كتبت "أمل جاموس" الشعر النثري الطويل من وجع وألم وخيال خصب، وقدمت أفكاره سيناريوهات تلفزيونية، وغاصت في مشكلات الواقع بجرأة الأنثى التي تفرغت من تربية أبنائها، فأظهرت أحاسيسها العالية من دون ريبة، متنقلة بين شخوصها الأدبية بخفة ورشاقة.

كتبت قصصاً كثيرة خلال مراحلها الدراسية الأولى بتشجيع من مدرّس اللغة العربية "عبد الحميد يونس" الذي كشف امتلاكها ذائقة أدبية مبكرة تحتاج إلى تحفيز وتنمية بالكتابة والممارسة، بحسب ما قالت لمدونة وطن "eSyria" بتاريخ 13 كانون الثاني 2019، وهذا شجعها على المشاركة بمسابقات رواد الطلائع، فحصلت على الريادة عامين متتاليين في مجال كتابة القصص القصيرة. وقالت: «شاءت الظروف أن أتوقف عن الكتابة ومتابعة التحصيل العلمي في دراسة علم النفس، لزواجي المبكر، وكأن الزمن الإبداعي توقف هناك، وتوجهت نحو أسرتي وتربية أطفالي حتى أصبحوا قادرين على الاهتمام بأنفسهم، فعدت إلى الكتابة التي لم يفارقني هاجسها طوال الفترة الماضية، عدت بتشجيع من زوجي المخرج والكاتب المسرحي "رضوان جاموس"، وتمكنت من إنتاج ثلاثة دواوين شعرية، هي: "يا صاحب الظل الطويل"، و"خيانة عظمى"، و"مافيا السلام". بعدها بدأت كتابة السيناريو، حيث وجدت نفسي فيه، وخدمني فيها مرافقتي لزوجي خلال مراحل عمله، فحصلت على تكنيك هذا النوع من الكتابة.

كتبت الشعر النثري الطويل، وقدمت سيناريو يحاكي ذات الفكرة فيه، مثل: سيناريو "رقص الجواسيس" عن قصيدة "خيانة عظمى"، وفي كل منها تلبستني الشخصيات حتى شعرت بها وكأنها جزء من واقعي، ولعب الدور الكبير في ذلك الأفق الواسع والهدف، لكن المفارقة أن الزمن خلالها توقف لديّ ولم أعد أشعر بمروره

ولا أنسى أن ما أغنى ذائقتي الشعرية البيئة المجتمعية التي نشأت فيها، وتوفر الكتب المتنوعة ضمن مكتبة والدي المثقف من الدرجة الجيدة جداً، والمناظر الخلابة في قريتي "حفة وعاشقة"، وكذلك كانت قصص الحياة والواقع المحيط بي وشغف الكتابة، فتكلمت عن الحزن والفرح والألم وعما يشوه النفس البشرية، وما يجب تسليط الضوء عليه من رضوض نفسية وهموم الناس، وهي كانت ذاتها دوافع أساسية في طبيعة ما كتبته من مجموعات شعرية وسيناريوهات درامية.

خيانة عظمى من أعمالها

بوجه عام أرى في الألم محفزاً للكتابة أسميته "الألم العبقري"، وكان أحد الدوافع لعودتي إلى الكتابة -إن صح التعبير- حادثة وفاة والدي وزوج أختي الصغرى، وأكبر دليل على انطلاقي نحو كتابة واقعية من صلب الوجع البشري والإنساني، الذي يمر على كل فرد منا، والهدف كان التفريغ عن الوجع والحديث عن حكمة ربانية منه، وفي المقلب الآخر يجب معالجة هذا الوجع بطريقة أدبية هادفة لتجاوزه، وطرح الحلول له وأساليب معرفية من خضمه، ليكون عبرة يجب التفاعل معها».

وتطرقت "أمل" إلى أفكار مجتمعية حساسة وهادفة من مبدأ الرسالة الخاصة الراغبة بإيصالها ومعالجتها، وقالت: «من بعض الأفكار التي عملت عليها؛ أطفال التوحد والنظرة المغلوطة تجاه هذا الفرد المشبع بالإنسانية، وقدمت خلالها طرائق التعامل معه بناءً على دراسات وأبحاث واقعية منطقية قمت بها وصديقتي الأكاديمية "رباب محمود" المشرفة على أطفال التوحد، وتطرقت خلال السيناريوهات إلى العنف الأسري والرضوض النفسية التي يعاني منها الأولاد بسبب الآباء والأمهات. كما تناولت الخير والشر، والحب والخيانة، والواقع والمعيشة».

مافيا السلام

وتضيف: «كتبت الشعر النثري الطويل، وقدمت سيناريو يحاكي ذات الفكرة فيه، مثل: سيناريو "رقص الجواسيس" عن قصيدة "خيانة عظمى"، وفي كل منها تلبستني الشخصيات حتى شعرت بها وكأنها جزء من واقعي، ولعب الدور الكبير في ذلك الأفق الواسع والهدف، لكن المفارقة أن الزمن خلالها توقف لديّ ولم أعد أشعر بمروره».

وبحسب حديثها ككاتبة سيناريو واجهت وتواجه هموماً كبيرة في عمليات الإنتاج والتسويق بسبب الواقع الراهن وظروف الحرب على "سورية"، لكن هذا لم يمنعها عن الإنتاج الغزير.

السيناريست أمل جاموس

تقول في قصيدة بعنوان "خيول الخرافة":

"بينَ مَفاصِل مُفْرَداتِي وطنٌ مَقْهُور..

بينَ مَفاصِل مُفْرَداتي وَجَعٌ ناشِز.. آهٍ لو يُطْفَأُ بُركانٌ ثائر! آهٍ لو يُخْمَدُ

بين مفاصلِ مُفرداتي ضميرٌ مَصْلُوب

مَخاضٌ مُؤلِم

مفاتيحُ خلاصٍ ضاعتْ، وكُلُّ المسافاتِ من دماء...

شطآنٌ ظمأى

عروبةٌ نازفة

كوابيسُ تُولَد..

أحلامٌ تموت حُلْكَةٌ أزَلِيَّة...

ذاكرةٌ مُتَشظِّيَة عُقولٌ بَلْهاء..

كأننا لم نَتطوَّرْ ولم تَكُنْ هُناكَ أحقاب أشلاءٌ.. أشلاءٌ.. أشلاء...".

وفي لقاء مع المخرج "أسعد عيد" قال عما قرأه من نصوص شعرية للكاتبة "أمل": «متميزة وتتقن أدواتها، واستطاعت أن تقدم شعراً يتحدث عن الأنثى بأحاسيسها وعواطفها وبشفافية عالية وجميلة بعيدة عن الفضح، وصور بسيطة محققة السهل الممتنع فيها.

وهذه الأمور انعكست على أسلوبها في مجال النصوص التلفزيونية، فقدمت مواضيع مهمة تلامس ميدان الشارع السوري والعربي، وقدمت مواضيع جريئة جداً بأسلوب راقٍ كاسرة قالب الاعتياد في درامانا».

يشار إلى أن الكاتبة "أمل كمال جاموس" من مواليد عام 1979، ومقيمة في "طرطوس"، ولها أيضاً عمل درامي خليجي بعنوان: "طيبة".