قصة نجاحٍ علمي وعملي خطتها المربية "هدى خليل" بالصبر والتحدي لكل ما واجهته خلال رحلة حياتية لم تكن سهلةً، فكانت الأخت والأمّ والصديقة والمعلمة في كل مكان عملت به.

مدوّنةُ وطن "eSyria" التقت بتاريخ 24 أيلول 2020 المربية والموجهة الاختصاصية في مادة الجغرافية "هدى خليل" لتحدثنا عن مسيرتها العلمية والعملية حيث قالت: «ولدت لدى أسرة مكافحة مكونة من عشرة إخوة أنا أكبرهم، فوالدي كان يعمل شتاءً في "لبنان"، وصيفاً في الزراعة، وأمي سيدة العطاء لم تكن تجيد القراءة ولا الكتابة لكنها كانت مثالاً في التربية، وشعارها في علاقتها معنا نحن الأبناء العمل ثم العمل ثم العمل جنباً إلى جنب مع الدراسة والاجتهاد، أما علاقتنا بوالدي فيمكنني وصفها بالديمقراطية والمسالمة».

ولدت لدى أسرة مكافحة مكونة من عشرة إخوة أنا أكبرهم، فوالدي كان يعمل شتاءً في "لبنان"، وصيفاً في الزراعة، وأمي سيدة العطاء لم تكن تجيد القراءة ولا الكتابة لكنها كانت مثالاً في التربية، وشعارها في علاقتها معنا نحن الأبناء العمل ثم العمل ثم العمل جنباً إلى جنب مع الدراسة والاجتهاد، أما علاقتنا بوالدي فيمكنني وصفها بالديمقراطية والمسالمة

وعن ظروف تعلمها قالت: «بعد نجاحي في الصف الثاني الثانوي عام 1980 تزوجت، ورزقت بمولودي الأول بعد عام ونصف العام، حينئذٍ بدأت رغبتي بالتقدم لامتحان الثانوية العامة تزداد، والحقيقة أن زوجي كان داعماً ومشجعاً لي، وعلى الرغم من إقامتي في "ريف دمشق" بسبب ظروف عمل زوجي كضابط في الجيش، إلا أنني تقدمت للامتحان في محافظة "طرطوس"، وعند صدور النتائج لم تكن الوسائل الإلكترونية متوافرة آنذاك، وبالتالي معرفتي للنتيجة كانت صعبةً وخاصةً أني أقيم في محافظة أخرى، وقد بلغني أني رسبت، فقررت إعادة المحاولة مجدداً لكن في "دمشق" هذه المرة، ونجحت فعلاً، ولعدم معرفتي وخبرتي بكيفية التقدم للمفاضلة العامة، قُبلت في قسم اللغة العربية بجامعة "حلب"، الأمر الذي لاقى رفضاً قاطعاً من زوجي، وبالأخص أنني أصبحت أماً لثلاثة أطفال، ما يجعل موضوع السفر والإقامة بعيداً عنهم أمراً مستحيلاً، وهنا قررت التقدم للثانوية العامة للمرة الثالثة، لكن الصدمة كانت حين أبلغني الموظف أنه لا يحق لي بما أنني نجحت مرتين أولاهما في "طرطوس" والثانية في "دمشق"، كنت قد تبلغت خبر رسوبي في المرة الأولى، والآن تغير الواقع تماماً ويقال لي أنني نجحت، وقد انتابتني مشاعر من الحزن والخيبة، فقد خسرت الفرصة الأخيرة لتحقيق طموحي، لكن الموظف قرر مساعدتي مقابل التخلي عن الشهادتين السابقتين، والتقدم وكأنها المرة الأولى، وهذا ما حصل فعلاً، لقد غامرت ولكن جاءت النتيجة رائعةً، لقد نجحت وبدأت بالدراسة في اختصاص الجغرافية بجامعة "دمشق"، وسط تقدير واحترام ومساعدة دائمة من قبل أساتذتي وزملائي في تحدي ما يواجهني من ظروف قاسية خلال مسيرتي الجامعية، فسكني يبعد عن "دمشق" أكثر من أربعين كيلومتراً، إلى جانب التزاماتي الكبيرة كزوجة وأم وربة منزل تستقبل الأهل والأقارب القاصدين للعاصمة لقضاء مختلف الأعمال فكنت الأم والأخت للجميع».

في مكتبها بمديرية التربية

وتتابع: «بعد تخرجي عملت كمكلفة في مدارس منطقة "كناكر" لمدة عام دراسي، ثم تقدمت لدبلوم التأهيل التربوي ونجحت فيه خلال عام واحد، وفي السنة نفسها تقدمت لمسابقة تدريس ونجحت بالترتيب الثالث على مستوى محافظة "ريف دمشق"، ليتم تعييني ضمن الدفعة الأولى وكان ذلك عام 1999، هذه المرحلة كانت من أهم مراحل حياتي المهنية، فقد كنت سنداً وعوناً لأهلي وأسرتي، وكنت قدوةً حسنةً لطلابي، وقد ازداد تعلقهم بمادة كانت مهملة جداً قبل دخولي للتدريس في هذه المدرسة، والأجمل من هذا أنّ معظمهم اختاروا الجغرافية كاختصاص جامعي وأبدعوا فيه بشكل فعلي، أما بالنسبة لي فهذا أعدّه تكريماً كبيراً قدمه طلبتي لي، ووساماً أعلقه على صدري ما حييت.

وفي العام 2008 تمّ اختياري للتوجيه الاختصاصي، دون علمي مسبقاً أنّني ذاهبةٌ إلى مسابقة توجيه، وبعد فترة قصيرة أدرج اسمي بين الناجحين، في هذه التجربة كان رصيدي خبرتي ومعرفتي ونزاهتي وإخلاصي لعملي، وبعد بدء عملي كموجهة اختصاصية في مديرية تربية "ريف دمشق"، بقيت محافظةً على مبادئي أكثر وأكثر، ما جعل كل من عرفني يتحدث عني بالخير والمحبة، بعدئذٍ في العام 2011 انتقلت إلى العيش في محافظتي "طرطوس"، وما زلت حتى اليوم أمارس عملي كموجهة اختصاصية في مديرية التربية في المحافظة، وما زلت متمسكةً بصدقي واحترامي لذاتي وللآخرين، ومتمسكةً بالتزام القوانين واحترامها وتطبيقها».

خلال إحدى المهام

وتختتم حديثها بالقول: «ثلاثة عشر عاماً في العمل كموجهة اختصاصية لم تخل يوماً من الجهد والتعب الذي تفرضه المهنة، بدءاً من مكان إقامتي الذي يبعد عن عملي 52 كم أقطعها بشكل يومي تقريباً، إلى جانب الجولات الميدانية وتنقلي بين مختلف المناطق، ومتابعتي لعملي المكتبي في المديرية، ومتابعة شؤون المراجعين من المعلمين والمدرسين بكل رحابة صدر، إلى جانب هذا كله أنا أم لشهيد وشباب في الجيش العربي السوري يخوضون الحرب على مختلف الجبهات، ومع كل ما عانيته خلال مسيرتي هذه أجد نفسي شريكةً في معركة الدفاع عن وطننا، فخلال سنوات الحرب العشر لم أتردد يوماً بتلبية المهمات الموكلة إلي داخل وخارج المحافظة، على الرغم من خطورة الأوضاع في بعض الأوقات وحساسيتها، إلا أنني كنت دائمة الحضور في مهماتي، ودائمة المشاركة كموجهة اختصاصية في "المنصة التربوية السورية"، وفي أعمال حساسة بامتحانات وزارة التربية والتي تم اختياري لأدائها كتكريم لي لما تمتاز به مسيرتي من إخلاص».

"ريم نوفل" الموجهة الاختصاصية في مديرية تربية "طرطوس" قالت عنها: «المثال الأعلى والقدوة في العمل والمهنية، شخصية راقية بأخلاقها، هي الأخت الكبرى الهادئة والأم الحنونة، منذ بداية عملي في التوجيه كانت اليد التي أمسكت بيدي في طريق جديد مجهول بالنسبة لي، فكانت خير الصديقة وخير المعلمة مع كل مشكلة واجهتها أعطتني دروساً بآلية التعامل القانوني والعقلاني، ومن المعروف أن المربية "هدى" أم لشهيد، ولكنها لم تستغل هذه النقطة لتجعلها شماعة للتراخي في العمل، على العكس تماماً عدّت شهادة ولدها مسؤوليةً إضافيةً واختباراً لها، وهي كالعادة لا تقبل إلا النجاح المتميز في كل تجربة أو اختبار تفرضه الحياة عليها فتواجه بصمت دون ملل، تتعامل مع أي موقف بالطريقة المناسبة والحكيمة، تتحمل كل الضغوط والأعباء النفسية والمادية في سبيل تحقيق رسالتها».

يذكر أنّ المربية "هدى خليل" من مواليد قرية "المعمورة" ريف "الدريكيش" عام 1962.