شغف التخصص دفع المدرّس "طوني أبو عيسى" إلى تحفيز القدرات المجتمعية وتوظيفها في التنمية، فانطلق بتأسيس أول موقع إلكتروني قروي يروي الحياة اليومية لقريته "الروضة"، وأعقبه بمبادرة لدخول موسوعة "غينيس"، ومزرعة خاصة بالأسماك البحرية.

بعد التخرّج في الجامعة رغب أن يكون لقريته "الروضة" موقع إلكتروني يتحدث عن حياتها اليومية الاجتماعية والثقافية، ومنها كانت الانطلاقة نحو تحفيز القدرات المجتمعية وتوظيفها، كما قال لمدونة وطن "eSyria" بتاريخ 10 تموز 2017، وتابع: «تطورت الفكرة لتصبح واقعاً متميزاً ومتفرداً لكون الموقع الإلكتروني ترجم إلى أربع لغات، ويغطي الأنشطة الاجتماعية والثقافية في القرية؛ أي إنه تخصصي في فترة لا يوجد أي موقع شبيه له، حيث كانت الإنترنت بطيئة، فلا توجد بوابات إنترنت سريعة، وعليه بدأنا بالأنشطة البيئية، كمحال نظافة للقرية وتشجيرها وتزيينها، وكذلك محاولة إعادة إحياء التراث الشعبي بمختلف المناسبات، وأهمها الدينية والاجتماعية، ومنها انطلقت فكرة أن يكون لنا عيد سنوي حدد تاريخه في الثالث من شهر تشرين الثاني من كل عام، نوثق مجرياته على الموقع ليتابعه المغتربون من قريتنا وغيرهم من المهتمين، وفي هذه النقطة حققنا هدفنا واستقطبنا الجميع في كل عيد بمشاركة فاعلة وكبيرة».

كانت فكرة الموقع الإلكتروني الذي حمل اسم القرية من المدرّس "طوني" محفزة لأهالي القرية لحفظ طقوسهم وعاداتهم التراثية وتوثيقها، ومحاولة المساعدة في الأعمال المجتمعية التي تهدف إلى النهوض بالقرية، فقد تمكّن من جذب الأهالي وحفّز طاقاتهم وشحذها للعمل التنموي

ويضيف: «تطورت المناسبات الاجتماعية شيئاً فشيئاً حتى استضفنا من خلالها أيتام "مار تقلا" بزيارات اجتماعية هدفها نفسي وترفيهي، وأيضاً رغبنا نتيجة تحفيز المجتمع وبالاعتماد على النجاحات السابقة لما قمنا به، بتحقيق رقم جديد لموسوعة "غينيس" للأرقام القياسية، وهذا بالاعتماد على التراث الذي عرفت واشتهرت به قريتنا كما التعليم والثقافة العالية، فصنعنا أكبر قرص "شنكليش" في العالم، وكان وزنه 200 كيلوغرام، بجهود أبناء ونساء القرية، وكل هذا بجهود ذاتية على الرغم من كل الصعوبات، وأهمها ضعف الإنترنت، وكان الانعكاس الجميل لمختلف الأعمال ومبادرة الموقع أن المغتربين تعرفوا تفاصيل الحياة اليومية للقرية، كما روج للمناطق الطبيعية والسياحية فيها، وبدأت الردود الإيجابية من الجميع، وطالبوا بالمزيد للتفاصيل السياحية لوضع خطط للزيارات السياحية المنظمة».

ساندي تعزف

هذه المبادرات لم تكن كل شيء بالنسبة له، فهو بالنهاية مدرّس ويجب أن يكون حاضراً في مجاله العلمي، وهنا قال: «على صعيد التدريس كان لي الكثير من المبادرات التدريسية والاجتماعية كانعكاس للعمل الأهلي الذي كنت أقوم به، فالحصة الدرسية بالنسبة لي عبارة عن ورشة عمل حقيقية تفاعلية أحب من خلالها طلابي في مادتي الفيزياء والكيمياء، وترقبوهما بكل شغف، وتميزوا بدرجاتهم الامتحانية، وهنا اعتمدت الاندماج مع الطلاب كصديق أبسّط المعلومات كثيراً، وأحاول الاستفادة من مواهبهم وقدراتهم في الحصة الدرسية، كالاستفادة من موهبة الطالبة "ساندي الصهيوني" بمجال العزف لتوضيح معلومات الأمواج الصوتية والاهتزاز».

ويتابع: «قمت بتنظيم رحلات علمية تعليمية ترفيهية بجهود ذاتية للتعرف إلى "جامعة الأندلس" في ناحية "القدموس"؛ لتشجيع الطلاب على التميز بمحصلاتهم العلمية والالتحاق بالجامعة بمختلف فروعها واختصاصاتها، وكانت القيمة المضافة الحصول على خمس منح تعليمية لمن يرغب من قبل كادر الجامعة».

مبادرة زيارة جامعة الأندلس

وكذلك كان للمدرّس "طوني" مبادرة تأسيس أول مشروع تربية أسماك بحرية خارج البحر، حيث قال: «كان هذا المشروع الأول من نوعه على مستوى البلاد العربية باستثناء مشروع في "دبي" الذي أسس في ذات العام مع مشروعي، وهو مزرعة أسماك بحرية تحتضن الأسماك من وزن 0.2 غرام إلى الوزن التسويقي 3.5 كيلوغرام، حيث كنت أحضر بذور السمك من نهر "مرقية"، وأضعها في أحواضي الصناعية على الشاطئ البحري، وأعتني بها، لكن المشكلة في اكتمال المشروع عدم دعمه من الجهات الرسمية وترخيصه وعرقلته دائماً، والأهم مشكلة مرور خطوط النفط ضمن نهر "مرقية" وتحصينها بالإسمنت؛ وهذا صعّب عبور الأسماك البحرية إلى المناطق المثالية النظيفة الدافئة في النهر للتكاثر، وأوقف المشروع بخسارة مالية كبيرة».

الطالبة "ساندي الصهيوني" أكدت أن الحصة الدرسية كانت ممتعة جداً من ناحية وصول المعلومات بكل سهولة، وتابعت: «عندما علم المدرّس "طوني" بموهبة العزف لديّ، طلب إحضار آلة الغيتار في إحدى الحصص، وطلب خلالها العزف عليه من دون أن يوضح الفكرة من ذلك، وخلال العزف بدأ يوضح لنا ما هي الأمواج الصوتية، وكيف تنتقل في الفراغ، وتحولت الحصة الجافة إلى تفاعلية علمية فنية تلامس الدرس بكل أبعاده، فبات فهمه مرسخاً بعقلنا، ناهيك عن أنها تشجيعية لي للمتابعة بموهبتي وصقلها».

المدرّس طوني أبو عيسى مع طلابه

المعمّر "جرجس كراز" من أهالي وسكان القرية، قال عما قدمه المدرّس "طوني" من مبادرات: «لقد نهضت هذه المبادرات بالحياة الاجتماعية للقرية، وجذبت أعين المغتربين إليها، فكل مناسبة كان يروّج لها عبر الموقع، كما أنها عرّفت الناس بالحياة التعليمية والثقافة العالية لأبنائنا، وكل هذا بمجهود كان في البداية فردياً منه، حيث استطاع أن يشحذ الهمم لدينا للمشاركة والمساعدة؛ وهذا أمر يحتسب له».

"غسان بشارة" من أهالي وسكان القرية، قال: «كانت فكرة الموقع الإلكتروني الذي حمل اسم القرية من المدرّس "طوني" محفزة لأهالي القرية لحفظ طقوسهم وعاداتهم التراثية وتوثيقها، ومحاولة المساعدة في الأعمال المجتمعية التي تهدف إلى النهوض بالقرية، فقد تمكّن من جذب الأهالي وحفّز طاقاتهم وشحذها للعمل التنموي».