تعد التجربة الشعرية للأديب "غسان ونوس"، تجربة تحمل الكثير من حالات الشعور الجمعي، والكثير من حالات القلق والتشظي الإبداعي، فهي تجربة على طريق الحداثة الشعرية.

مدونة وطن "eSyria" التقت بتاريخ 19 شباط 2014 عدداً من الأدباء والشعراء والباحثين، للحديث عن التجربة الشعرية للأديب "غسان كامل ونوس"، والبداية مع الشاعر "محمد محمود عمران" الذي قال: «في البداية الأديب "غسان ونوس" إنسان رقيق متأمل عميق، وذو أخلاق عالية جداً، وبما أن الشاعر مرآة لكل ما يمر به هذا الإنسان، كذلك كان الأديب "غسان"، وكانت انعكاسات الحياة في شعره، وبدت جلية لمن يتابعه، فهو شاعر على طريق الحداثة الشعرية المكللة بالغموض، الذي دعا إليه "أدونيس"، ولكنني لا أرى الغموض أن تقف أمام العمل الشعري كالأصم الأبكم والأعمى، وإنما الغموض هنا أن تعي وتفهم بأعلى مستويات الفهم، وهذا رأيي، وهنا نقصد الفهم غير التقليدي، والفهم لما يمكن أن ينقلك إليه هذا الشعر من معانٍ متعددة لما ينشره عليك هذا الشعر من ظلال وارفة متعددة، حيث يكون الفهم متجدداً باستمرار، وهذا الكلام أنا أراه في تجربة الشاعر "غسان"».

الأديب "غسان" يشتغل على مشاغل الحياة ومشاهدها وأطيافها وألوانها عبر نوع كتابي وهو بين القصيدة الإيقاعية والومض النثري الفلسفي والرمزي، فيقول مثلاً: أيها المسرع تمهل عند أول محطة، أيها المتمهل توقف قرب أيكه (مجموعة أشجار أونباتات زهرية كثيفة ملتفة) أو زهرة، أيها المتوقف ليس هنا من ينتظر من يتلهف، أمضي أسرع أيها المسرع، ليس هنا من ينتظر من يضحك ربما، فربما كان في مكان آخر

ويتابع الشاعر "محمد عمران" بتوضيح خصوصية التجربة الشعرية للأديب "غسان ونوس" ومدى تأثرها بالبيئة الطرطوسية، فيقول: «إن خصوصية تجربته الشعرية تنبع من مشاعره المرهفة، وخلقه الكريم، وهذا انعكس بشكل ظاهر في استخدامه للألفاظ والمفردات، وطريقة سبكها بتعابير، عما يراه في الواقع. ومما لا شك فيه أن تنوع الطبيعة والبيئة في "طرطوس" انعكس انعكاساً واضحاً في شعره، من خلال استخدامه اللفظة والصورة، وتناوله لقضايا المجتمع الطرطوسي الذي هو جزء من المجتمع السوري بالعموم، وهو يتحدث في حالة إنسانية ينضوي تحتها المجتمع عامة، فعندما تناول مثلاً اللون الأسود والمعاناة والحزن، فهو يعني به الشعور الجمعي، لذلك قدمه بطريقة رمزية واضحة وجميلة».

الأستاذ "محمد عمران"

أما الشاعر والصحفي "محمد حسين" فتحدث بانطباعه نقدياً وأدبياً، عن التجربة الشعرية وخصوصيتها عند الأديب "غسان ونوس" قائلاً: «إن التجربة الشعرية عند الأديب "غسان ونوس" لا تشكل منه شاعراً، لأنه في حالة تشظٍّ إبداعية، فيمكن أن أراه أنا شاعراً ويراه سواي قاصاً ويراه آخرون روائياً، وباعتقادي كان أكثر براعة في القصة القصيرة، لكن قلق الشعر وعناصر الشعر فيما قرأت له أو ما سمعته منه، أعتقد أنه اكتملت أدواته الشعرية، ولكن علينا أن ننتظر قليلاً لنرى اكتمال الشاعر "غسان ونوس". وهنا يجب التطرق إلى أن غياب البيئة المحلية وفق الشعور الجمعي بها، يعود إلى أن جميع الشعراء ينهلون من ذات المنبع وذات المنجم اللغوي، فأعتقد أننا عندما نقرأ قصيدة لشخص ما، فهي تحتاج إلى إضاءة نقدية كبيرة واسعة، لأننا لا نرى الخصوصية المحلية منذ قصيدة التفعيلة إلى ما بعد قصيدة النثر، وأعتقد أن الخاصية المحلية تغيب لمصلحة القلق المعرفي العام الذي يجد المبدع فيه نفسه، لكننا نجد بعض النثرات الصغيرة تتوزع في كافة كتب الأديب "غسان ونوس"، خاصة التي تمس "البيئة الساحلية" العامة، دون الغوص في البيئة المحلية الشخصانية، وهنا لا يمكننا الحديث عن قصيدة طرطوسية، ولا عن قصيدة سورية، بل يمكننا الحديث عن قصيدة عربية، وهنا المطب في غياب الخصوصية المحلية لمصلحة الخصوصية الجمعية، وهذا عيب من عيوب الإبداع، فأرجو أن يسلط الضوء عليه لمعرفة أين كان مفيداً، وأين لم يكن كذلك».

وفي لقاء مع الكاتب والباحث "يوسف مصطفى"، تحدث عن التجربة الشعرية للأديب "غسان كامل ونوس"، فقال: «إن العمل الشعري عند الأديب "غسان ونوس"، الذي أسميه شخصياً بقصيدة التشكيلة، وخير مثال عليها مجموعته التي تحمل عنوان "قريب من القلب"، هو قصيدة التشكيلة والتأمل الفلسفي، وهو قصيدة تشتغل على نوع من النهوض الفلسفي التأملي بلغة السؤال والعارف، فرغم تنقله الكثير بين العمل والإقامة ومسقط الرأس والاستقرار السكني، أقول هو مفترق منفتح على كل الجهات، فكان إحساسه بالمكان، ومن ثم جهات المكان، وأناس المكان، وأكثر أناس المكان إحساساً المبصر المتأمل للحالات وسكانها وهمومهم وحراكهم اليومي. إذاً هو يكتب بأكثر مما يتحدث، ويبوع بأكثر ما يظهر من حديث، ففي كل ما كتب كان المشهد اليومي وحراكه الاجتماعي وتمظهراته المختلفة، حاضرة في بصره وفكره، وكان توصيفه بلغة الرصد والوصف والسخرية والعتب الرقيق، والسؤال الذي يوحي بالجواب، وحملت كتابات جرأة الحديث عن الكثير من المخفي والسلوكي والإشارة إليه».

الصحفي والشاعر "محمد حسين"

ويتابع: «الأديب "غسان" يشتغل على مشاغل الحياة ومشاهدها وأطيافها وألوانها عبر نوع كتابي وهو بين القصيدة الإيقاعية والومض النثري الفلسفي والرمزي، فيقول مثلاً: أيها المسرع تمهل عند أول محطة، أيها المتمهل توقف قرب أيكه (مجموعة أشجار أونباتات زهرية كثيفة ملتفة) أو زهرة، أيها المتوقف ليس هنا من ينتظر من يتلهف، أمضي أسرع أيها المسرع، ليس هنا من ينتظر من يضحك ربما، فربما كان في مكان آخر».

يشار إلى أن الأديب المهندس وعضو اتحاد الكتاب العرب "غسان كامل ونوس" من مواليد عام 1958 مدينة "صافيتا"، وله العديد من المجموعات والكتابات الشعرية، منها "تضاريس على أفق شاحب"، و"موال الأرق"، و"قريباً من القلب"، و"حالات"، غيرها الكثير.

الكاتب والباحث "يوسف مصطفى"