اهتمّ "علي عديس" بالمستحاثات المتحجرة التي تمثّل الهوية الحقيقية لـ"سورية"، فجمعها من مختلف المحافظات والمناطق حتى كوّن ما يمكن تسميته متحف المتحجرات البحرية، كما أنه تفرّد بامتلاكه قطعاً نادرة لحيوان "الماموس".

هي قصة واقع عشق تفاصيله "علي محمود عديس" منذ خمسة وعشرين عاماً، وما زال حتى الآن مستمراً بعمليات الجمع والعرض وتقديم الفائدة العلمية كمادة دسمة لكل مهتم وطالب للتزود بالمعرفة؛ كما قال خلال حديثه لمدونة وطن "eSyria" بتاريخ 6 تشرين الأول 2018. قطع مستحاثات كثيرة ومختلفة الفترات الزمنية التي كانت موجودة فيها ككائنات حية، تجمعها ملايين السنين كقاسم مشترك فيما بينها، قال عنها: «لديّ مستحاثات عمرها 120 مليون عام، وأخرى عمرها 400 مليون عام بشهادة خبراء من "الجامعة الأميركية"، عرضتها عليهم خلال مشاركتي بأعمال تنقيب معهم، وكذلك لديّ مستحاثة "الأنصور"؛ وهو عبارة عن طائر مفترس ضخم جداً عاش في حقبة الديناصورات، ويتغذى على الديناصورات الصغيرة، والأجمل أو ما يمكن اعتباره تفرداً في متحفي البسيط مستحاثة رأس "الماموس"، وهو عبارة عن فيل ضخم انقرض ولم يبقَ منه إلا هذه المستحاثة، وأخرى في "مصر"، وتأكدت من هذا خلال عمليات البحث الدقيق على شبكة الإنترنت التي قام بها بعض الأصدقاء المهتمين بما أعمل عليه».

لديّ أسماك متحجرة غريبة الشكل، وحلزون بحري بأحجام كبيرة تعرض لعمليات تكلس مائي ناتج عما يسمى (تكلس باتونية)؛ أي تصبح المستحاثة بفعل المياه الكلسية الحاضنة لها عبارة عن كتل صخرية "باتونية"

ويتابع: «لديّ أسماك متحجرة غريبة الشكل، وحلزون بحري بأحجام كبيرة تعرض لعمليات تكلس مائي ناتج عما يسمى (تكلس باتونية)؛ أي تصبح المستحاثة بفعل المياه الكلسية الحاضنة لها عبارة عن كتل صخرية "باتونية"».

سمكة متحجرة

الفكرة ليست وليدة اللحظة لدى "علي"، وإنما هي مشروع العمر وشغف الحياة التي قضاها بين هذه المستحاثات والمراجع، وقال: «منذ خمسة وعشرين عاماً وأنا أبحث عن هذه القطع في مختلف المناطق والمحافظات، بالاعتماد على خبرتي بتقدير نوعية التربة أولاً لكل منها، وإمكانية توفر مستحاثة فيها، فالتربتان البيضاء والحمراء غنيتان بهذه القطع، وتحتويان الكثير منها على خلاف التربة البركانية التي لا تحتوي شيئاً تقريباً.

ما قمت به -وما زلت- بسيط تجاه الشغف الذي كان يتملكني وأبعدني عن متابعة تحصيلي العملي الذي أدركت أهميته متأخراً، إضافة إلى أن الظروف المجتمعية والحياتية كان لها الأثر السلبي في ذلك، وأرهقتني التكاليف المادية الكبيرة التي وظفتها لخدمة مشروعي، لكن هذا لم يبعدني عن مطالعة مختلف الكتب الجيولوجية لكسب الخبرة في معرفة المواقع وتسميات المستحاثات التي يمكن الحصول عليها منها».

رأس الماموس النادر

حاول "علي" تأطير عمله بأسلوب مؤسساتي؛ عبر محاولة إنشاء متحف جيولوجي، لكنه فشل بحسب تعبيره؛ لأسباب قال عنها: «فكرت بإنشاء متحف جيولوجي صغير يحتضن هذه القطع الفريدة والنادرة، ويحميها بأسلوب علمي ممنهج، لتصبح ذات فائدة علمية ومادة بحثية لكل مهتم وطالب علم ومعرفة، فتقدمت بطلب للمحافظ عام 2009، وحصلت على موافقته شرط تحليل بعض القطع في مخابر جامعة "تشرين" لإثبات هويتها، وبعدها أكمل المشروع.

لكن الطلب فقد في المحافظة، وخسر الكثيرون من الطلاب الجامعيين التخصصيين الفائدة التي يمكن تحقيقها منه، لأن فكرتي تكمن في الفائدة التي يمكن أن يحصل عليها طلاب الجامعات التخصصية خلال مشاريع التخرج، والوفرة بالجهد والوقت، والتميز بالمقتنيات».

حلزون متحجر ضخم

وفي لقاء مع المقتني التراثي "نمير محمد" أكد أن "علي" يبحث في اللا وجود عن الوجود، بمحاولة لإعادة إحيائه بصرياً ليكون فائدة للمهتمين، وهذا لأنه امتلك شغفاً لا يمكن تصور حدوده بظروف أو عوامل أو إمكانات، فقد بحث بالبراري بين الأفاعي والعقارب عما يأمل وجوده في الموقع الهدف، وأضاف: «في بعض المواقف تمكن من تأطير وتوثيق أفكاره البحثية عن قطع المستحاثات بالمتابعة الاطلاعية بالبحوث والمراجع التخصصية، وعبر المختصين الجيولوجيين الذين يعرفهم؛ ومنهم الدكتور "اسكندر جورية".

كما قدم الكثير من الفوائد لطلاب الجامعات التخصصية خلال مشاريع تخرجهم، حيث كان يعطيهم من القطع التي يملكها ليبني عليها هؤلاء الطلاب فرضياتهم ودراساتهم البحثية، وهذا حقق له الفائدة بمعرفة خفايا ما يملكه وفق الأصول العلمية البحثية، لأن كل قطعة هوية متكاملة».

يشار إلى أن "علي عديس" من مواليد عام 1970، في قرية "ساعين الشرقية" التابعة لمدينة "الدريكيش".