"فهيمة يوسف" امرأة ريفية بسيطة من قرية "عين حفاض"، لم تدخل المدرسة إلا زيارة، لكنها تمتلك موهبة شعرية قلَّ مثيلها، كانت السبب في انعتاقها من سجن الاعتياد.

أثناء زيارة مدونة وطن "eSyria" إلى القرية؛ بتاريخ 10 أيلول 2014، كان لنا لقاء معها؛ حدثتنا فيه عن تجربتها الشعرية قائلة: «في البداية كنت أجهل القراءة والكتابة، فلم أدخل يوماً إلى المدرسة كسائر نساء قريتي، إلى أن تزوجت؛ فتعلمت مع أولادي من خلال مشاركتهم في دراستهم، حيث كنت أوهمهم أنني أعرف القراءة؛ ولكنني في الحقيقة كنت أتعلم معهم؛ ولم يكتشفوا ذلك إلا مؤخراً إلى أن حصلت على الشهادة الابتدائية، وهنا يمكنني القول إنها كانت الخطوة الأولى التي أوصلتني إلى تحقيق ما كنت أصبو إليه، فكان يتملكني طموح كبير، يولد في داخلي شيئاً ينتظر اللحظة المناسبة للظهور، فكنت أكتب أحياناً بعض الأبيات الشعرية، لكنني لم أكن أجرؤ على عرضها على الملأ خوفاً من سخرية بعضهم، إلى أن جاءت مأساة المهجرين الفلسطينيين إلى "مرج الزهور" جنوب لبنان، حينها انتابني إحساس عارم بمعاناتهم، فكتبت بعض أبياتٍ شكَّلت قصيدة بعنوان "نداء إلى حكام العالم"، شرحت فيها معاناتهم والظروف الصعبة التي يمرون بها، وكان ذلك أول أيام شهر رمضان.

أنا أحب شعر "نزار قباني" كثيراً، وكذلك الشاعر "عمر الفرا"؛ فهو شاعرٌ عظيم، أعجبت بطريقته في الكتابة، والتقينا في أكثر من مهرجان شعري، وتحولت العلاقة بيننا إلى صداقة

وهنا أستذكر بعض ما جاء فيها:

الشاعر عمر الفرا

"عرضوا عا الشاشة أفلام...... تحكي الشر وأسرارو

وطلبو من كل الإعلام...... يكتب؛ ينشر أخطارو

إحدى شهادات التكريم

يكتب عن طفل المقهور...... يلي لترابو مندور

بلكي اللي سكنوا القصور...... يحسوا بثورة إعصارو

أطفال العالم كلا...... بين رفاقا تتسلا

أما اللي صام وصلا...... مات بساعة إفطارو".

وعندما عرضتها على أحد شعراء المنطقة المعروفين؛ أثنى عليَّ وقال إن ما كتبته في هذه القصيدة يعجز عنه أغلب الشعراء، فكانت تلك شرارة البدء، فتوالت القصائد التي أذكر لكم عناوين بعضها: "رسالة لم تصل أبداً، سحابة صيف، الأمل، الضيعة المنسية، بذور الحب"، وغيرها الكثير، ولدي ديوان مطبوع بعنوان "ندى القلوب"؛ صادر عن دار "قرطاج" للطباعة والنشر، تنوعت قصائده بين المحكي والفصيح».

وعن الشعراء الذين تأثرت بهم خلال مسيرتها الشعرية؛ أضافت قائلة: «أنا أحب شعر "نزار قباني" كثيراً، وكذلك الشاعر "عمر الفرا"؛ فهو شاعرٌ عظيم، أعجبت بطريقته في الكتابة، والتقينا في أكثر من مهرجان شعري، وتحولت العلاقة بيننا إلى صداقة».

أما عن مشاركتها؛ فتقول "يوسف": «شاركت في العديد من المهرجانات الشعرية التي أقيمت داخل القطر، وكرمت خلالها أكثر من مرة من قبل وزارة التربية ووزارة الثقافة، كذلك كان لي شرف التكريم في عيد الأم من قبل السيدة الأولى، كما قمت بتمثيل "سورية" في مهرجان "الخالدية" الذي أقيم في الأردن، وحصلت على درع المهرجان، ولي مشاركات كثيرة في معظم المناسبات على مستوى المنطقة».

ولمعرفة المزيد عن تجربتها الشعرية، التقينا الشاعر الكبير "عمر الفرا"؛ الذي قال: «"فهيمة يوسف" شاعرة استطاعت أن تحجز مكاناً لها بين الشعراء الكبار، فقد تركت بصمة في مجال الشعر من خلال قصائدها التي يمكن وصفها بالسهل غير المقيد، الذي يتمتع بألفاظ معبرة وسهلة تكاد تكون في متناول الجميع، أخذت أفكار شعرها من الواقع؛ فمواضيع قصائدها قريبة من كل الناس؛ تمس واقعهم وحياتهم، وتعيد رسم ما يمر في حياتهم اليومية، ببضع كلمات تنظمها ضمن قصيدة مكتوبة بلغة سهلة واضحة، وهي تكتب القصائد الفصيحة والمحكية على حد سواء، وقد التقيتها في أكثر من مناسبة، وأحيينا معاً بعض الأمسيات الشعرية، وأنا من المعجبين بشعرها».

كما التقينا الأستاذ "نديم منصور"؛ وهو أستاذ في اللغة العربية، وله اهتمامات في مجال الشعر، ولدى سؤاله عن رأيه فيما تكتبه "يوسف" قال: «هي شاعرة تمتلك موهبة تميزها عن غيرها من الشعراء، فالشعر عندها وليد اللحظة، وهي قادرة على نظم قصيدة خلال فترة وجيزة؛ وتقوم بكتابة أغلب قصائدها باللغة المحكية القريبة من الناس؛ كما أنها قادرة على نظم الشعر النمطي الفصيح والزجل، وتتميز قصائدها بسهولة الألفاظ لأنها تستقيها من مفردات الحياة اليومية المتداولة بين الناس؛ فتراها تأخذ من حياتهم ومعاناتهم عناوين قصائدها، وهي استطاعت أن تثبت نفسها كشاعرة من خلال تفردها باللون الذي تكتبه».

يذكر أن الشاعرة "فهيمة" من مواليد عام 1955، وهي أم لخمسة أولاد، وتعمل في مجال الخياطة، هذا العمل الذي كان له -حسب قولها- الفضل الكبير في إعانتها على تربية أولادها، وهي إنسانة متواضعة ومحبوبة من أهل قريتها، تشاركهم مناسباتهم في الأفراح والأتراح، كما تشارك في الفعاليات التي تجري في المراكز الثقافية، وهي عضو في جمعية "شعراء الزجل في سورية" التي يرأسها الشاعر "فؤاد حيدر".