تمكّنت "أحلام محمد" بعد أن فقدت زوجها الذي ترك لها فتياتٍ صغيرات، من الانتقال إلى مسؤولة بشكل كامل عن أسرة تهتم بجميع تفاصيل حياتها أسرتها، فعملت بزراعة التبغ وطوّرت مهاراتها للعمل بحرفة الخياطة مع ازدياد الضغوط المادية، وحققت نجاحاً دفع من عرفها للوقوف إلى جانبها.

مدوّنةُ وطن "eSyria" التقت بتاريخ 27 حزيران 2020 ربة الأسرة "أحلام محمد" لتحدثنا عن بعض تفاصيل حياتها مع الكفاح لتحقيق النجاح، حيث قالت: «بوجود رب الأسرة تعيش ربة الأسرة بسعادة ورفاهية كبيرة، فلا يوجد ضمن تفاصيل اهتماماتها تأمين القدرة المالية لتلبية حاجيات المنزل طالما للزوج عمل يكفي ويزيد، ولكن مع غياب الزوج يصبح من صلب اهتماماتها أدق تفاصيل الحياة وتربية الأطفال الصغار، والتفكير بالغد القادم بسرعة ضمن الظروف المعيشية الصعبة والحرب والتصدي لفيروس "كورونا".

بالنسبة لنا "أحلام" مثال التضحية والعطاء في مختلف المجالات، وكان لافتاً بالنسبة لنا قدرتها على التأقلم مع أدوارها الحياتية الجديدة كرب أسرة ومعيل لأطفال صغار في أصعب الظروف المعيشية، وهذا دفع أغلب أهالي القرى المجاورة إلى مساعدتها والوقوف إلى جانبها، كما أن بعض النسوة أصبحن يتعلمن منها، فمن عملها الزراعي الناجح سندت أسرتها، وحين ضاقت بها الظروف تعلمت مهنة الخياطة، وباتت مقصد الغالبية لأعمال الخياطة كمساعدة لها، فلديها نظرة جيدة في المهنة وأعمالها تلبي الحاجة

ففي البداية كنت أعيش في كنف رجل يعرف قيمة المرأة ويقدر وجودها في أعلى قائمة الأسرة، ولكن هذا لم يستمر طويلاً، حيث كان الفقد ووفاة زوجي عام 2012 أصعب أمرّ واختبار يمكن أن أخضع له، ولكن هذا لم يكن يعني النحيب والتفكير بالسوداوية، بل كان يعني إعادة ترتيب تفاصيل الحياة وتحمل عبء غيابه، لأصبح الأم والأب في آن معاً، كما جعلني هذا الفقد أدرك أكثر قيمة الحياة التي كنت أعيشها سابقاً.

رزان محمد

الأدوار انعكست وتغيرت، فأصبحت رب الأسرة المكلف أمام المجتمع بتربية فتياتي الصغيرات، وهذا كان أسهل أمر بالنسبة لي، لاعتيادي عليه سابقاً بوجود زوجي، ولكن الصعب كان تأمين الدخل المادي للمنزل لتلبية متطلباتهم، التي بدأت تكبر وتتغير شيء فشيئاً وتفوق قدرتي على التلبية في أغلب الأحيان.

بعض هذه المتطلبات لم أستطيع تحقيقها لبناتي لعدم توفر المال اللازم، ما دفعني لتطوير عملي في زراعة التبغ ضمن حقلي الخاص في قرية "الغنصلة" بريف ناحية "العنازة" والتي تميزت بنوعية إنتاجه كل عام، ومن ثم تعلم مهنة الخياطة لتفصيل الملابس ورتيها، فكثيرة هي المواقف التي أعادتني بذاكرتي إلى دور زوجي ووقوفه إلى جانبي وتأمين احتياجاتنا، ففي إحدى المرات طلبت أصغر البنات شراء حذاء لها، وهذا ما لم يكن بمقدوري، فموسم التبغ لم يكن قد بيع بعد، فاعتذرت منها وأملتها بتنفيذ طلبها لاحقاً، وهنا قالت الصغيرة "لو كان والدي لاشتراه لي فوراً"، ما أحزنني كثيراً ودفعني لمزيد من مواصلة العمل ولو على حساب صحتي.

أحلام محمد

وحاولت توضيح التغيرات التي بدأت تتغير في حياتنا الجديدة للفتيات، لنكون السند لبعضنا البعض، وخاصة في موضوع المصاريف اليومية، وكيف يمكن الاقتصاد بها، وكذلك المصاريف المدرسية بداية كل عام، حيث وضعنا أولويات وتسلسل مصاريف يمكن أن نفقدها لو ضاقت بنا الأمور».

وتضيف: «كثيرة هي التفاصيل التي أستغنينا عنها في حياتنا اليومية للمحافظة على التوازن بين الدخل المادي والمصاريف، وهذا أبسط ما يمكنني فعله لحماية أسرتي، فأعمال الخياطة التي تميزت بها وحصلت نتيجة لذلك على مكنة خياطة من "الجمعية السورية للتنمية الاجتماعية" واحدة من الأعمال التي تعلمتها حديثاً لزيادة الدخل المالي.

كما أن العمل الأساسي في الزراعة لم يكن أقل شأناً، حيث كنت أستيقظ باكراً لمتابعة أعمال الحراثة مثلاً لتجهيز الأرض للزراعة، ومن ثم مراقبة الشتول الصغيرة إن كانت بحاجة إلى مكافحة أو تسميد، وحين يأتي وقت غرسها في الأرض ورعايتها كنت أشعر بالكثير من التعب النفسي والجسدي، ولكن كل هذا يزول عند رؤيتها معافاة من الأمراض.

والأصعب في كل موسم القطاف وشك الأوراق ووضعها على المناشر في الهواء الطلق لتجف، لأن الأمر يحتاج إلى مجهود عضلي، ومن ثم مراقبتها لحين تصبح جاهزة لوضعها في كتل كبيرة تجهيزاً لبيعها، وهذه أعمال في الغالب من اختصاص الرجال، ولكني كنت الرجل والمرأة، لأحافظ على أسرتي ومستقبلها».

"أحلام" تمكنت من تغيير طبيعة حياتها بعد وفاة وزوجها بشكل كان لافتاً لجميع أهالي قريتها، ما دفعهم إلى الوقوف إلى جانبها في بعض المحن والشدائد، وهنا قالت "رزان محمد" من أهالي وسكان قرية مجاورة "العليقة": «بالنسبة لنا "أحلام" مثال التضحية والعطاء في مختلف المجالات، وكان لافتاً بالنسبة لنا قدرتها على التأقلم مع أدوارها الحياتية الجديدة كرب أسرة ومعيل لأطفال صغار في أصعب الظروف المعيشية، وهذا دفع أغلب أهالي القرى المجاورة إلى مساعدتها والوقوف إلى جانبها، كما أن بعض النسوة أصبحن يتعلمن منها، فمن عملها الزراعي الناجح سندت أسرتها، وحين ضاقت بها الظروف تعلمت مهنة الخياطة، وباتت مقصد الغالبية لأعمال الخياطة كمساعدة لها، فلديها نظرة جيدة في المهنة وأعمالها تلبي الحاجة».

يذكر أن "أحلام محمد" من مواليد قرية "العليقة" عام 1980.