يحاول الشاعر "منذر حسن" بثّ مشاعره وهواجسه بقصائد شعرية تمتزج بين الواقع والإيحاء؛ مستخدماً الرمز حيناً، والبوح أحياناً أخرى، مستعيناً بمخزونه اللغوي والثقافي؛ وهو ما انعكس على إبداعه الشعري بقصائد وإبداع.

«الشعر يأتي معنا؛ من معاناتنا، وحبنا، وصدقنا. قد يأتي عفو الخاطر، وقد يأتي معه أو بعده، لكنه لا يأتي من فراغ، الوحي جميل، لكن جبريل الشعر لن ينزل على قليلي الثقافة أو قليلي التجربة، ولا على الكاذبين»؛ هذا ما قاله الشاعر "منذر حسن" لمدونة وطن "eSyria" التي التقته بتاريخ 6 تشرين الأول 2018، وعن تجربته الشعرية يقول: «كانت بدايتي في سن مبكرة مع الشعر العمودي، فكنت أُقلّد الشعراء الكبار لا لأصبح مثلهم، بل لأنني أحببتهم، أتذكر أنني في المرحلة الثانوية تعلقت بقصيدة للشاعر الكبير "حامد حسن" ونسجت مقطعاً على منوالها عرضته في ذلك الحين على والدي رحمه الله الشاعر "كامل حسن"؛ فهو شاعر من ذلك الزمن الجميل، ومع أنني أخبرته أن النص مأخوذ من قصيدة لصديقه الشاعر "حامد حسن"، إلا أن ذلك لم يقلّل من تشجيعه لي، وبعد ذلك وفي الثمانينات والتسعينات، وككل أبناء ذلك الجيل كنا نقرأ لـ"محمود درويش"، و"نزار قباني"، وغيرهما من الشعراء الغنائيين وشعراء التفعيلة، وربما فورة وحماسة الشباب يجعلانك الأقرب إلى هذا النوع من الشعر، لكن بعد قراءتي لشعر "أدونيس"، و"محمد عمران"، وجدت أن عليّ الخروج من تلك المرحلة».

الشعر يأتي معنا؛ من معاناتنا، وحبنا، وصدقنا. قد يأتي عفو الخاطر، وقد يأتي معه أو بعده، لكنه لا يأتي من فراغ، الوحي جميل، لكن جبريل الشعر لن ينزل على قليلي الثقافة أو قليلي التجربة، ولا على الكاذبين

وعن منشوراته والألوان والأجناس الأدبية الأقرب إليه، يضيف قائلاً: «لديَّ خمس مجموعات شعرية، كانت بدايتها عام 1994 بمجموعة أسميتها: "شموخ السنديان"، تضمّنت عدداً من النصوص العمودية، ونصوص التفعيلة، وفي المجموعات الثلاث الأولى كنت الأقرب إلى الغنائية، أما المجموعتان الأخيرتان "أفرد الحسن هواه"، "وكن عشبي الذي"، فأفردت بهما مساحات أكبر للنثر. ومن خلال تجربتي، أظن أن النص النثري هو الأقرب إلى ثقافتنا ووجداننا. صحيح أننا نشأنا على الشعر التقليدي، وأشعر بالغبطة كلما عدت إلى شعر "المتنبي"، و"أبي تمام" وغيرهما، إلا أن ثقافة هذا العصر تحتاج إلى أدوات تعبير أعلى وأوسع؛ فالقصيدة النثرية تتسع، وكلما اتسعت أكثر أصبحنا أمام تعبير أعلى، والنص النثري ليس سهلاً كما يظن بعضهم؛ فهو سيكون أكثر صعوبة إذا أدرك كاتبه أن للكلمات إيقاعها، وأن لأي قطعة نثرية موسيقاها، فإن لم يكن النص حياً ونابضاً وموحياً، فلا معنى له».

بعض دواوينه

بالنسبة للمواضيع التي يتطرق إليها في قصائده ورأيه بالملتقيات الأدبية ودورها بنشر الشعر، يتابع قائلاً: «الكتابة عن الوطن كالكتابة عن المرأة أو الأرض ليس جنساً أدبياً فقط، فنحن نكتب عن الذين نحبهم، نهتم بهم، وعن أنفسنا، وهمومنا، وإرهاقنا ويأسنا، وحياتنا وموتنا؛ بهذا القدر يمكن القول هذه قصيدة عن الوطن أو المرأة أو الحب. كما أعدّ الثقافة هي البنية التحتية لأي نهضة قادمة؛ فلا يمكن لمجتمع جاهل أن يخطو إلى الأمام، ولا يمكن لنخب متخلفة أن تقود التطور لأن قصورها سيكون جزءاً من المشهد، وأرى أن هناك دوراً للملتقيات الأدبية بالنشر والتعريف بالشعر، لكن -يا للأسف- مازالت لا تفي بالغرض على الرغم من الجهود التي تبذلها وزارة الثقافة، وربما تعوض ذلك النقص وسائل التواصل الاجتماعي، وإن كانت لا ترقى إلى عمل المؤسسة الثقافية، ولا يمكن الاعتماد عليها لتحقيق نهوض معرفي ثقافي؛ ولو أنها تساهم بإيصال ما نريد من خلال فضائها الواسع».

ومما نشر في دواوينه، اخترنا:

الشاعر أحمد نصرة

«سبعة آلاف عام أنجبت ألف إله

أمطرت أنبياء كعدد النجوم

وآيات حب وقمح، رؤوس جبال..

ملائكة بحار علوم وشعر وماء

سبعة آلاف عام كما لا تذكران..

كما لا تنسيان..

كما لا شيء أنت وأنت

صوموا عن الدين نصف سعير

ونصف سعال عن الأدلجة

يرق لكم قلب هذي البلاد

على بعد دمع تحدر من عين طفل

على بعد عطر بكته.. سوسنة..»

ومن قصائده غير المنشورة، اخترنا:

«وبالشتائم اختر يا صاحبي، شتيمة مفاجئة، وتفقد أوتارها

ربما كنت الآن وحيداً تعبث بأصابعك

يمكن للعبة أن تأخذك إلى حب قديم

أو إلى مقهى الإيدلوجيات النافقة

ماذا لو خطر لأصابعك أن تلهو بجينات النادل

ذي العينين الغائرتين

أو أن ترتكب جريمة

هل كنت ستغرق ثانية في الحب أم تفقأ عيني ..النادل».

بدوره صديقه الشاعر "أحمد نصرة" يحدثنا عنه قائلاً: «الشاعر "منذر حسن" إنسان حر نبيل تشكّل في قصيدة مستدامة الخلق، تعود معرفتي به إلى تلك الأمسية التي هيأت نفسي بها لجرعة شعرية عالية، لكن لم أتوقع أن تكون بذاك المستوى الناضج؛ فالقصيدة تخرج من بين يديه مثل شلال عذب؛ فترسم بادئ ذي بدء معالم شخصيته النبيلة عتيقة التجذر في انتمائها إلى النزوع الإنساني من أوسع فضاءاته، قرأت مجموعاته التي سبقت تعارفنا، وأقرأ له ما يكتب حديثاً، وأشهد أن ما كتبه كان سباقاً فيه لكثيرين من أقرانه، إلا أنه من الضروري القول إن أدواته ولغته تشهد تصاعداً لافتاً قلَّ أن تجده عند الآخرين، وأن القصيدة لديه تتسارع حتى تكاد تسبقه في تكوينه الجمالي والثقافي والأخلاقي؛ وهذا برأيي نتيجة التماهي بين الشرط المعرفي التراكمي، والاشتراط السلوكي للثقافة».

يذكر أن الشاعر "منذر حسن" من مواليد "طرطوس" عام 1966، خريج كلية الحقوق، ويعمل بمجال المحاماة، أعماله الشعرية منشورة في عدد من الدوريات، مثل: "تشرين، الأيام، الثورة"، مجلة "الحركة الشعرية" في "المكسيك"، وصحيفة "انتلجنسيا" التونسية، وعدد من المواقع الإلكترونية، إضافة إلى عدة دراسات حول الأدب السرياني، وتطور الأجناس الأدبية.