أنجز إلى اليوم عشرات الترجمات من الروسية إلى العربية في قضايا كثيرة، كما كتب الرواية والشعر والنقد، واشتغل في الإعلام محاضراً وباحثاً في عدة جامعات عربية وعالمية.

وعبر مسيرة فكرية قاربت نصف قرن، قدم الدكتور "نوفل نيوف" ابن قرية "برمايا" التابعة لمدينة "بانياس" الساحلية، والمولود عام 1948، ما يقارب ثلاثين كتاباً بين ترجمة وتأليف ومراجعة، فضلاً عن عدة كتب قيد النشر، مستنداً إلى معرفة ثرية بالثقافة التي يترجم عنها، معتبراً أن هذا الشرط، شرطٌ أساسي لمن يريد الاقتراب من مهنة اللوم هذه، على حد قول "العماد الأصفهاني".

الترجمة بين أي لغتين (بصرف النظر عن العائلة اللغوية) تتطلب قبل كل شيء، كأساس لا مفر منه، معرفة ممتازة باللغتين وبالثقافتين. من لا يعرف الثقافة التي ينقل منها قد يقع في مطبات كبيرة، والأمثلة أكثر من أن تحصى، أما عندما تشير إليها عند من أخطأ فإنك تغدو عدوّه الذي لا غفران له، بعد ذلك تأتي القدرة على الأداء والحساسية الأدبية، خاصة في ترجمة الأدب

يقول المترجم والمؤلف "نيوف" في حديث مع مدونة وطن “eSyria” بتاريخ 30 أيار 2014: «الترجمة بين أي لغتين (بصرف النظر عن العائلة اللغوية) تتطلب قبل كل شيء، كأساس لا مفر منه، معرفة ممتازة باللغتين وبالثقافتين. من لا يعرف الثقافة التي ينقل منها قد يقع في مطبات كبيرة، والأمثلة أكثر من أن تحصى، أما عندما تشير إليها عند من أخطأ فإنك تغدو عدوّه الذي لا غفران له، بعد ذلك تأتي القدرة على الأداء والحساسية الأدبية، خاصة في ترجمة الأدب».

غلاف كتابه رحلة ابن جبير

ولكن هذا الشرط قد يخرج عن الوحدانية في حالات أخرى، كحالة الراحل "د. سامي الدروبي" في ترجماته لمن يعتبره مترجمنا أحد أهم الأدباء بعد "هومبروس، وسرفانتس، وشكسبير"، وهو "دستويفيسكي"، ويبرر ذلك بقوله: «إن المرحوم "الدروبي" كان قبل كل شيء مثقفاً بالمعنى الكبير والنبيل للكلمة، واختياره ترجمة الأدب الروسي ومن الفرنسية التي أتقنها له دلالات عظيمة، فهو لم يترجم من الفرنسية الأدب، بل الفكر والفلسفة، بهذا التفاني كان يدرك بمعرفته الواسعة المحيطة قيمة الأدب الروسي في القرن التاسع عشر، كما يليق بمثله أن يعرف، وهو أول من ترجم أعمالاً كاملة إلى العربية لأديب أجنبي، كما ترجم أيضاً لكل من "ليرمونتوف، وكورولينكو، وبوشكين"، وروايتين باهرتين للكاتب الصربي البوسني "إيفو أندرِتش" (الحائز على جائزة نوبل 1961)، وقسماً مهماً من أعمال "تولستوي الكبير"، ثم توفي قبل إنجاز أعمال "تولستوي" الكاملة فقام بهذه المهمة من بعده المرحوم "صيّاح الجهيّم" (السوري أيضاً)».

ترجع العلاقة التي ربطت بين الشعبين "الروسي" و"العربي" إلى منتصف القرن الثامن عشر، كما يقول المترجم، إلى حين ظهور الروس على مسرح الشرق تبعاً للصراع بينهم وبين العثمانيين: «ثم حصلت قطيعة بعد انتصار الثورة البلشفية عام 1917 لخوف "الغرب من أن يحرر الشرق رقبته من أطماع الاستعمار، فارتسمت صورة سلبية لروسيا التاريخية في منطقتنا، مع أن تأثير الثقافة الروسية في الطليعة المثقفة، كان في "سورية ومصر" في النصف الأول من القرن العشرين أكبر وأسطع مما يتصور كثيرون اليوم (دعنا نتذكر "عصفور من الشرق" لتوفيق الحكيم، وما صرح به مثقفو "مصر" في تلك المرحلة)، هذه النظرة إلى "روسيا" وثقافتها إيجابية إلى درجة كبيرة، ولكنها تزداد حدة وبروزاً مع ارتفاع وتيرة الصراع على المنطقة، ولا سيما في سياق الهجمة الدموية المستندة (شكلًا أو مضموناً) إلى "الإسلام المتطرف" اليوم».

غلاف ركتاب قلب كلب لبولغاكوف

تعود أوائل الترجمات عن الروسية إلى مطلع القرن العشرين، ويقسمها المترجم "نيوف" إلى أربع مراحل، حين ظهرت محاولات فردية عبر لغات وسيطة، أو ثالثة، في "القاهرة وبيروت" خاصة، أما ترجمات الأدب الروسي (وخاصة من الفرنسية) فقد بدأت بشكل منظم في "دار اليقظة" في "دمشق" في الخمسينيات، إنما -على أهمية المبادرة نفسها- كانت بمجملها رديئة للغاية، ولا سيما ترجمات الأخوين "أيوب" وما شابهها لأدب "مكسيم غوركي"، ولأدب "نيقولاي غوغول" العظيم الشديد الصعوبة، لغة وعالماً وتفاصيلاً.

تمثلت المرحلة الثالثة، كما يقول المترجم، بجهود "دار التقدم" السوفيتية التي جمعت خليطاً كبيراً من الدارسين في "موسكو" آنذاك، فبرز بينهم عدد غير قليل من خيرة المترجمين وعلى رأسهم بلا منازع: "د. أبو بكر يوسف"، و"خيري الضامن"، كذلك "د. جلال الماشطة" الذي انصرف إلى السياسة باكراً، والكاتب السوري الفنان المرحوم "مواهب كيالي" (شقيق حسيب كيالي) في ترجماته لبعض أعمال تورغينيف. أما المرحلة الأخيرة فتتمثل في ترجمات من "الروسية" مباشرة في عواصم عربية كثيرة: "دمشق" (يوسف حلاق، نموذجاً)، و"بغداد" (الشاعر حسيب الشيخ جعفر، نموذجاً)، و"بيروت والقاهرة".

ترجمة كتاب الوعي والفن

وما يحكم اختيار الكتاب المترجَم يعود إلى "ذائقته الشخصية"، يقول: «حبي لأي كتاب بالروسية أشعر بقيمته، يدفعني إلى ترجمته إلى العربية، من منطلق مشاركة الآخرين المتعة والفائدة، وفي مجال الترجمة، كثيراً ما يجد المثقف العربي نفسه محكوماً بالعامل المادي بالدرجة الأولى، غير أنني لم أترجم كتاباً بدافع هذا الأمر وحده، أي لم أضع الجانب المادي معياراً للاختيار، دائماً كان اختياري نابعاً، أولاً، من يقيني بقيمة الكتاب أو النص الذي أترجمه. ولحسن الحظ، يبدو لي أنني لم أختر كتباً سيئة للترجمة، أرجو أن يكون الأمر كذلك في نظر الآخرين. أمّا المتصيدون في ماء عكر لا يستطيعون العيش إلا فيه، فأضعهم خارج الحساب دائماً ومن غير ما أسف».

من الترجمات الكثيرة التي قدمها إلى العربية، عدة كتب تتناول الفن والنظرية والنقد الأدبي، منها كتابه "الوعي والفن"، "نظرية الرومنسية في الغرب" - ترجمةً، و"آفاق الرواية، حدود القصة (دراسات نقدية)" تأليفاً، وعن كتابه الأخير هذا يقول: "إن مواده كانت أشبه بمختَبَر نقدي تحليلي لمشكلات شائكة جداً في مجتمعاتنا العربية منظوراً إليها من زاوية الأدب - الفن"، يضيف: «تناولت فيه أعمالاً ثلاثة للأديب المتميز "يوسف إدريس" ناظراً إليها كعمل واحد: ثلاثية، لم توضع هذه الأعمال تحت المجهر النقدي من هذه الزاوية من قبل، كذلك مواضيع السياسة والجنس والسجن، قادتني إلى بؤر مهمة وعميقة تتجلى فيها على نحوٍ جدير بالتمعن في أعمال عربية عدة. المقارنة بين "عصفور من الشرق" لتوفيق الحكيم و"قلب كلب" لميخائيل بولغاكوف، كانت قنديل هداية إلى نقاط تهمني إلى حد الإقلاق. كان أحد أهدافي الكثيرة أن أبين عملياً، عبر نماذج ملموسة محددة، الفرق بين الحكاية (المؤلمة أو الطريفة أو الذكية) كواقعة أو حادثة، والقصة، كخيال وإبداع، كفنّ».

إلى جانب الترجمة، عمل في التدريس والإعلام والتحرير الصحفي في كثير من المؤسسات السورية والعربية والعالمية، منها تجربته في مجلة "جسور" السورية المختصة ببحوث الترجمة، ومحاضراً في جامعات "دمشق" و"ليبيا" و"الجزائر" و"روسيا"، ومراسلاً من "موسكو" لعدة تلفزات عربية وإذاعات عربية وأجنبية، وفي هذا التنوع اكتسب الخبرة التي يقول فيها: «كانت الطرق مختلفة إلى حد كبير، صحيح أن تجربتي في الإعلام أبعدتني كثيراً عن اهتماماتي الحقيقية (الأدب)، ولكنها أغنتني. أمّا مشكلات العمل في مجال الإعلام فكبيرة ومتعددة، كما في كثير من مجالات الحياة، لمن يريد أن يكون له موقف ورأي وقدْر من حرية التفكير. كل المشكلات قابلة للحل إلى هذه الدرجة أو تلك، باستثناء "العلق" والتفاهات التي تصادفها في مجال العمل ممن لا صلة لهم بمعايير المعرفة والخبرة والأخلاق».

كتب رواية واحدة (أناجيل الخراب)، وديوان شعر واحد (مسودات القلب)، من ترجماته المعروفة ترجمته لروايتي "قلب كلب"، و"الرايات البيضاء" لنودار دومبادزة، وكتاب "رحلات روسية إلى سورية في القرن التاسع عشر"، وكتاب "لغز عمره ثلاثة آلاف عام -عن تاريخ اليهود"، وغيرها الكثير، يحمل دكتوراه في نظرية الأدب من جامعة "موسكو"، يقيم حالياً في "كندا"، يعمل على إنجاز عدد من الكتب تأليفاً وترجمة، يتعلم الفرنسية، إلى جانب إتقانه الروسية وإلمامه بالإنكليزية.