بعدَ 27 عاماً من الانتظارِ والحلم تقدمت ربّةُ المنزلِ "مجدولين معنا" ابنةُ قريةِ "يحمور" للحصولِ على الشهادةِ الإعدادية لتحصل عليها بمجموعِ 175 درجة، فالانشغالُ بتربيةِ الأطفالِ ورعايتهم، لم يمنعها من العودةِ ولو في زمنٍ متأخرٍ من العمر، لتكونَ مثالاً للمرأة الطموحة.

مدوّنةُ وطن "eSyria" التقت بتاريخ 15 أيلول 2019 "مجدولين معنا" في منزلها لتحدثنا عن بعض تفاصيل حياتها، فقالت: «منذ الصغر وأنا أحلم بتحصيل علمي جيد، ولكن طبيعة العائلة وكثرة عدد أفرادها، وزواجي المبكر، كلّ ذلك منعني من تحقيق هذا الحلم الذي لم يغادرني لحظة واحدة خلال حياتي، بل بدأ يكبر بهدوء خلال متابعة مراحل تعليم أبنائي ومساعدتهم في فروضهم المدرسية، وشجعني على العودة للدراسة أفراد أسرتي، حيث كانوا يثنون على جهودي في تقديم المساعدة التعليمية لهم، حتى في مراحل تحصيلهم الدراسي المتقدم (الجامعي).

عمليات نقل المحصول الزراعي من البستان إلى المنزل حملاً أتعبني كثيراً، ودفعني لتعلم قيادة الشاحنة لزوم العمل، وذلك دون مساعدة أحد، ليفاجأ زوجي في أحد الأيام أنّي نقلت كامل المحصول بالسيارة، ووضعته أمام المنزل

في الحقيقة لم أخبر أحداً أنّي بصدد متابعة تحصيلي العلمي بشكل جدي، والتقدم لاختبارات الحصول على الشهادة الإعدادية، وهذا لم يمنعني من سؤالهم في حال صعب عليّ شيء بحجة أنّه يوجد أولاد فقراء بحاجة لبعض المعلومات، وأرغب بمساعدتهم دون ذكر أسمائهم كبادرة فعل الخير مني لهم».

مجدولين معنا خلال استذكار مراحل التحضر لنيل الشهادة الاعدادية

وتتابع: «تزوجت بعمر الـ14 فقط، وحملت همَّ الأبناء والعمل في الحقل لأكون سنداً قوياً لزوجي وأسرتي، حيث كنت أقطف ثمار الليمون بمفردي، وأنقلها من المزرعة إلى جانب المنزل حملاً دون مساعدة أحد، وهذا بمجرد تلقي اتصال من زوجي بأنّ الأسعار جيدة ويجب القطاف، فهو لديه عمله بتجارة الخضار، وما ساعدني في تحقيق النجاح أنّني منذ الصغر أحبّ التنظيم، وعندما قررت التقدم لنيل الشهادة الإعدادية زاد تنظيمي للوقت كي لا تشعر أسرتي أنّها ضحية حلمي، فكنت أستيقظ باكراً لأنهي عملي في بستان الليمون والمنزل، ومن ثمّ متابعة العمل مع زوجي المحتاج لي في محاله التجارية، وبعد العودة إلى المنزل وخلال فترة السهرة بعد منتصف الليل أتفرغ للدراسة لساعات متأخرة، وهذا شكّل عبئاً كبيراً عليّ لم أجعل أحداً يدركه، ففي مادة اللغة العربية التي أحببتها حصلت على 53 درجةً ونصف الدرجة، أما في مادة الرياضيات التي كانت صعبة بالنسبة لي نتيجة تغيير المنهاج عما كنت أدرّسه لأطفالي، فخصصت لها أكبر حصة من وقتي، وخصصت لها دفتراً خاصاً أدوّن عليه ملاحظاتي والأسئلة الصعبة، لأسأل عنها أبنائي أو أيّ شخصٍ متعلمٍ يحضر إلى محلنا التجاري، كما استعنت بالإنترنت، وهذا شكّل علامات استفهام لدى أبنائي، هربت منها بأنّي أساعد بعض الأطفال الفقراء غير القادرين على تباع الدروس الخصوصية».

وعن رهبة الامتحان والسلبيات التي رافقتها خلالها قالت: «في قاعة الامتحانات شعرت بالخوف والرهبة، ولكن ثقتي بنفسي كانت كبيرة، وهذا مكنني من تجاوز نظرات استغراب الطلاب عن سبب وجودي بينهم على مقعد الاختبار، ولكن بعض المراقبين كان لهم الأثر السلبي عليّ بحديثهم عن جدوى ما أقوم به، وأهميته بالنسبة لسنوات عمري المتقدمة».

خلال عملها في الحقل

ربّةُ المنزل "مجدولين" أحبّت الشعرَ كثيراً، وقدمت ما جال في مخيلتها على شكل خواطر نظمتها على دفترها الخاص، وهذا كان له أثر إيجابي في تعليم أبنائها وتأسيسهم تأسيساً جيداً منذ الصغر، حيث لم يكن أي منهم يتجاوز الرابعة إلا ويستطيع قراءة الشريط الإخباري على التلفاز، وهذا ليس التميّز الوحيد في حياتها بل كان قيادتها للسيارة كأوّل امرأة في القرية، وأضافت: «عمليات نقل المحصول الزراعي من البستان إلى المنزل حملاً أتعبني كثيراً، ودفعني لتعلم قيادة الشاحنة لزوم العمل، وذلك دون مساعدة أحد، ليفاجأ زوجي في أحد الأيام أنّي نقلت كامل المحصول بالسيارة، ووضعته أمام المنزل».

وفي حديث مع المهندسة "يارا عيسى" قالت: «إنّ ما قامت به "مجدولين" يعدُّ قدوةً يجب على النساء الاقتداء به، فهي رغم كل الظروف لم تتخلَ عن حلمها في متابعة تحصيلها العلمي، وهذا إصرار منها، وهو ما جعل جميع النساء في القرية يفخرون بها، فليس من السهل بمكان القيام بما قامت به من حيث الالتزام بمنزلها وأسرتها وعملها في البستان والمحال التجارية ودراستها، فهي مجبولة بالعطاء والقدرة، وتستحق التكريم على أعلى المستويات كونها كسرت قالب المرأة المتزوجة التي يجب أن تتفرغ لأسرتها فقط وتنسى حلمها».

مجدولين معنا بعد قطف ثمار التعب والنجاح

يشار إلى أنّ "مجدولين محي الدين معنا" من مواليد قرية "يحمور" عام 1977.