بيده اليمنى التي لم تخلق معه، والأخرى المهشمة بالحرب، عاد "ضياء شاش" لمهنة التدريس برضا لأداء الواجب، فاستخدم التقانات الحديثة بالأعمال الإدارية، ولكن شغف الوقوف أمام السبورة لم يفارقه، فعمل على تطبيق التقانة بالتعليم، ونجح في تطوير مستوى طلابه.

مدوّنةُ وطن "eSyria" التقت بتاريخ 1 نيسان 2020 المربي "ضياء شاش" من قرية "رأس الكتان" التابعة لبلدة "السودا" بريف "طرطوس" ليحدثنا عن عمله بمجال التدريس بعد إصابته الحربية، حيث قال: «قرار العودة إلى المدرسة وممارسة مهنة التعليم التي شُغفت بها كثيراً لم يكن بالقرار البسيط مع وجود فقد بالأطراف العلوية وعدم القدرة على مواكبة ما فاتني من تطوير في المناهج التدريسية خلال فترة الخدمة الاحتياطية والنقاهة، ناهيك بوضع الطلاب ونظرتهم لما يمكنني تقديمه لهم من علم ومعرفة مع ظروفي المستجدة، ولكن التحدي الذي فرضته الإرادة الداخلية لممارسة المهنة الأسمى بنظري، وحلم متابعة التحصيل العلمي في الدراسات العليا بعد دراستي الأكاديمية "معلم الصف" ودبلوم التأهيل التربوي، جعلني أقرر العودة وتجاوز كل شيء ومحاولة الاستفادة من التقنيات الحديثة التي يمكنني التعامل معها في تقديم المعلومات التعليمية لطلابي في مدرسة الشهيد "طالب شاش" ضمن القرية.

كان لافتاً لي في المرحلة التي عاد فيها المربي "ضياء" لتدريس ابنتي عودتها من المدرسة متقنة دروسها وطرق حل واجباتها دون حاجة لمساعدة أحد، كما أن أسلوب التدريس واستخدام التقانات الحديثة في الشرح شكّل لديها سعادةً وحالةً من التميز حاولت التباهي بها بين رفاقها في المدرسة

كانت بداية دخولي إلى المدرسة كمعلم احتياطي وممارسة الأعمال الإدارية فيها، ككتابة أسئلة الامتحانات وتجهيز الكتب الرسمية وردودها، وقد أبليت حسناً في هذا بدليل أني عندما قررت دخول الصف لممارسة التعليم سألتني المديرة من سيقوم بهذه الأعمال؟ فطلبت أن تبقى أعمالي إلى جانب مهنتي، وكل هذا مع وجود طرف صناعي ذكي وآخر ميكانيكي تم تركيبهما لي، وتأقلمت معهما وأصبحا جزءاً مني أبادل بينهما رغم صعوبة الكثير من التفاصيل التي تجاوزتها بالإرادة المعززة بوجود زوجتي وعائلتي وأهل قريتي».

خلال حصة نموذجية

ويضيف: «دخلت إلى الصف الخامس وعدد طلابه لا يتجاوز العشرة، حيث كانوا في ترقّبٍ كبير قرأته في أعينهم، وبدأت بتدريس مواد الرياضيات والاجتماعيات والتربية الدينية بمعدل عشر ساعات أسبوعياً، بالاعتماد على جهاز الحاسب المحمول وجهاز الإسقاط والوسائل المساعدة والطرائق الحديثة، فبدأت تتغير ملامح الطلاب ويتقبلون الأمر بسعادة ومرح، وتشجعت على المتابعة وتقديم المزيد من التقانات بالتعليم كالفيديوهات التعليمية والدروس التي أجهزها على البوربوينت، وبات إقبال الطلاب على دروسهم أكبر، و تحسّن مستواهم بشهادة الأهل والكادر التوجيهي والإداري، على الرغم من المنغصات التي واجهتها من انقطاع التيار الكهربائي وغيرها».

كما كان للمعلم "ضياء" يدٌ بيضاء في مجال عمله كعضو مجلس بلدة "السودا"، وعن ذلك قال: «خلال مهمتي في المجلس البلدي كان همي المساعدة في متابعة الأعمال وتحسين مستوى الخدمات مع بقية أعضاء المجلس، وأيضاً كان همي تحسين العلاقة بين هذه المؤسسة والمواطنين وترك قناة تواصل مفتوحة دائماً من خلال صفحة على الفيس بوك باسم البلدة، بالإضافة للمساعدة بتوثيق وتنظيم المعلومات الخاصة بذوي الشهداء والجرحى على مستوى البلدة، وساعدني في ذلك محبة رئيس المجلس للعمل بشكل عام والمجتمع بشكل خاص».

استخدام اليد الذكية بمتابعة من السيدة الأولى

وأضاف عن قصته مع التقانة بالتعليم: «إصابتي لم تمنعني عن مواصلة السعي لاكتساب الخبرات والمعارف التعليمية، لذلك تقدمت إلى دورة تصميم اختبارات إلكترونية أقامها مركز دمج التقانة بالتعليم بوزارة التربية بإشراف المنسقة المركزية لدمج التقانة في التعليم "جمانة الدّرا"، وكان أدائي مميزاً، وتم اختياري باقتراح من مدرّبي "سامر عبد الحق" المتابع لكل تفاصيل التدريب، لأكون مدرباً في البرنامج، وللعلم الاختبارات الإلكترونية هي نوع من التدريب على مفردات المنهاج بطريقة مشوّقة، فنسمح للطالب بحلّ الاختبار ورؤية أخطائه وإعادة الحل للحصول على علامة أفضل، من دون الإحساس برهبة الامتحانات وعقدة الخوف من أن يخطئ ويحصل على علامة متدنّية، فالمجال مفتوح له ليعيد الحل ويحصل على علامة أفضل ويرسّخ معلومات المنهاج في ذاكرته».

ويتابع: «في ظل ظروف الحجر الصحي الحالية، أنشأت مجموعات متعددة على وسائل التواصل الاجتماعية ودعيت إليها أهالي الطلاب ليكونوا مشرفين على استخدام الهواتف المحمولة من قبل أبنائهم خلال إعطاء الدروس اليومية كما لو أننا في المدرسة، مع استخدام تقنيات الفيديو التعليمية وبرنامج البوربوينت والوسائل المساعدة لشرح الدروس، وترك باب النقاش والأسئلة مفتوحاً، مع إمكانية الإجابة الفورية عليها، مع تنشيط الاختبارات الإلكترونية وأوراق العمل».

مع طلابه في بداية العام الدراسي

"فاتن سعود" الموظفة في مديرية زراعة "طرطوس"، ووالدة الطالبة "سيلين ديب" قالت: «كان لافتاً لي في المرحلة التي عاد فيها المربي "ضياء" لتدريس ابنتي عودتها من المدرسة متقنة دروسها وطرق حل واجباتها دون حاجة لمساعدة أحد، كما أن أسلوب التدريس واستخدام التقانات الحديثة في الشرح شكّل لديها سعادةً وحالةً من التميز حاولت التباهي بها بين رفاقها في المدرسة».

أما الممرّضة "نسرين شاش" والدة الطالبة "ريم سعدة" فقد لاحظت الفرق بين مستوى ابنتها في العام السابق والعام الدراسي الحالي، وقالت: «بشكل عام مستوى ابنتي الدراسي جيد، ولكن مع المربي "ضياء" تحسنت بشكل ملحوظ، وبدت عليها الروح التنافسية مع رفاقها، وباتت مهتمة بشكل لافت، وهذا دفعنا للمزيد من المتابعة معها، وخاصة على مجموعة أهالي الطلاب التي أنشأها على صفحات التواصل الاجتماعية، لتدارك النقص في أي معلومة لدينا تجاه تحصيل الطلاب العلمي».

"سامية معروف" الموجهة التربوية والمشرفة على مدرسة الشهيد "طالب شاش"، قالت: «من خلال متابعتي لحصصه الدرسية وجدت أنه يعطي الدرس بطريقة تربوية متميزة مستخدماً الطرائق الحديثة بالتعليم، ووفق استراتيجية متكاملة من ناحية مؤشرات الأداء والأهداف والاستراتيجيات البعيدة، وأسس التقويم وتوزيع الزمن وغيرها، وهذا دفعنا ككادر إداري أن يكون درسه في مادة الرياضيات دورة مصغرة على مستوى المدرسة للمعلمين، والأهم من هذا الانعكاس الإيجابي على أداء الطلاب ومستواهم التعليمي وتفاعلهم معه في تجهيز وسائل التعليم التي يعتمدها كتقدير لما يقدمه لهم، ونقل طبيعة علاقتهم مع بعضهم إلى أقرب ما يمكن تسميتها بعلاقة الأبوة، فغدا نموذجاً في المدرسة، ويذكر في المدارس الأخرى».

يشار إلى أنّ المربي "ضياء شاش" من مواليد قرية "رأس الكتان" عام 1984.