بطلٌ رياضيٌّ على مستوى الجمهورية، تحفز فيه العمل المجتمعي التطوعي في ظروف خاصة، فكان تجربة مميزة في الأداء والعطاء، وعمل جاهداً لتعميمها ونقلها إلى من هم في مثل ظروفه، فسجلت مبادرته الفريدة باسمه وأطلق عليها: "نادي الجرحى".

ظروف صعبة مرّ بها "سامي ملحم" كانت نواة العمل المجتمعي الذي تميز به على مستوى المحافظة، والبداية كانت بكونه يملك الجسد الضخم القوي المرتكز على ممارسة الرياضة، وهنا قال لمدونة وطن "eSyria" بتاريخ 17 كانون الثاني 2018: «منذ الصغر وأنا أمارس الرياضة، وخاصة الملاكمة، وما ساعدني فيها الجسد الضخم الذي وهبني إياه الله، والمترافق مع القوة البدنية والقبضة الصلبة، لعبت بطولات كثيرة على مستوى المحافظة وتدرجت فيها حتى وصلت إلى بطولة الجمهورية، فحصلت على المركز الثالث، وكل هذا منحني شخصية قوية عنيفة، وهذا دفعني في بداية الأحداث الحالية التي يمرّ بها بلدي إلى التطوع في صفوف القوات الرديفة، وتنقلت بين عدة مناطق كان آخرها في مدينة "عدرا"، حيث تعرضت لإصابة أقعدتني في الفراش جثة هامدة لعام ونصف العام مع رفض كامل لأي علاج، فضاقت الدنيا بي واعتدت جدران غرفتي الصغيرة ورائحة الأدوية والمعقمات.

"سامي" شخص قوي وعنيد، لكنه ضعف في مرحلة معينة، واحتاج إلى حافز من أصدقائه، فقررت أن أشاركه حياته الجديدة بالاعتماد على قوته البدنية وتاريخه الرياضي، وفكرته بالنادي غير مسبوقة، لأنه شخص مبادر

في تلك الفترة كان رفاقي ملازمين لي دوماً، ومنهم: "جعفر" و"ذو الفقار" و"أيهم"، و"سليمان"، وفي إحدى المرات اقترح "جعفر" أن أخرج إلى الطبيعة، فتنكرت للموقف واستغربته، لكن لحظة خروجي من غرفتي كانت ولادة جديدة، وانتابني شعور الحياة التي لا تتوقف، وفي هذه اللحظة غرقت في أحلام يقظة أفكر فيها بحال من هم كما حالتي ومن يعتني بهم ويؤنس وحدتهم، وهنا قررت الموافقة على العلاج الذي كنت رافضاً له تماماً، لأنني اقتنعت بأن أحداً ينتظرني لأكون معه، وبعد عدة عمليات جراحية ومقاومة الألم الذي لا يوصف، تمكنت من السير بواسطة "الووكر"، ثم العكازات المزدوجة، ثم الإفرادية».

خلال رحلة نهر الزللو

لحظة الولادة الجديدة لا يمكن لغير المولود أن يشعر بها ويدرك انعكاساتها السلبية والإيجابية، وهنا أوضح قائلاً: «تلك اللحظة أسميتها ولادة، وحاولت أن لا تكون لها آثاراً سلبية بالاعتماد على قوتي البدنية الرياضية التي أوصلتني إلى بطولة الجمهورية سابقاً، فقررت أن أعمم تجربتي على من هم في حالتي، وبالبحث على شبكة الإنترنت تعرفت إلى مجموعة من الشباب اليائسين من وضعهم الصحي الصعب، وقررت زيارتهم، لكن بعضهم رفض استقبالي، وهذا خلق لدي دافعاً أكبر للمبادرة مرات عدة حتى تمكنت من الدخول إلى غرفهم وتوضيح هدفي من الزيارة بالاعتماد على شرح حالتي الصحية قبل امتلاك الإرادة والعزيمة، وبعد جهد تمكنت من إخراج بعضهم من غرفهم حملاً أو على كرسيه أو فراشه بمساعدة أهله وأصدقائي الذين شاركوني كل خطوة كما "جعفر" ووالده، وكانت النتائج إيجابية، وتغيرت حالتهم ونفسيتهم تماماً».

رحلة من العمر بعد الولادة الجديدة لم تمنعها العكازة والكرسي والفراش، وهنا قال: «قررت أن نخرج في رحلة إلى الطبيعة متحدين كل ما يعيقنا، وتشاركت الفكرة مع أصدقائي وتشاورت بها مع المصابين الحربيين الذين التقيتهم سابقاً وتمكنت من إقناعهم بكوننا جميعاً جرحى، وهنا بدأت تتبلور فكرة فريق يضم جرحى الجيش وفاقدي الأمل، وكانت أولى رحلاتنا إلى منطقة يطلق عليها "نهر الزللو"، وكانت نتائجها خارجة عن المألوف بالنسبة للجميع، وشاركنا بها القيادة الإدارية والسياسية ومن آمن بها، ومنهم والد صديقي "جعفر" الداعم الأساسي، واللافت بالأمر هنا دبكة من فقدوا أحد أعضائهم ومن يجلس على كرسيه، وكأن طاقة الأمل فتحت أمامي للمتابعة وتقديم المزيد بجهد وتكاليف شخصية مني ومن بعض الرفاق والمتبرعين المؤمنين بالفكرة».

مع بعض الجرحى

ويتابع: «تبلورت الفكرة في ذهني تماماً بالاعتماد على النتائج الإيجابية التي تحققت والفرحة التي رسمت على كل الوجوه، فقررت تكوين ما يمكن تسميته "نادي الجرحى" هدفه إخراج الجرحى من عزلتهم مهما كانت إصابتاتهم، وتكررت الرحلة مرات عدة، وحالياً نعيش نشوة التجربة، وأسعى إلى تسجيلها رسمياً في وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، وإشهارها للعلن كتجربة فريدة في "سورية"، خاصة أنها عممت على جرحى من خارج المحافظة شاركونا فرحتنا».

الجريح "محمد قزيحة" من الذين كان لمبادرة "سامي" أثر كبير في حياته، قال: «عشت مدة طويلة بعزلة ضمن غرفتي الصغيرة بعد إصابتي، لم أرَ خلالها نور الشمس إلا عبر النافذة، ولم تدخل إليها سوى أمي، ظناً مني بأن من يريد زيارتي يشفق عليّ؛ وهذا ما لم أقبله كشخص، حتى زارني "سامي" وأراد مقابلتي بإصرار وعناد لم أشهده لدى شخص آخر، فقررت أن أعيش تجربة الولادة التي عاشها، وخرجت من غرفتي لأستنشق الهواء النقي، وكأنني طفل ولدته أمه تلك اللحظة، فما يقوم به "سامي" عجز الكثيرون عن القيام به، فهو مثال للتضحية بالنسبة لي، وحالياً أخرج من بيتي باستمرار وأزور رفاقي».

سامي وعلى يمينه المحامي جعفر

أما "جعفر محمد"، فقال: «"سامي" شخص قوي وعنيد، لكنه ضعف في مرحلة معينة، واحتاج إلى حافز من أصدقائه، فقررت أن أشاركه حياته الجديدة بالاعتماد على قوته البدنية وتاريخه الرياضي، وفكرته بالنادي غير مسبوقة، لأنه شخص مبادر».

يشار إلى أن "سامي ملحم" من مواليد "الدريكيش"، عام 1988.