نحت "هاني خليل" مجسّمات السفن البحرية على الكتل الرملية التي يشكلها يدوياً عن طريق الضغط، وركّب بقية أجزائها المعجونة بالمياه الحلوة قطعة قطعة، وهي حال بقية مكوناته الفنية، كالرسم المائي، والنحت الصخري.

الإعاقة لم تمنع النحات الفطري "هاني خليل" من التواصل معنا بكل جدّية وأريحية، حيث تحدث لمدونة وطن "eSyria" بتاريخ 11 حزيران 2017، بلغة الإشارة التي ترجمتها أخته "نجوى"، وأكد أن أول عمل رسمي قدمه كان بعمر اثني عشر عاماً، وتابع الكلام بلغة الإشارة: «عندما رسمت أول لوحة شاهدها مدرّس الرسم في مدرسة القرية بالمصادفة، فشدّته لعرضها بمعرض فني يشارك فيه الطلاب نهاية العام الدراسي، علماً أنني لم أكن يوماً طالب مدرسة نتيجة إعاقتي، وحينئذٍ أثنى الجميع عليّ؛ وهو ما شجعني على المتابعة ولو كانت بأوقات متقطعة. بعدها قدمت لوحة بالألوان المائية لمصفاة مدينة "بانياس" بأدق تفاصيلها، وكانت لوحة شبه متكاملة من المنظور العام، لكون "المصفاة" تطل على القرية.

في كل زيارة إلى البحر أقدم منحوتة مختلفة للسفن البحرية، لأن حلمي السفر بها، كما أنني أقوم بالسباحة الطويلة وصولاً إليها بهدف ملامستها والعودة إلى الشاطئ، وما ساعدني على ذلك بنيتي القوية السليمة

ولكثرة إعجاب الأقارب والأصدقاء وأبناء القرية بتلك اللوحة قررت نحت تفاصيل القرية على صخرة صغيرة موجودة في الطبيعة المجاورة لمنزلي، مستخدماً أبسط الأدوات لذلك، كالإزميل والمطرقة».

هاني خلال النحت على الرمل

ويتابع: «عمل القرية النحتي أعجب أحد الأصدقاء المقيمين في مدينة "طرطوس"، فطلب الاحتفاظ به لجماليته ودقة تصويره للقرية بمختلف مكوناتها، وأسماها "البانوراما الواقعية"، وبعدها عاودت الكرة على صخرة أكبر وأضخم، لتبقى تؤرخ تلك اللحظات التراثية من عمر القرية، وهي ما تزال موجودة حتى الآن في محيط القرية ضمن أحد المواقع الحراجية».

ربما عمله بمهنة التوريق "التلييس" كانت نتيجة حبه للنحت، لكن هذا لم يكن عائقاً أمامه لمتابعة شغفه بالنحت على الرمل الذي لا يعدّ سهلاً أو بسيطاً، وأضاف: «اعتدت زيارة البحر يومياً بعد الانتهاء من العمل، فأقضي نصف الوقت بالسباحة، والنصف الآخر بالنحت على الرمل بأدواتي البسيطة؛ المشحف والسكين، فأشكّل مجسّمات سفن في عرض البحر بحجم يصل إلى 1 متر مربع، حيث أبدأ بالهيكل السفلي ككتلة واحدة، ثم أعجن الرمل وأضغطه بيدي، وأنحته بالسكين لصنع الشكل المطلوب، ثم أقوم بتركيبه على الهيكل بدقة وعناية وترتيب، كما هو في السفينة الحقيقية أمامي ضمن المياه البحرية؛ وهذا شدّ زوار البحر لمتابعة المراحل والتقاط الصور، ونشرها على صفحات التواصل الاجتماعي».

المصور جعفر دلول

ويضيف: «في كل زيارة إلى البحر أقدم منحوتة مختلفة للسفن البحرية، لأن حلمي السفر بها، كما أنني أقوم بالسباحة الطويلة وصولاً إليها بهدف ملامستها والعودة إلى الشاطئ، وما ساعدني على ذلك بنيتي القوية السليمة».

ربة المنزل "ريما محمد" زوجته ومرافقته اليومية إلى شاطئ البحر، قالت: «في العام السابق نحت قلعة "المرقب" بأدق تفاصيلها، لكونها مطلة على الشاطئ البحر، واستخدم في ذلك المشحف والسكين فقط، إضافة إلى المياه الحلوة التي نحملها من المنزل إلى الشاطئ، لأنها -كما أشار- الأقدر على جعل الرمال متماسكة أكثر من المياه البحرية».

الكتلة الرملية التي نحتها على هيئة سفينة في عرض البحر

وتضيف: «"هاني" رجل طيب ومبدع، بدليل أن ما يقدمه يعجب الناس؛ وهذا يحفزه على تقديم المزيد من الإبداع، ومباشرة أمام الجميع، وبزمن قليل لا يتجاوز نصف الساعة في الأغلب؛ وهو دليل على تمكنه من العمل، وهو غير مكترث بإعاقته؛ لأن ما منحه إياه الله من براعة عوّضه عن إعاقته».

المصور الفوتوغرافي "جعفر دلول" متابع لمراحل عمل النحات "هاني" وموثق لها بحرفيته، قال: «الفنان "هاني" شخص يتميز بنظرة فنية إبداعية فطرية مستمرة مع تطويرها وبروزها في مختلف أعماله، فله رؤيته الخاصة بهذا المجال الفني، التي أراها مختلفة تماماً عن فنانين آخرين امتلكوا السمع والنطق، وخاصة في عرض التفاصيل الدقيقة على الكتل الصخرية والرملية؛ وهذا شدّني إلى توثيق أعماله بالرمل، ونشرها على صفحات التواصل الاجتماعي التي أحدثت صدى رائعاً».

يشار إلى أن "هاني علي خليل" من مواليد عام 1979 في قرية "دير البشل" بمدينة "بانياس".