شغفُ الطبيب "حسن قدور" بالعمل الإنساني الذي تجلى خلال مسيرته المهنية بأجور معاينةٍ مخفضةٍ رغم أنه من أقدم خمسة أطباء في المحافظة، وكذلك بالبحث العلمي حيث ألف عشرة مراجع علمية مهنية بحثية تثقيفية، وأسس للعمل المهني الإداري وللطبابة الشرعية.

مدوّنةُ وطن "eSyria" زارت الدكتور "حسن اسماعيل قدور" في منزله بمدينة "طرطوس" بتاريخ 15 كانون الثاني 2020 ليحدثنا عن بداياته في التحصيل العلمي والأثر الإيجابي له في عمله المهني، حيث قال: «درست المرحلة الإبتدائية في قرية "كرفس" التابعة لمدينة "الدريكيش" وتابعت المرحلة الإعدادية في "اللاييك" ومن ثم الثانوية في مدرسة "جول جمال" وتخرجت منها بدرجة متفوق، رغم الظروف المادية الصعبة ومعارضة الأهل نتيجة لذلك، حيث كان لهذا الأثر الإيجابي في التعامل الإنساني مع الآخرين وتلبية حاجاتهم الطبية.

ميولي كبيرة تجاه البحث العلمي والتثقيف الذاتي المستمر، نتيجة المعرفة المعتمدة على الخبرة والتجريب التي توصلت إليها في الطبابة الشرعية

بعد المرحلة الثانوية بدأ عطائي العلمي وتقديم المعرفة كمدرس في مدرسة "حمين" عام 1948، وبعدها تقدمت لمتابعة تحصيلي العلمي الأكاديمي في كلية الطب بجامعة "دمشق"، وتخرجت منها عام 1956 وعينت نتيجة تفوقي مديراً لمشفى "السويداء" لعامين متتاليين، وكان المشفى حينها حديث العهد ويفتقر إلى أدنى مقومات الإدارة الطبية، ما دفعني لتأسيس الهيكلية الإدارية الصحيحة فيه، وشُهد للمشفى في تلك الفترة بالتميّز بمجال تقديم الخدمات الطبية بناءً على الأسس الإدارية التي وضعتها له.

من مؤلفاته العلمية

وفي عام 1958 نقلت إلى مديرية صحة "طرطوس" بعد أداء خدمة العلم وزاولت عملي الطبي في مستوصف المدينة كطبيب موظفين، وكذلك عملت كطبيب شرعي، وكان شعاري حينها أنّ (من عرف ربه وأتقى كان المسيطر)، وفي تلك الفترة أسست للعمل الطبي الشرعي وفق منهجية أخلاقية أثنى عليها الجميع، ما جعلني أستمر لنحو 25 عاماً، وحاولت دوماً ترسيخ مبدأ المصالحة بين المتخاصمين ونجحت في كثير من الحالات موفراً الوقت والجهد والوقوف بالمحاكم للمتخاصمين».

ويتابع: «التشعب بالعمل لم يبعدني عن إنسانية المهنة التي أحببتها ومنحتها جل حياتي حتى على الصعيد الخاص، فعمدت إلى افتتاح عيادة خاصة في منزلي، وأذكر حينها أنّ عدد الأطباء العاملين في المدينة لم يصل إلى خمسة أطباء، وفي عام 1985 أنهيت عملي الوظيفي وتفرغت لعيادتي حتى العام 2001 حيث أديت فريضة الحج وانصرفت للبحث العلمي الطبي وتأليف مراجع علمية بحثية طبية، بهدف التثقيف والتعليم معاً، وقدمت حوالي عشرة مؤلفات في الصحة والطب البديل والاستنساخ والسرطان ومن عناوين بعضها "حقائق عن خلق الإنسان"، "الطب الشعبي البديل"، "الإسعاف الأولي والتمريض"، "حقائق عن هذا الإنسان"، و"الهندسة الوراثية والخلايا الجزعية" وما زلت مستمراً في تأليف المراجع العلمية البحثية بالاعتماد على الخبرة الطويلة والحقائق المهنية التي توصلت لها.

من أبحاثه الطبية

وكان الهدف منها تحقيق الفائدة للناس من خلال التعابير الطبية السهلة والمدركة بكل سلاسة من قبل المتلقي، فهي خالية من التعقيد، وتطال فوائدها مختلف الشرائح المجتمعية والفئات العمرية، وأكدت من خلالها على تطبيق الدين في العلم لإثبات أنّ المجالات العلمية لا تتعارض معه، بل على العكس العلم يكمّل الدين ويؤكد مداركه ويثبت كل ما جاء به».

ويضيف: «ميولي كبيرة تجاه البحث العلمي والتثقيف الذاتي المستمر، نتيجة المعرفة المعتمدة على الخبرة والتجريب التي توصلت إليها في الطبابة الشرعية».

الدكتور حسن قدور

الطبيب البشري غير المتخصص امتلك مسيرة عمل وصلت لخمسين عاماً متواصلة، كان فيها أطرف وأصعب المواقف، وعنها قال: «من أطرف المواقف التي تعرضت لها أن أحداً حاول الإدعاء على أحد آخر واتهامه بضربه وأذيته، وخلال الفحص الشرعي له وجدت أن آثار الضرب ليست حقيقية وإنما صباغ أصفر على الفخذ، فطلبت على مسمع منه من الموظف لدي إحضار الكحول المعقم والقطن للتأكد من صحة الأذية وإزالة الصباغ، وحينها اعتذر المدعي وغادر على الفور وسحب إدعاءه.

كذلك في عام 1962 حضر إلي مريض فقد بصره دون سابق إنذار أو وجود أسباب ظاهرة مدركة لهذه الحالة الغريبة، وهنا خمنت السبب انقباض الأوعية الدموية المغذية للشبكية، فما كان مني إلا أن حقنته بإبرة خلف العين لتخفيف الانقباض، وهذا كان بمثابة مغامرة، وفعلاً خلال دقائق عادت الرؤية له، ولكن المفارقة أن حالته تكررت بعد عشرة سنوات، فتوجه لطبيب آخر لم يتمكن من مساعدته، فقرر السفر خارج البلاد للعلاج، وحين عرض على الطبيب غير السوري تكرار الحالة والعلاج السابق، أثنى الطبيب المتخصص على العلاج السابق وطلب منه العودة إلي لتكرار العلاج، وصنف الحالة بالفريدة والعلاج بالمتميز بحسب حديث المريض لي.

كما تمكنت من اكتشاف أعقد أسباب وجع الرأس لمريض عانى كثيراً من الألم، ومنها التهاب بصلة الشعر، لكن المريض لم يقتنع وسافر من خلال أقارب له إلى "أميركا" وبعد فحوص وتحاليل أكد الكادر الطبي التخصصي المشرف على العلاج أن سبب الألم هو التهاب البصلة الشعرية، وطلب ذات المريض مراجعة مرة أخرى لإخباري بالأسباب وتبليغي سلامهم».

وعن الأجور المخفضة التي يتقاضاها قال: «لم تتجاوز المعاينة في تلك المرحلة الزمنية بشكل عام الخمس ليرات فقط، وكانت معاينتي ثلاث ليرات، وحين رفعت رسمياً إلى 500 ليرة أصبحت معاينتي 100 ليرة فقط، نظراً لظروف المرضى وأوضاعهم الاقتصادية الصعبة».

الطبيب "إيليا قنيزح" قال عنه: «الدكتور "حسن" خلال مسيرته المهنية اعتمد في الفحوص السريرية على الاستقراء والخبرة المتراكمة لتشخيص أغلب الأمراض، وكانت طريقته ناجحة جداً ولم تسجل حالة فشل واحدة فيها، وذلك نتيجة عدم وجود الأجهزة الطبية التخصصية كالطبقي المحوري والمرنان والتحاليل المخبرية والإيكو والأشعة، وكان السبب حينها الإيمان بالإنسان على حد قوله، ورغم الظروف المادية والاجتماعية الصعبة في أربعينيات القرن الماضي وصعوبة متابعة التحصيل العلمي من خلالها، امتلك الدكتور "حسن" حافزاً كبيراً للتخلص من الفقر والجهل والتحول إلى الإنتاج العلمي والفكري».

يذكر أنّ الدكتور "حسن اسماعيل قدور" كان خطيباً في مساجد وجوامع أغلب مناطق المحافظة، وهو من مواليد قرية "كرفس" عام 1929 ومتزوج ولديه خمسة أبناء.