بلغة قريبة من الناس ومواضيع تؤرق حياتهم اليومية صاغ "منهل حسن" قصائده الشعرية باللغة المحكية والفصحى، وأعظم جوائزه كانت دمعة ووردة من أم شهيد.

بداية حوار مدونة وطن "eSyria" مع الشاعر "منهل حسن" بتاريخ 3 حزيران 2018، كان بالتعرف إلى الشخصية الوجدانية، وكيف كانت البدايات مع تكوينها، وهنا قال: «في الصف الرابع الابتدائي طلبت منّا المعلمة كتابة موضوع تعبير، صادف حينئذٍ أنني لم أكتب الوظيفة، واستدعتني المعلمة لأقرأ لزملائي موضوعي، فتحتُ الدفتر عشوائياً، وبدأت أرتجل لأوهمها أنني كتبت الوظيفة، وكم كانت مفاجأتها كبيرة عندما علمت أنني أرتجل! فقالت لي بالحرف الواحد: "ستصبح كاتباً".

موضوعاته دائماً يأخذها مما يهمّ الناس ويؤرقهم؛ لذلك هو قريب منهم في زمن غدا فيه الشعر طلاسم لا يدركها القارئ ولا يفهم ما يصبو إليه أصحابها، وربما هم أيضاً لا يدركون ما يذهبون إليه

ربما آنذاك كانت بداياتي مع الشعر، لأنني صدقتها وصدقت نفسي، ربما بسبب فاقة وعوز أهلي لم أستطع اقتناء آلة موسيقية أو أدوات رسم، فكانت الورقة والقلم أقل تكلفة في التعبير عن مشاعري، فأنا في أول أجر تقاضيته اشتريت ناياً وتعلمت عليه سماعياً، وكنت مقارنةً مع زملائي أجيد الرسم».

"وتكلم حنظلة" مجموعته الشعرية

ولطبيعة علاقته بالشعر وكيف يفهمه حكاية أخرى، ويقول: «الشعر حلم لا نستطيع أن نحلم به، هو لواعج ومكنونات الأنا الأخرى لكل الموجودات، هو ما يقوله بفطرته هذا الكائن القادم في آلة الزمن من بعد آخر، حين تعجز الأنا الموروثة عن قوله، والشاعر بكل بساطة هو ذاك الشخص الذي يستطيع أن ينصت جيداً لجميع الموجات الصوتية التي ما دون وما فوق الترددات السمعية البشرية، لذا لنقل هي حالة من اللا وعي الفطرية يحدوها الوجدان بدافع تفريغ الطاقة الكامنة وتحويلها إلى حالة شاعرية».

يقدم الشاعر "منهل" الشعر المحكي كجزء من الموروث، وهنا قال: «اللغة الشعرية هي ابنة الموروث والمقروء، تولد من بطن ثلاثي الأرحام "الموهبة، التجربة، الثقافة"، ناهيك عن تقديري للهجات المحكية السورية التي تعود الكثير من مفرداتها في أصولها إلى السريانية، وفي النهاية الجمال من منظوري هو التناغم مع أوركسترا الطبيعة».

الناقد الأدبي "أسامة حيدر"

وأيضاً لموسيقاه الشعرية حيزاً من العمل والجهد ليكتمل الإنتاج الموزون بحسب رأيه: «إن الإيقاع والموسيقا الشعرية هي صدى وظلال ما يحيط بنا من موجودات، والشاعر يستطيع بفطرته الإنصات والتأمل، وهنا لا أريد التحدث عن تناغم الأحرف الهامسة والأحرف الجوفية والروي وما يعطي جرساً موسيقياً في النص، فهذا عمل النقاد، مع ضرورة إحاطة الشاعر به».

أما عن المفردات والجمل وكيف يتعامل معها في خضم الفكرة التي يرغب العمل عليها، فقال: «الفكرة هي من تختار المفردات والجمل وحتى القافية، كما يختار الشخص ثياباً تُناسب ذائقته ومقاسه.

الشاعر "منهل مالك حسن"

"وتكلم حنظلة" عنوان مجموعتي الشعرية، وهو ما قاله هذا الطفل الفقير المظلوم المكلوم الحالم الرافض الثائر على كل ما يحاول إذلالنا وإخضاعنا وظلمنا:

"إن استراحَ على الشوكِ كدّي

وتوسَّدَ الحجرُ خدّي

مطيةُ دربي

حَدُّ المِقْصَلة

ليست بمشكلة

إن قضيتُ حياتي أجير

عندَ خنزيرٍ حقير

يأكلُ حِنْطةَ جسدي

واضعاً في فمي حجرة

أيضاً ليست هي المشكلة

إن رأى جوعي

على طاولةِ الحمير

فاتنةً.. فاكهةً.. خمراً.. لحمَ طير

وأمامي أنا فقط

ماءٌ وخبزُ شعير

سالَ لعابُ قلمي وبلّله

لا لا ليست هذه أيضاً بمشكلة

إن غزتني الدبابير

سلبت كلَّ شهدي

وتركتني مهجراً فقير

ألعقُ كالهرِ زندي

ثمَّ أقامت عليَّ

حدَّ السرقة

كذلك ليست هي المشكلة

قاااال حنظلة

لو كان الخِيار

بحجم خازوق

الأتراك والتتار

ليست بمشكلة عندي

المهزلة؟

المشكلة؟

يا أبناء وطني

أن يُكنى الخيار

موزاً بلدي

أن يُلقبَ الحمار

أستاذي وسيدي

هي هي

عين المشكلة

لا وألف لا

لن أُورثك يا ولدي

نفاقنا.. خنوعنا.. انكسارنا

تاريخنا المخزي الرديء

لا يا حبيبي وأملي

في غدي

لا تَعتّد تقبيل الأيادي

حتى لو كانت يدي

هكذا قال حنظلة.. وأدار لنا المؤخرة"».

وأضاف: «للأمانة أكثر ما يُسيل لعابي الشعري هو الطبيعة وإشكالية وجودنا، وقد قرأت أغلب المذاهب الفلسفية لأغلب المفكرين والفلاسفة، وأحاول في نصوصي تقديم هجين بين الفلسفة اللاهوتية الماورائية والفلسفة الوجودية، لذلك أقدر لحد ما الكونفوشية والتاوية».

وعن مشاركاته والجوائز التي حصل عليها وما مرد ذلك وانعكاساته بالنسبة إليه، قال: «اقتصرت مشاركاتي على ظهريات أدبية في بعض المراكز الثقافية والمنتديات، وبكل صراحة أنا أربأ بنفسي وبشعري استجداء أي سلطة ثقافية أو إعلامية. أمّا الجوائز، فهي أيضاً متواضعة، منها جائزة حصلت عليها عام 1994 من اتحاد الطلبة فرع "حلب"، وجائزة حصلت عليها عام 2017 من مجلة "اقتصاد وفن"، لكن أفضل جائزة حصلت عليها هي من امرأة عجوز من قريتي "عين الجاش" تُدعى "أم غسان" قدمت لي دمعة ووردة من قبر ابنها الشهيد، حين كتبت لها قصيدة.

أما ما مرد ذلك وانعكاساته، فالأمر لا يتجاوز الحافز المعنوي، فما يهمني أن أقدم شيئاً لوطني وأساهم قدر الإمكان في إحداث وعي عام تنويري».

وفي لقاء مع الناقد الأدبي "أسامة حيدر"، قال عنه: «الشاعر "منهل" يتسم بالصدق والعفوية والبساطة في التعبير، ولغته سهلة بعيدة عن التعقيد والغرابة، لأنه يؤمن بأن الشعر للناس جميعاً، وليس لفئة دون أخرى، كذلك شعره قريب من القلب؛ لأنه يتسم بما ألمحت إليه من الصدق العاطفي. وفيما يخص صوره الشعرية، فهي واضحة ويبتعد بها عن الرموز الغامضة، ويكتفي بالرمز الشفاف الذي لا يحتاج إلى إعمال الفكر كثيراً كي نصل إلى مبتغاه».

ويتابع: «موضوعاته دائماً يأخذها مما يهمّ الناس ويؤرقهم؛ لذلك هو قريب منهم في زمن غدا فيه الشعر طلاسم لا يدركها القارئ ولا يفهم ما يصبو إليه أصحابها، وربما هم أيضاً لا يدركون ما يذهبون إليه».

يشار إلى أن الشاعر "منهل مالك حسن" من مواليد قرية "عين الجاش" في مدينة "الدريكيش" عام 1974، وله عدة مجموعات، منها: "وتكلم حنظلة"، و"مبني للمجهول"، و"فنجان قهوة".