصّاً، وهذه المجموعة كانت تذكرة العبور إلى القارئ، ومعراجاً إلى الآخر، وكانت انطلاقة أشعرتني بأهمية أن أتروّى في الطباعة، ولم أندم لأنني لم أستعجل، ومجموعتي الشعريّة الثانية: "كونشيرتو الرغبة الحدباء" عام 2019، فيها مجموعة من القصائد التي كتبتها بين عامي 2010ـ2014، ولديّ مجموعتان جاهزتان للطباعة، وأنشر قصائدي في "سورية"، و"أستراليا"، و"العراق"، و"الجزائر"، و"الأردن"، في دوريات متخصّصة في الأدب والنقد».

غلاف ديوان "معراج الضوء"

وعن النقد يتابع بالقول: «درست في مرحلة الماجستير شعر "أدونيس" من خلال أطروحتي "قناع المتنبّي في الكتاب أمس المكان الآن" لـ"أدونيس"، وهو كتاب بثلاثة أجزاء، قمت من خلاله بدراسة التاريخ العربي منذ وفاة الرسول الكريم (11 للهجرة) وحتى مقتل المتنبي (354 للهجرة)، ناسباً ما كتبه بأنه مخطوطة تُنسَب إلى "المتنبي"، يحقّقها وينشرها "أدونيس"، وكان اشتغالي في مرحلة الماجستير من أمتع المراحل التي مررتُ بها، وقد التقيتُ "أدونيس" صيف 2008، وكنتُ أكتب في أطروحتي، وأثنى على ما أشتغل عليه، ونلت على أطروحتي درجة الامتياز، وأعدّ أطروحة دكتوراه في نقد النقد، واتخذت من شعر "أدونيس" في الاستقبال النقدي مادة لدراستي، ولديّ كتاب نقديّ عن شعر "أدونيس"، ومجموعة من الدراسات النقدية، التي نشرتها في مطبوعات اتحاد الكتاب العرب في "سورية"، وفي "العراق"، و"الجزائر"، و"أستراليا"، والكتابة عندي حالة من التحليق عالياً، تمنحني طاقة على الحياة، هي شعاع ضوء سماويّ، ويتساءل كثيرون ممن هم حولي: من أين تأتي بهذه الطاقة الإيجابية؟ فأجيبهم: من العمل، من الشعر والكتابة، فالكتابة أوكسجين الحياة، والشعر والنقد هما الرئتان اللتان أتنفس بهما، أنظم وقتي، في المدرسة بصفتي مديراً لثانوية "البعث" في "بانياس"؛ أمنح وقتي كلّه للعمل والطلاب، فهم الجيل الذي سيحمل راية البناء من بعدنا، وفي البيت أتفرّغ كليّاً للكتابة، للدراسة الأكاديمية الرصينة، وحين يتسلل الحنين، أترك قلم الناقد وأستلّ ريشة الشاعر لأُفرغ ما اصطخب من مشاعر في داخلي، فمسألة تنظيم الوقت مهمّة، ولن ينجح أي شخص إن لم يتنبّه إليها».

وعن الصعوبات التي قد يواجهها الكاتب قال: «الكاتب كتلة مشاعر وأحاسيس، ينفعل بما يدور حوله، قد لا يخبر أحداً، لكنّه يتأثّر، وهنا يجب أن يكون المبدع حذقاً، حتى لا يسمح لما يدور حوله بالتأثير به سلباً. وبالنسبة لي لا أسمح لسواد الآخرين أن ينفذ إلى داخلي، وأحارب القبح الموجود في الواقع من خلال طاقتي الإيجابية التي تشكل حاجزاً مناعياً يقف عنده كل ما له أثر سلبيّ، فمثلاً قمت منذ سنة ونصف السنة بتسجيل ما يحدث معي على شكل يوميات، وتفاجأت بعد أن قرأتُ ما كتبته أن الأحداث تصلح لمسلسل، وبالفعل عدتُ إليها، وأعدتُ صياغتها، وأشتغل عليها الآن، ووصلتُ إلى مرحلة متقدمة في الحلقات، واستقيتُ الأحداث من الواقع، والمدرسة التي أشتغل فيها مديراً، والجامعة، والمجتمع، الكاتب هو الذي يطوّع ما يحدث معه ليحسّن من هذا الواقع، ويجب أن يكون له دور إيجابي في مكانه».

غلاف ديوان "كونشيرتو الرغبة الحدباء"

من قصائده اخترنا لكم المقطع التالي:

«ذاكرة بمئات الوجوه

ذَاكرةٌ بمئاتِ الجروحِ، والنّدباتِ

من القصائد المنشورة في إحدى المجلات الثقافية

تغرسُني في مُستنقَعٍ

يخترقُه شُعاعُ ضَوءٍ

آتٍ مِنْ بعيدْ

أتسلَّقُ الضَّوءَ بأظافري الحَليبيَّة

الرَّقيقة

أمدُّ قامتي نحوَ قَشَّة

تُلامسُ قوسَ قزحٍ

يلفظُ أنفاسَهُ على عُنقِ الفَضاء...

حانَ مَوعِدُ التّشرُّدِ

معَ الأشرعةِ المُرتجِفةِ

في قاعِ ليلةٍ غائمةٍ

مع حكايا جدّتي

المَطويَّةِ في جَوفِ

رصيفٍ رطْبٍ

تتجمَّعُ عليهِ الحَقائبُ المُعدَّةُ

للرَّحيل.

ما مِنْ تعاسةٍ تعادلُ تعاستي

أمامَ جثَّةِ الخَريفِ

وقد تَبعثرَتْ أُمسياتُهُ،

وتيبَّسَتْ وَجنتاهُ سَاعةَ الغُروبِ

خذيني إليكِ يا جدَّتي،

ما عدْتُ أحتملُ اللياليَ

المَكسوَّةَ برائحةِ العفونةِ والتّفسّخِ...

وصقيعِ المَرايا المَكسورة

في زَوايا الذّاكرة».

أمينة رابطة الشبيبة في "بانياس" والمدرّسة "نهلة سليمان" صديقة الشاعر والمواظبة على قراءة مؤلفات الشاعر والناقد "قصي عطية" عنه تقول: «معرفتي به ممتدة من المرحلة الجامعية، هو صديق قديم متجدد، من صفاته المواظبة والصبر والطموح اللا محدود، لا يعرف الملل، ولا يعترف به، شخص مخلص، يعطي ولا ينتظر المقابل، قد لا أكون مطلعة على كافة مقالاته النقدية التخصصية التي يركز فيها على الجوانب الفنية في شعر الشعراء، لكنني في الشعر يمكنني التحدث كثيراً، فهو يكتب بصوت جديد، وصور كثيفة، ولغة مدهشة، بعض القصائد تتسم بالصعوبة لكونه شاعراً متخصصاً، فقصائده لا تنفتح للقارئ المستعجل، بل تحتاج إلى مهارة وحب لاستكشاف بواطنها».

يذكر، أن الشاعر والناقد "قصي عطية" من مواليد محافظة "طرطوس" قرية "التون المرقب" في ريف مدينة "بانياس"، عام 1977.