تكتب قصائدها وهي تمتزج بإله أنثوي يختزن في داخله حباً شديداً للملاجة المنشأ والهوى، كلماتها أشبه بعرس قروي يحمل البهجة والفرح، ويخبئ الحزن بين حروفه، إنها "رشا عمران" الشاعرة السورية التي تهوى قصيدة النثر.

موقع "eSyria" بتاريخ 6/8/2010 وضمن فعاليات مهرجان "السنديان" الثقافي التقى الشاعرة السورية "رشا عمران" رئيسة لجنة المهرجان تحت سماء قروية في إحدى جبال "طرطوس"، حيث حدثتنا عن بعض الكلمات النثرية التي تجوب قلبها وأحاسيسها، فكان لنا معها اللقاء التالي.

كتاباتها لها طابع خاص تعبّر عن شخصيتها، فهي ابنة الساحل السوري، وابنة "الملاجة" تلك القرية التي يعوم فيها الكثير من الحياة، والشاعرة لها تأثير كبير بطبيعة القرية ودمجها بحياة المدينة، فكتاباتها تتطرق بشكل أكبر وأقوى إلى الأنثى الحياة، الموسيقا، الحلم والأمل، "رشا عمران" تعتبر من الشاعرات السوريات اللواتي ساهمن في تطوير الحركة الشعرية النثرية في سورية إلى الأمام

  • بداية دعيني أتجرأ وأسألك لماذا تكتب "رشا عمران"؟
  • معطف أحمر فارغ

    ** بالنسبة لي الكتابة بالدرجة الأولى الشعور بالمتعة، فأنا أستمتع بالكتابة وأرى أن الفن من دون متعة لا يعبر عن شيء، وبالدرجة الثانية هي عملية استشفاء ذاتية، حيث يساعدني الشعر على التخلص من تلك المشاكل النفسية في المجتمع وكيفية العلاج من ذلك، إضافة إلى أنه عندما يكون لديك اسم مهم فهذا أمر في غاية الأهمية؛ وذلك يشعرني بأن التزام بعملية الإبداع هذه التي خلقت معي في البيئة التي عشتها، فهي بالمجمل غريزة مرتبطة بالشخصية الإنسانية، وأنا أكثر انخراطاً بالحياة بمعناها التأملي وليس بمعناها المعيشي اليومي، فانعكاس الحياة علي ينعكس في كتاباتي، وهنا أ رى أن الشعر وصلني إلى مكان تخلصت فيه من فكرة الملكية، حيث لا يوجد لدي أي شيء يجعلني غير صادقة مع نفسي ويحسسني بالسلام الروحي الذي يولده قلق الإبداع والكتابة الدائمة، إن إحساسي بالتخلص من الملكية جعلني أكثر قابلية لتقبل الأشياء كما هي، حيث الشعر وصلني إلى هذه الحالة الإبداعية، ودفعني بأن أبحث في كل الفنون وامتلك حريتي الداخلية والخارجية كما أريد.

  • هل الشعر له مكان؛ مثل اللاوعي؟
  • رشا عمران في مهرجان السنديان الرابع عشر

    ** الشعر مكانه أصلاً اللاوعي وخاصة في بداية الكتابة، فعندما تنتهي من كتابة النص يبدأ الوعي بالعمل عليه لوضع النهايات، لكن الإبداع بذاته هو في اللاوعي يخرج من أكثر المناطق المظلمة في النفس الإنسانية، وكلما خرجت من هذه المنطقة تقبل على عملية الصفاء الشعري والحسي.

  • "ظلك الممتد في أقصى حنيني" كان عنواناً مميزاً... رأيت فيه تزاوجا كبيرا بين الحب والموت؟
  • ** الكثير من كتاباتي تأخذ ثنائية الحب والموت، فأنا أرى أنه هناك لحظات في الحب هي لحظة الانفصال التام عن الحياة، أي بلحظة العلاقة الجنسية مع الحبيب هناك لحظة انفصال كامل عن الحياة، وأسمي ذلك بمنطقة العدم التي تمثل الموت بنفسه، فأنا أرى أن هناك ارتباطا وثيقا بين الحب والموت من هذه الفكرة، وعبّرت عن ذلك من خلال كتاباتي.

  • توافقينني الرأي بأنه ليس من الضروري أن تأخذ كل قصيدة مكانها، وهل نستطيع أن نصف الكتابة بالمغامرة؟
  • ** نعم، إن عملية الكتابة كلها مغامرة، وبنفس الوقت اختبار للذات باللغة وتأثيرك على اللغة وتأثيرها عليك، إضافة إلى تأثير حياتك اليومية على لغتك وتجربتك الشخصية على تلك الكتابات، هناك مغامرة استثنائية في الكتابة، وهي المغامرة الأكثر استمتاعاً.

  • "رشا عمران" رغم تغيّرك بين الفينة والأخرى، نرى في كتاباتك قلقا دائما، ما سرّه؟

  • طالما هناك موت فالقلق موجود، إنه قلق الوجود بكل تأكيد، فما الموت؟ لماذا وكيف؟ فعندما تكون مشغوفاً لهذه الدرجة بالحياة فكرة الموت تصبح هاجسك الدائم، وهنا تحاول أن تخفي ذلك من خلال الكتابة أو مشاريع ثقافية مختلفة، حيث إنني أرى عندما يموت الشاعر فقد انتهت حياته، وبالنهاية الفنون كلها خلقت ضد الموت، لكن انعكاسها هو هذا القلق الذي يبقى موجوداً داخل الشاعر وذاته.

  • اللغة والخيال ما العلاقة بينهما في الشعر؟

  • ** لغتنا العربية لغة ساحرة وفاتنة، تأخذك إلى أماكن استثنائية تذهب فيها إلى خيال إبداعي، فهي تتفاعل مع الخيال بطريقة عجيبة، وهنا تكمن خطورة قصيدة النثر التي أكتبها في أنه كيف تمتد هذه اللغة مع الخيال لتذهب إلى أماكن تعتبر خطيرة على النص، بمعنى أنه يمكن أن تدخل في تهويمات لغوية واسترسالات لها علاقة بالخيال واللغة وتركيبتهما مع بعض، وهي نتيجة تبادل العلاقات اللغوية التي تنتج خيالاً ما، وهنا يجب أن تكون قادراً على الوصول إلى نص مفهوم ومتماسك، فاللغة لها دور كبير في علاقتها بالخيال والشعر.

  • تهتمين كثيراً بالأنوثة من خلال الكتابة، كيف تصفين الأنوثة في كتاباتك؟
  • ** أنا لا أرى الأنوثة بأنها فقط جسد جميل وعيون ساحرة؛ بل إن الأنوثة موقف من الحياة، فبرأيي لو تم تأنيث العالم فقد تنتهي كل مشاكل العالم، ولو تم تأنيث الآلهة لكانت الحياة مختلفة تماماً عما هي عليه، فالأنثى حضن يفرغ كل هذه الحالة السلبية من الحياة، الأنثى في كتاباتي رؤية وموقف.

  • هل نستطيع القول بأن الشعر يتوارث؟

  • إن البيئة والمحيط المجاور لهما تأثير كبير في تلقين الشخص وتحفيزه على عملية الإبداع، وهنا لا يتوارث الشعر وإنما يترك تأثيره في الشخص.

  • ما سر خوفك من قراءة كتاباتك للشاعر "محمد عمران" والدك وصديقك؟

  • ** كنت أخاف من فكرة أن أقارن في عملية النشر بالشاعر "محمد عمران"، فحتى في الديوان الأول الذي صدر بعد وفاته بعام ونصف أحسست بأن الذين كتبوا عن الديوان بسبب الصلة التي تربطني بالشاعر "محمد عمران"، لكنني تخلصت من هذا التأثير وأصبح لي خصوصية ذاتية ليس لوالدي علاقة بها، وبذلك خضعت لعملية قتل الأب في الكتابة.

  • هل ارتباطك بمهرجان "السنديان" وفعالياته له علاقة بخلق بيئة شعرية فنية في قريتك "الملاجة"؟
  • ** إننا نحاول في "الملاجة" خلق حالة ثقافية يتذوقها أهل المنطقة، وذلك من خلال وجبات ثقافية من الشعر، الرقص، المسرح والتشكيل، كل هذه الفنون التي تبعث الحياة بالمجتمع، والتي تفعّل عملية الإبداع لدى الفنانين، مهرجان "السنديان" أحد المشاريع التي أعمل عليها بكل إنسانيتي ومشاعري لولادة المزيد من الشعراء والمبدعين في المنطقة بشكل عام، فعلينا أن نعي بأنه ثمة ثقافة أخرى تسمى ثقافة الحياة، التي لها أهمية مكملة لثقافة الكتب.

    "أحياناً/ شعرتُ أن وجهكَ/ لا يكفيني/ فكَّرتُ بكَ/ موتي الساخر بلا ملامح"، بهذه الكلمات تبحر "رشا" في عالمها اللامرئي لتروينا بالمزيد من الكلمات التي تبعث الدفء فينا، هنا وعن "رشا" وكتاباتها يخبرنا الدكتور "عصام عز الدين سلمان" من قرية "الملاجة" وأحد المرافقين لحياة "محمد عمران": «إن "رشا" تأثرت كثيراً بطبيعة "الملاجة" وسحرها، وأسقطت ذلك على كتاباتها الشرعبة لتهبها مزيداً من الاخضرار والعنفوان، إنها من الشاعرات السوريات المميزات اللواتي تعملن على قصيدة النثر بشكل عفوي وقوي، فالقارئ لكتاباتها يرى الحياة بوجهه الآخر تحدثنا عن الحب والأمل، الحزن والقلق، الحياة بكل مكنوناته الداخلية والخارجية، إنها تجسد الحياة بمنظورها الإحساسي على شكل أحرف ولكمات إبداعية».

    أما الشاعر "عادل محمود" من أصدقاء "رشا" فيقول: «كتاباتها لها طابع خاص تعبّر عن شخصيتها، فهي ابنة الساحل السوري، وابنة "الملاجة" تلك القرية التي يعوم فيها الكثير من الحياة، والشاعرة لها تأثير كبير بطبيعة القرية ودمجها بحياة المدينة، فكتاباتها تتطرق بشكل أكبر وأقوى إلى الأنثى الحياة، الموسيقا، الحلم والأمل، "رشا عمران" تعتبر من الشاعرات السوريات اللواتي ساهمن في تطوير الحركة الشعرية النثرية في سورية إلى الأمام».

    الجدير ذكره أن "رشا عمران" شاعرة سورية من مواليد "طرطوس" 1964 حاصلة على ليسانس آداب- جامعة "دمشق"، وصدر لها "وجع له شكل الحياة 1997، كأن منفاي جسدي 1999، ظلك الممتد في أقصى حنيني 2003، معطف أحمر فارغ 2009، أنطولوجيا الشعر السوري (1980– 2008)، 2009"، تُرجمت بعض أعمالها إلى الإنكليزية، الفرنسية، الألمانية، الإيطالية، الإسبانية، وهي رئيسة اللجنة المنظمة لمهرجان "السنديان" الثقافي.