كان للغة العربية شجون لدى الشاعر "علي الجندي" منذ الصغر، ولم يفارقه حلم الكلمات حتى في المؤسسة العسكرية، فقدم شعره ممزوجاً بالموسيقا الأدائية والسماعية، وحرّر مخزونه ليثري مسيرةً يرضى عنها.

مدونة وطن "eSyria" التقت الشاعر "علي الجندي" بتاريخ 28 تشرين الثاني 2017، ليتحدث عن بداياته وعلاقته بالأدب، فقال: «حب اللغة والأدب بوجه عام رافقني منذ الصغر، وهذا الحب لم يغب عني أبداً حتى إنني درست عامين اللغة العربية في كلية الآداب، وبعدها التحقت بالكلية الحربية وتدرجت في صفوف القوات المسلحة أربعين عاماً حتى رتبة لواء، وخلال هذه المدة استفاض مخزوني الفكري بشغف الكتابة البحثية، وقدمت مؤلفات عدة، مؤكداً من خلالها أن المؤسسة العسكرية في صلب القضايا الإنسانية والاجتماعية والثقافية».

هي تجربة ثقافية متنوعة وغنية، تهدف إلى غرس ثقافة حضارية جديدة بعيدة عن كل الثقافات الدخيلة التي تعود بالمجتمع إلى الوراء

ويضيف: «في المرحلة الثانوية انطلقت للكتابة الأدبية، وترسخت لاحقاً خلال الحياة العسكرية الإمكانيات الخاصة بالكتابة، وأعطت بُعداً عملياً واجتماعياً وإنسانياً على الرغم من عدم التفرغ الكامل، وتوجهاتي كانت نحو البحوث، وقد أنتجت ثلاثة كتب، هي: "ترسانة إسرائيل التدميرية وسبل المواجهة والتحديات"، و"بانتظار القادم الجديد"، و"هذا العالم ما ضميره". وبعد التقاعد عدت إلى الجذور وكتابة الشعر الذي يرى بعضهم أنه يتركز حول المواضيع الإنسانية وعلى رأسها العشق والحب بمختلف مناحيه وأجناسه، كعشق المرأة والوطن والبيئة».

من أعماله الأدبية

وعن إصداراته الأدبية، قال: «عنوان أول ديوان شعري لي كان: "حين عشقت انتميت"، وفيه الكثير من ذكرى الحبيبة الأولى، وبعده قدمت عدة إصدارات، منها: "همسات بلغة الجسد"، و"على وتر الغياب"، و"صهوة الريح وهبوب العاصفة"، و"أنقشك وشماً"، وقد تنوعت ما بين شعر التفعيلة وشعر النثر والتقليدي، وحتى اللحظة أحبها على قلبي الأخير "أنقشك وشماً"؛ لأنه حمل تطوراً لافتاً في الفكر والكتابة».

الشعر والموسيقا صنوان لا يفترقان عنده، وعنهما قال: «يشدني الشعر بحالته التفعيلية التي ترافقها الموسيقا، لأنني أظن أن الشاعر بلا موسيقا لا يتميز بما يقدم، علماً أنه كانت لي محاولات موسيقية سابقاً، وهي مستمرة في الجلسات الخاصة بالعزف على العود، وقد قدمت أمسيات شعرية بمرافقة عزف موسيقي على آلات وترية، مثّلت حالة تكاملية في الثقافة والفن، مع لغة إلقاء خاصة».

همسات بلغة الجسد

وعن المفردات الشعرية، قال: «هي تعبير عن ثقافة الشاعر، ومدى مخزونه الثقافي وتجربته الحياتية التخصصية، فمن لا يمتلكها لا يمكن أن يقدم أدباً غنياً يشبع رغباته والمتلقي، ويكون هذا الأدب والشعر منتمياً إلى البيئة التي تشبع منها، فما أقدمه تلقائياً يكون هادفاً وهدفه الأساسي هو الآخر، وهذا كان كفيلاً لتطور الأدوات، من خلال متابعة كل ما ينتج في مجال الشعر والأدب والفكر، ضمن محاولة لتطوير المخزون الثقافي باستمرار ومواكبة المراحل التراكمية للثقافة».

بعد مرحلة التقاعد كان التفرغ لممارسة النشاطات الإنسانية والثقافية، وهذا انعكس بحسب رأيه إيجاباً على الإنتاج الأدبي وغزارته، فأطلق مع مجموعة من الأصدقاء "مهرجان الخوابي للثقافة والفنون"، وتابع كرئيس اللجنة المؤسسة: «هي تجربة ثقافية متنوعة وغنية، تهدف إلى غرس ثقافة حضارية جديدة بعيدة عن كل الثقافات الدخيلة التي تعود بالمجتمع إلى الوراء».

الشاعر علي هاشم الجندي

وفي لقاء مع الموسيقي "رازبا ناناس"، قال وقد رافق الشاعر "علي" بالعزف على آلة البزق: «امتلك الشخصية الأدبية المميزة كحضور وممارسة وأداء، وهي ميزات إن وجدت مجتمعة في شخصية أدبية، ستكون من وجهة نظري حالة خاصة، وبهذا أصل إلى حالة مهمة في التوصيف، وهي أنه كاتب وشاعر بالفطرة، وليس صناعة، وقد أدركت هذا كله من خلال الأمسيات الشعرية التي رافقته فيها كعازف موسيقي على البزق».

الشاعرة والمهندسة "ليندا إبراهيم" مديرة المركز الثقافي في "الشيخ بدر"، قالت: «إنه شخصية أدبية جمعت بين الفكر والشاعرية، فأنتجت حالة أدبية خاصة ترفع لها القبعة. والملاحظ في أمسياته الشعرية حالة الانسجام التي يخلقها مع الجمهور المتابع، وهو ما يكسبه الحب والاحترام الدائم من قبل الناس. لقد نذر حياته للشعر والكتابة الفكرية التثقيفية، فأنتج إبداعاً غزيراً».

ومن أشعاره نقتطف هذه القصيدة:

"هاتها... من الآخر

كل آت من الرياض ذليل أنت راض ولن يضيرك.. ذيل

قد تعودت الخنا والركوع مهان ٌ وهنا يسقط القناع ثقيل

من يهن يسهل الهوان عليه أي قول على السقوط قليل

يا لعهر التاريخ موجع أن ترى العبد في الفضاء يصول

أن ترى الحر والحصار عليه يجمع الخانعون أنك غول

يا خطير السلوك كيف تجرأت على البغي سيفك المسلول

هم طغاة وشعبنا يتلظى ودماء الشعوب هدرا تسيل

ساعة القهر فارس يتغاوى ومع الغزو أرنب مذهول

ساعة الكشف حانت فويل آن يوم الحساب آن الوصول

أيها الجائعون هبوا فوالله ثورة الجوع سوف تجتاحهم وتطول

بالنضال الصلب يبنى انتصار دمهم فاسد النوى مجبول

هو درب الأحرار هبوا جميعاً فلنقاوم والاحتلال يزول"

يشار إلى أن الشاعر "علي هاشم الجندي" من مواليد قرية "بحوي" في ناحية "نهر الخوابي" عام 1947، وهو متزوج، ولديه أربعة أبناء.