تمكّنت ربة المنزل "بديعة عياش" من الحصول على ثلاث شهادات تعليمية متتالية من دون الدخول إلى أي مدرسة، وهي السند الأساسي لأربع شهادات جامعية، وعضو لجنة الحي المشجعة على العودة إلى المدرسة.

في قرية "دير الحجر" جنوبي مدينة "طرطوس" نشأ الحلم الصغير من المرور بجانب المدرسة وسماع أصوات الأطفال داخل السور، لكن الحالة الاجتماعية لم تكن تساعدها لكونها الفرد الوحيد الباقي من الأسرة بجانب والديها، فربّة المنزل "بديعة عياش" بحسب ما قالته لمدونة وطن "eSyria" بتاريخ 20 تموز 2017، تغرّب إخوتها بداعي العمل، وبقيت وحيدة بين أسرتها وحقولهم الزراعية الشاسعة، وأضافت: «لكوني آخر العنقود والوحيدة الباقية في المنزل، اتكّأ والدي عليّ بالأعمال الزراعية والمنزلية بما فاق كاهلي الأنثوي، ولم يسمح لي بالتعلم في تلك الفترة، وكنت في كل رحلة عمل بالحقل أسمع أصوات الأطفال في المدرسة، وأسأل نفسي ماذا يدور خلف تلك الجدران؟ وهذا ولّد لديّ عشقاً للمدرسة التي لم أرتدها يوماً، وفيما بعد اتبعت دورة محو أمية، وأعقبتها بدورات في الاتحاد النسائي، ومنها الدورات الحرفية بعد زواجي المبكر، وساعدتني المدرّسة "فاطمة شاكر" وساندتني، حيث كنت في الوحدة النسائية لحيّ "وادي الشاطر" أيضاً.

لقد نجحت "بديعة" بتربية أولادها تربية يحلم بها كل رب أسرة، وكانت لهم سبباً أساسياً في التفوق والتحصيل العلمي الجامعي، وحتى على صعيد المنزل لم يكن تحصيلها العلمي على حسابنا، بل على العكس، وهذا يدفعنا لنكون سنداً لها في تحصيلها الجامعي القادم

فتصميمي كان في الحصول على الشهادة الابتدائية قبل أن يحصل عليها أي واحد من أبنائي، وعندما كانت ابنتي الكبرى في الصف الخامس عام 2001 قررت التقدم لامتحان الشهادة الابتدائية، وشجعتني المدرّسة "فاطمة" التي قدمت لي دروس التقوية قبل الامتحان في منزلها، وفعلاً تقدمت للامتحان "حرّ"، وحققت النجاح بمعدل جيد جداً».

بديعة مع زوجها عصام

قبل أن يدخل أبناؤها المدرسة كانوا يتقنون القراءة والكتابة نتيجة متابعتها لهم وتعليمهم المبادئ الأساسية، وتابعت: «المنزل بالنسبة لي متعة، وتربية الأطفال شغف لا أملّ منه، لذلك نظمت وقتي لأتابع ما بدأته، وكنت أترقب ساعة لا يحتاج إليّ فيها أبنائي وزوجي لأدرس منهاج التاسع، لأن شهادته هدفي، وبعد حصول ابنتي على الشهادة الإعدادية تقدمت لنيلها عام 2006 من دون أي مدرسة أو مساعدة باستثناء بعض الدروس في اللغة الإنكليزية من المدرّسة "نهاد أحمد"، وتمكّنت منها بمجموع جيد، وهذا كان فيما بعد دافعاً بالنسبة لي كعضو لجنة حي "وادي الشاطر" مكان إقامتي، لأوضح قيمة التعليم لبعض الفتيات اللواتي درّبتهن على فنون قص الشعر، علماً أن وقتي لم يكن شاغراً، لكنه منظم بين العمل الاجتماعي والأسري والتعليمي، ومن أهم النتائج عودة تلك الفتيات إلى مدارسهم وتحقيقهم مراتب علمية جيدة».

الحلم يستمر والهدف الشهادة الثانوية بعد أن قارب أبناؤها الأربعة الانتهاء من كلياتهم، وأضافت: «لديّ ثلاثة أبناء في كليات الهندسة، والرابعة خريجة كلية التجارة والاقتصاد، وهذا بحدّ ذاته إنجاز لنفسي أفتخر به، وهو ما شجعني على التقدم لامتحان الشهادة الثانوية على الرغم من بلوغي الستين من العمر؛ وهو ما تطلب مني تنسيقاً وتنظيماً كبيراً، وخاصة لعملي التطوعي في لجنة الحي، وما ساعدني في ذلك أسرتي من خلال محاولات إيجاد الحلول لمختلف همومهم اليومية من دون أن أدرك، لكنني شعرت بذلك من خلال الوقت الذي فُرغ لأدرس فيه، وحدث معي موقف طريف معي خلال الامتحان أن إحدى المراقبات قالت لي: (لو أنك في منزلك تصنعين الطعام لأسرتك لما كان أفضل لك، الآن تفرّغت للتعلّم)، لكن كلماتها لم تثنِ عزيمتي، بل زادتني إصراراً لتحقيق النجاح بمجموع قدره 183.5، وكان لشعوري الدائم بروح الشباب سبباً فيما أنا عليه حالياً من نجاح، والأهم حالياً القرار السليم بشأن المفاضلة الجامعية، لأن المرحلة القادمة تنتظر مني خلاصة تجاربي السابقة في التنظيم والإدارة والرعاية».

بديعة عياش

معلمة المدرسة "فاطمة شاكر" كان لها يد بيضاء في الحياة لـ"بديعة"، حيث قالت عنها: «ما قامت به "بديعة" يصبّ في خانة الإنجاز، فضمن الظروف الأسرية والاجتماعية والتطوعية تمكّنت من تحصيلها العلمي من دون أي مدرسة، وشخصياً شجعتها وقدمت لها الدروس المجانية لأنني وجدت فيها التصميم والإرادة للحصول على ما حرمت منه في سنوات عمرها الأولى».

الزوج والداعم "عصام أسبر" أكد أنه آمن بقدرات شريكة حياته على تحقيق حلمها، لذلك وفر لها أغلب الظروف المواتية، وشدّ على يدها من خلال العلاقة الأسرية الجيدة، وأضاف: «لقد نجحت "بديعة" بتربية أولادها تربية يحلم بها كل رب أسرة، وكانت لهم سبباً أساسياً في التفوق والتحصيل العلمي الجامعي، وحتى على صعيد المنزل لم يكن تحصيلها العلمي على حسابنا، بل على العكس، وهذا يدفعنا لنكون سنداً لها في تحصيلها الجامعي القادم».

يشار إلى أن "بديعة عياش" من مواليد "دير الحجر"، عام 1957.