ما بين اللغة والفكرة والسعي الدائم لتقديم لغة قصصية خاصة، قدم القاص "نصر محسن" أفكاره الأدبية بلغة رمزية نقل من خلالها المتلقي إلى عالمه الخاص.
مدونة وطن "eSyria" التقت بتاريخ 1حزيران 2014 الأديب القاص "نصر محسن"، وأجرت معه الحوار التالي:
الأديب القاص "نصر محسن" قلمٌ متدفق وفكرٌ متألق يتعانق فيه إحساس الروحِ وجمالية التعبير وواقعية الرؤية والصورة، فيأخذك إلى عالم مترف بالآمال والآلام والإشراق المعبر عن موضوعيةٍ تكاد تجعلك أنت الموضوع المعاش في عالم المصادفة، إنه الإنسان المتجلي في رؤية روحٍ وزفرة قلم تصوغ منهما عالماً جديداً من الرؤى يتطلع إليها الكاتب بشوق ونهم عله يجد علاجاً للمواجع ووصفة سحرية تعيد الأشياء إلى جوهر جمالها الوجودي الذي يحلق الكاتب في أبعاده الكلية راغباً في الوصول إلى الغاية الوجود وفهم العلاقة بين أركانه المادية والمعنوية، إنه الأديب القاص "نصر محسن" المشروع المتقدم في القراءة والفهم والتعبير عن هذه الحقائق والعلاقات الأزلية الأبدية بين المقدمات والنتائج
** البدايات تعيدني عشرين عاماً أو أكثر إلى الوراء حيث كنت أتابع بشغف كل ما ينشر وما يكتب من قراءات ونقد للقصة القصيرة، كنت قارئاً نهماً، وباحثاً مشاكساً عن كل ما يتعلق بهذا الفن الذي أعشقه، ولولا تلك المتابعة ما كنت وصلت إلى ما أنا عليه بكل تواضع.
** عن الواقعية والإبداع والعلاقة بينهما أجد نفسي مرغماً على رفض واقع يحيط بي، هذا الرفض متولّد عن قراءة معمّقة لمفرداته كلها، قراءة تعتمد على السبر والكشف والتعرية، ليأتي الاعتراض ومن ثم الرفض، ومحاولة الانتقال إلى واقع متخيل أراه بديلاً للواقع القائم، واقع متخيّل أشكّله حسب رؤيتي اللا واقعية، وكل أملي هو أن أستطيع نقل المتلقي إلى عالمي الجديد.
وقصة "الأحفاد" هي واحدة من مجموعة قصص منشورة ضمن منشورات "وزارة الثقافة" تحمل الاسم ذاته، وهي أنموذج للاعتراض والرفض لما يحيط بنا من ظلم وعسف، فجاءت القصة فانتازية بامتياز عبر تشويه الواقع والتحريض على رفضه، اعتراض وتحريض غير مباشر من خلال تضخيم ومبالغة في الأحداث ربما كان هذا التناول غريباً على ذائقة المتلقي، وهذا في حد ذاته يمنح القصة قيمة مضافة تعمل على زيادة جرعة التحريض لديه.
** أنا أطالب دائماً باستخدام لغة قصصية بعيدة عن التنميق وعن الشعرية، مع تحفظي الشديد على لغة القصة بشكل عام، فاللغة في الكتابة السردية هي حامل والفكرة محمول، وذلك بعكس الشعر الذي يعتمد على تجميل اللغة وتهذيبها وتثقيفها، فاللغة القصصية لديها وظيفة حمل الفكرة، حيث تناسبها من حيث مستوى القوة والحساسية والأهمية.
** هو أمر أوافقك عليه تماماً، وهنا تدخل الحكايات الشعبية "الموروث الحكائي الشفهي" الذي يمكن الاتكّاء عليه لإنتاج نص قصصي تخيلي، والأسطورة جزء رئيس من هذا الموروث الحكائي.
** أنا ابن الريف وتلك الجغرافية البديعة من جبال ووديان وحراج، هي من قامت بتشكيل ذاكرتي الأولى، ومن الطبيعي أن تنعكس في أعمالي كلها، قبل أن تحلّ جغرافية أخرى محلها، جغرافية ضيقة وأماكن منغلقة على ذاتها تغريني بدخولها وتساعد في شحن الذهن بمزيد من الاعتراض والرفض، وربما أعتمد على هذه الأماكن المغلقة في معظم قصصي، حين رأيتها مؤسسة ومساعدة لمعالجة موضوعة الظلم الإنساني بشكل عام.
** التطور لا بد أن ينعكس على مجالات الحياة كافة، والأدب جانب أساسي من جوانب الحياة الثقافية، ومن الطبيعي أن يواكب الأدب ذلك التطور، وحين نتحدّث عن التطور نقصد التغيير والحركة، فليس من الضروري أن يكون التطور إيجابياً، فعلى لسان أحد المفكرين حيث يقول: "إن الحضارة الحديثة التي أنتجت أحدث التكنولوجيا فهي للأسف أنجبت أسوأ الناس"، فالتطور التكنولوجي أفاد الحياة بكل جوانبها، لكن الناس السيئين حرفوا منتجات العلم إلى وجهة غير الوجهة التي جاء لأجلها، وهذا أساء إلى الحالة الثقافية والأدبية بشكل خاص، وخير مثال هو ما نراه في مجال الإعلام حين يعمل على التسويق لأسماء كتاب من أنصاف المواهب والتعتيم على أسماء غاية في الأهمية، وهذا في النتيجة تراجع على المستوى الثقافي والإنساني.
** بالنسبة للترميز فأنت تعلم ولا شك في ذلك أن الترميز وجد للهروب من ملاحقة الرقيب للنص ومساءلة الكاتب، هكذا كان منذ نشأة الرمزية لكنها مع مرور الزمن اكتسبت جماليات خاصة أهّلتها لتكون مدرسة في حدّ ذاتها، والترميز يخلق لدى الكاتب المتمرس مناخاً خصباً لتقنيات متجددة في الكتابة السردية؛ لما له من مقدرة عالية المستوى على الإكثار من دلالات الرمز، كما يخلق لدى المتلقي تحفيزاً مهماً أيضاً على إعادة إنتاج النص حسب رؤيته، وهذا يعطي النص قيمة مضافة.
** قضية المشاعر تأتي في النص بلا إرادة الكاتب، وهنا تعيدني إلى مناخات خاصة في إنتاج النص الأوّلي، حيث يختلي المبدع في مخبره الإبداعي، يكون منعزلاً عن محيطه انعزالاً مطلقاً يتفرغ لأدواته الإبداعية، يستحضر عوالمه الخاصة ومفرداته الخاصة أيضاً ليقوم بإنشاء عالمه المتخيَّل وترجمة هذا العالم المتولّد في الذهن ونقله إلى الورق، وهنا لا يمكن للكاتب أن ينعزل عن همومه التي ألزمته بهذه العزلة، فلولا الهموم لما رأينا نصاً جيداً، ومهما حاول الكاتب أن يكون حيادياً فهو لا ولن يستطيع لأنه ابن بيئته وجزء من مجموع محكوم بقوانينه العاطفية والأخلاقية، لذلك تنعكس المشاعر بأن تنتقل من القلب إلى الورق.
** العنوان هو العتبة الأولى للنص، وفي رأيي هو يعادل النص كاملاً في مقدرته الإيحائية وسطوته على القارئ منذ اللحظة الأولى، وكم من القصص لا نذكر سوى عناوينها! وكم من القصص أيضاً نذكر أحداثها وننسى العناوين! وهنا نجد هوّة لم يستطع كاتب النص أن يملأها، فتكون ثغرة واضحة وعيباً نافراً في النص، لذلك كان ضرورياً انتقاء العناوين المناسبة.
** نشرت مجموعة قصصية مؤخراً بعنوان "سلوكيات مرتقبة لرجل مائل"، ولديّ رواية قيد الطبع بعنوان "الخروج إلى النهار".
** المسابقات هي جزء أساسي ومهم في تفعيل الحراك الثقافي، وهي ضرورية للمبدع ليعرف مكانه بين زملائه المبدعين، وهنا لا بد من التأكيد على خبرة ونزاهة لجان التحكيم، والفوز بالجوائز يحفّز الكاتب على تقديم الأفضل، ويلقي على عاتقه مهام ومسؤوليات أخرى، إضافة إلى القيمة المالية للجائزة، فالكاتب في مجتمعاتنا ينتمي بشكل عام إلى الطبقة الفقيرة، ويرى في مبلغ الجائزة مهما كان بسيطاً مساهمة في مساعدته على العيش بأدنى مستويات العيش الإنساني.
وفي لقاء مع الأديب "محمد حمدان" رئيس "اتحاد الكتاب العرب" فرع "طرطوس"، تحدث عن القاص "نصر محسن" قال: «الأديب القاص "نصر محسن" قلمٌ متدفق وفكرٌ متألق يتعانق فيه إحساس الروحِ وجمالية التعبير وواقعية الرؤية والصورة، فيأخذك إلى عالم مترف بالآمال والآلام والإشراق المعبر عن موضوعيةٍ تكاد تجعلك أنت الموضوع المعاش في عالم المصادفة، إنه الإنسان المتجلي في رؤية روحٍ وزفرة قلم تصوغ منهما عالماً جديداً من الرؤى يتطلع إليها الكاتب بشوق ونهم عله يجد علاجاً للمواجع ووصفة سحرية تعيد الأشياء إلى جوهر جمالها الوجودي الذي يحلق الكاتب في أبعاده الكلية راغباً في الوصول إلى الغاية الوجود وفهم العلاقة بين أركانه المادية والمعنوية، إنه الأديب القاص "نصر محسن" المشروع المتقدم في القراءة والفهم والتعبير عن هذه الحقائق والعلاقات الأزلية الأبدية بين المقدمات والنتائج».
يشار إلى أن القاص "نصر محسن" من مواليد مدينة "الشيخ بدر"، عام 1960.