لم تشبع دراسة هندسة العمارة شغف "هبة حداد"، فتوجهت إلى الفن التشكيلي، وقدمت لوحات تحاكي الرؤى الإنسانية بجانبها المضيء، كما اهتمت برسم اليدين كتعبير عن أفكارها والحالات الاجتماعية الواقعية، وكذلك الأنثى كقضية مصيرية.

بدأ الاهتمام في مجال الرسم منذ وقت مبكر، بحسب ما قالت المهندسة "هبة حداد" لمدونة وطن "eSyria" بتاريخ 30 كانون الثاني 2018، وتابعت: «كان اهتمامي بالرسم والفن بوجه عام بتشجيع من قبل الأهل؛ وهذا ما ساعدني على التميز به، إلى جانب التفوق الدراسي، وأذكر أنني كنت أشارك بمسابقات خاصة بالأطفال في "دمشق"، وأرسل لوحاتي بالبريد، وحصلت على جوائز عدة من خلال تلك المشاركات.

هذه الفكرة في مجال إدخال العناصر الهندسية بالعمل الفني، نوع من إهمال الرتابة والبحث عن الحرية، بعيداً عن دقة التفاصيل فيها، بهدف البحث عن الإحساس فقط ضمن الحالات الإنسانية والشخصية التي أقابلها

وفي مرحلة الدراسة الجامعية كان الخيار هندسة العمارة لكوني مولعة بالفن؛ وهذا جعل مراحل الدراسة جميلة جداً ومشبعة بالعطاء والتطور.

خلال أحد النشاطات

في هندسة العمارة الكثير من الأمور والأسس العلمية التي تضفي على الموهبة العمق -إن صح التعبير- فتغدو قائمة على أسس صحيحة متكاملة، وأصبحت ناضجة فيها مكتفية لبلورة الأفكار واقعياً، وساعدني في ذلك الوقت الذي أصبح متاحاً لي، فقدمت لوحات كثيرة ضمن معارض عدة في محافظة "اللاذقية"».

وتتابع: «كنوع من تأطير الموهبة الفنية تدرّبت بإشراف الفنان "سالم سلمان" على أسس تقديم اللوحة التشكيلية، وهنا جذبني رسم جسد الإنسان بالاعتماد على الحالة الإيمائية، كحركة اليد مثلاً ودلالاتها؛ وهذا كوّن أساساً بتّ أعتمده في أغلب لوحاتي، فحركات اليد أراها غير منتهية، ولها تعابيرها الخاصة، كالتوتر والأمل والطموح والاسترخاء، فلوحة "مجتمع اليد" تظهر أفكاراً غير منتهية لواقع الإنسان ضمن مجتمعنا، كالاستبعاد، والتنافس، والتكاتف، والتفرد، والمساعدة، وغيرها الكثير».

من لوحاتها

قدمت "هبة" لوحاتها بالأبيض والأسود، وهنا قالت: «استهوتني هذه الألوان لأنني رأيت فيها الكثير من العواطف بخلاف تقديمها بالألوان الصاخبة أو القاتمة؛ أي إنني ابتعدت بهذه الألوان عن البهجة لتبقى معبرة عن مشاعر خاصة أريد إيصالها إلى المتلقي، علماً أنني قدمت لوحات أخرى بالألوان الزيتية».

تجتاح لوحاتها بعض الغرابة أحياناً، وعن ذلك أوضحت: «في إحدى لوحاتي وهي تحمل تشكيلاً لسيدة معمرة يظهر فيها وجه غريب تعبيراً عن أنه يمكن أن يحمل الإنسان وجهين متناقضين بالمشاعر والتفاصيل، وقد تميزت تلك المرحلة بمشاعر عاطفية تحمل الكثير من الغرابة والإنسانية».

لوحة العجوز

وفيما يخص استحضار الأفكار لتجسيدها كلوحات، وتوظيفها لإيجاد حلول للكثير من المشكلات التي تعتري حياة المرأة، قالت: «جميع أفكار لوحاتي منبثقة مما أشعر به في محيطي، وأقدمها وفق رؤيتي للواقع والأشخاص فيه، وقد استهوتني أيضاً قضايا الأنثى؛ وهو ما دفعني إلى المطالعة المعمقة بهذا الجانب، أغنت أفكاري وساعدتني على بلورتها فنياً، كالتحرر من القيود الاجتماعية والثقافية».

لم تتخطَّ "هبة" في المجال الفني القواعد الهندسية، بل كانت جزءاً من بعض لوحاتها، وتقول: «هذه الفكرة في مجال إدخال العناصر الهندسية بالعمل الفني، نوع من إهمال الرتابة والبحث عن الحرية، بعيداً عن دقة التفاصيل فيها، بهدف البحث عن الإحساس فقط ضمن الحالات الإنسانية والشخصية التي أقابلها».

ومن مبدأ التوظيف لنشر السعادة، كانت لها رؤاها الخاصة، حيث قالت عنها: «هدفي من الرسم الفني تقديم نوع من السعادة ونشرها في محيطي الذي أعيش فيه، فقدمت لوحات جدارية ضمن قسم الأورام في "هيئة مستشفى الباسل" في "طرطوس"، و"هيئة مستشفى الشهيد إياد إبراهيم" في "بانياس" بمشاركة فريقنا في "الجمعية السورية للتنمية الاجتماعية"، فهي لها منعكساتها النفسية الإيجابية على المرضى، من خلال طبيعة الرسومات والألوان للوصول إلى الانطباع الصحيح».

لدى "هبة" مشروع فني أطلقت عليه اسم "ميليا"، قالت عنه: «من ضمن الجوانب الفنية التي عملت بها مشروع "ميليا" بالتشارك مع الصديق "بهاء حسن"، وهو مشروع تصميم إكسسوارات تزيينية تختلف عما هو معروف في الأسواق؛ من خلال تقديم أفكار تتداخل فيها الرؤى الهندسية والفنية لنصل إلى تصاميم متفردة على الخشب».

وفي لقاء مع "ساره ديوب" المتابعة لأعمال "هبة"، قالت: «تملك "هبة" حساً جمالياً عالياً، مكّنها من تحقيق لوحات فنية تشكيلية متناغمة من مختلف الجوانب، وأغنت هذا التناغم بشغفها الهندسي الذي جعل تلك الأعمال متميزة ومتفردة، فهي تلعب على الظل والنور بسلاسة كبيرة، وتحقق من خلالهما ألواناً تضفي جمالاً على المضمون».

يشار إلى أن المهندسة "هبة حداد" من مواليد حيّ "القصور" في "بانياس"، عام 1990.