ضريرٌ، لكن بصيرته المتقدة حمت عمل البحارة بدورات تخصصية، وأنقذت المصطافين من الغرق، فهو مؤسس منظمات إنسانية ومجتمعية وشبابية، ومكتب "وكالة سانا" الذي جمع أخبارها على الدراجة الهوائية.

ولد "أحمد محمد عثمان" ضريراً، وبقي سبع سنوات على هذا الحال، حتى شاء القدر عام 1947 أن تعرّض إلى حادث سقوط من ارتفاع، منحه البصر والعديد من الكسور والرضوض، وكانت بداية توجهه نحو العمل المجتمعي الإنساني.

حصل على العديد من أوسمة الشرف التي تزينت بأعماله وإنجازاته المجتمعية، ونال شهادات دبلوم من عدة منظمات دولية، وآخرها شهادة الدكتوراة الفخرية من "اتحاد منظمات الشرق الأوسط للحقوق والحريات"؛ وهذا دلالة على مكانته الدولية والعالمية في المجال الإنساني

مدونة وطن "eSyria" التقت بتاريخ 2 أيار 2017، "أحمد عثمان" وقال: «تلك المصادفة التي أدت إلى عودة البصر إليّ، رهنت من أجلها حياتي للعمل المجتمعي والإنساني، ومتابعة شؤون ذوي الاحتياجات الخاصة، وإقامة الرحلات الترفيهية والأنشطة المجتمعية بمبادرة ذاتية، معتمداً على المصروف اليومي لنا كفريق عمل.

أحمد عثمان في يسار الصورة خلال غرس شجرة الصداقة مع روسيا

أولى إنجازاتي في العمل المؤسساتي، المساهمة بتأسيس "اتحاد طلبة طرطوس" إلى جانب المهندس "سالم عيسى" والمرحوم "مصطفى الرز"، ونال اهتمامي الجانب الرياضي الجاذب للكثيرين من الشباب؛ فأسّست مجموعات رياضية قبل تأسيس أي نواة للاتحاد الرياضي، واستضفنا بطولة المصارعة الأولى على مستوى "طرطوس" عندما كانت تتبع إدارياً إلى محافظة "اللاذقية"، ومن ريعها أسّسنا مقرّاً رياضياً ساهم بتكوين نواة نادٍ رياضي حمل اسم المدينة بداية، ثم اسم "نادي الساحل" عام 1966.

كذلك كنت ضمن اللجنة التحضيرية لتأسيس المنظمة، فكوّنّا وفداً سورياً لاتباع دورة بمجال تأسيس المنظمات في "ألمانيا الديمقراطية" بمشاركة اثنتين وثلاثين دولة عالمية، وكنت الأول في الدورة».

الدكتور محمد عروس

يتابع: «بعد عودتي من "ألمانيا"، أطلقت دروس التقوية التعليمية ومسابقات للمواهب الفنية؛ بهدف استقطاب الجيل الشاب، وبلورة قدراته وتسليط الضوء عليها، ومن أبرز المواهب حينئذٍ كان الفنان "صفوان بهلوان".

وفي عام 1970، أصدر محافظ "طرطوس" قراراً بتسميتي مندوباً لـ"الوكالة العربية السورية للأنباء - سانا"؛ لنقل ونشر مختلف أنشطة وأخبار المحافظة، وكانت وسيلة التنقل الخاصة بي حينئذٍ دراجتي الهوائية.

الأستاذ أحمد عثمان خلال لقاء مدونة وطن

في عام 1975، أسّس فرع "منظمة الهلال الأحمر" في "طرطوس"، ودعيت إلى الاجتماع التأسيسي لإتمام إحداث الفرع، ولم يكن لدينا أدنى المعلومات عن أهداف ومبادئ المنظمة، وكان الاعتقاد أنها تتبع إى لوزارة الصحة، وهنا سعيت جاهداً للإحاطة بكافة التفاصيل وما يخدم المحافظة وينهض بها، لكوني توليت رئاسة الفرع، ونتيجة ما طرحته من رؤى وأفكار في أول اجتماع للمنظمة، رشحت للمشاركة في وفد المنظمة لحضور "مؤتمر السلم العالمي" في "بلغراد"، وحملنا رسالة "القنيطرة" ضحية البربرية الصهيونية بحضور أكثر من 190 دولة ومنظمة عالمية».

رجل المهام الصعبة سميّ، وخاصة في عام 1979، حيث ترأس الوفد السوري لمناطق النزاعات الدولية بين "إيران والعراق"، وكذلك الكوارث الطبيعية بهدف تقديم المساعدة، وهنا قال: «اقترحت باسم المنظمة على اتحاد جمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر في "الاتحاد السوفييتي" خلال أول زيارة بين وفود البلدين، إبرام معاهدة صداقة وتعاون بين المنظمتين تنصّ على تقديم منح دراسية في مجال الطب البشري؛ لأن كوادرنا تحتاج إلى تأهيل علمي في مجال الطب والإسعاف والتعامل مع الكوارث، وهذا تمّ بمعدل منحتين دراسيتين في كل عام».

ولمقرّ فرع المنظمة في "طرطوس" حكاية انتماء إلى العمل الإنساني بطلها رئيس الفرع "أحمد"، قال عنها: «على الرغم من تأسيس فرع المنظمة في "طرطوس"، لم نملك مقرّاً لممارسة أعمالها بخصوصيتها المتعددة؛ وهذا دفعني وبمبادرة شخصية إلى عملية تسويق لكتابين للكاتب "سليم نعامة" ضمن جميع المحافظات، أحصل من خلالها على ليرة سورية عن كل نسخة، تعود لمصلحة فرع المنظمة؛ وهو ما مكّنني بعد ثلاثة أشهر من العمل المتواصل من جمع ستين ألف ليرة سورية خصصتها لشراء مقرّ سجّل باسم الفرع».

وعن موضوع استضافة المنظمة للمخيمات الشبابية، قال: «استضافت المنظمة لأول مرة بتاريخها مخيمات للشباب المتطوعين في "الهلال الأحمر" على مستوى منطقة "الشرق الأوسط" وشمال "أفريقيا" ودول "الاتحاد الأوروبي"، أولها عام 1999، وثانيها عام 2006، وأقيما في "شاليهات الكرنك"، وثالثها عام 2007 على مستوى حوض "البحر الأبيض المتوسط"، وأقيم في "كفر سيتا"، ونتيجة هذه المخيمات تحمست لإنشاء مخيم دائم في "طرطوس"، يحتضن المخيمات الشبابية، ويوفر المال والجهد على المنظمة، وفعلاً أنشئ "مخيم بانياس للتدريب والتأهيل للشباب المتطوع" في الهلال، على أرض مساحتها خمسة عشر دونماً، وبأفضل التجهيزات».

أما عن مشروع حماية البيئة على طول الشاطئ البحري، فقال: «طول شاطئنا نحو 180 كيلومتراً، ومن المعيب أن يبقى من دون استثمار، ومن أهم مقومات الاستثمار السياحة الشعبية زهيدة الثمن، لكن هذه السياحة تُخلّف الكثير من البقايا والفضلات التي تنعكس سلباً على العملية السياحية، إضافة إلى ما يفرزه البحر من بقايا، ومن هذا المنطلق أعلنّا مشروع الحماية للمحافظة على شاطئ نظيف قابل للاستثمار السياحي عبر حملات تطوعية لتنظيف مختلف المواقع، وكان لها أثر إيجابي لبّى الفكرة العامة.

ومن ناحية أخرى، في كل موسم صيفي يحدث الكثير من حالات الغرق البحري والنهري؛ وهذا دفعني إلى تدريب الشباب على عمليات الإنقاذ المختلفة عبر مختصين من "الصليب الأحمر الإسباني"، في مبادرة هي الأولى من نوعها، وفرت أدوات إنقاذ لستة مراكز على طول الشاطئ السوري، فحقّقتُ هدفين من ذلك؛ الأول تقليص حالات الغرق إلى أدنى المستويات، وإنقاذ حياة 6500 شخص، والثاني تأمين فرص عمل للشباب المنقذين في مختلف المنتجعات والمسابح والشواطئ المفتوحة».

أما عن الدورات الحتمية للبحارة العاملين على السفن البحرية، فقال: «كثر هم العاملون السوريون البحارة الذين تعرضت عمالتهم البحرية إلى التوقف نتيجة عدم اتباعهم للدورات الحتمية للحماية من الكوارث البحرية، التي تقدمها منظمة "الإيمو"؛ لتكلفتها المرتفعة، وتحدث البحارة معي عن إمكانية تنفيذ هذه الدورات محلياً وباعتراف دولي، وفعلاً سخّرت نفسي على مدار عدة أشهر للبحث بهذا الأمر بين عدة جهات وصائية، حتى تمكّنّا من إصدار قرار بتكليف فرع الهلال في "طرطوس" لتنفيذ هذه الدورات على مستويات عالمية وفق وثيقة رسمية».

وفي لقاء مع الكابتن الرياضي "شفيق حمادة" الذي واكب جزءاً من حياة "أحمد عثمان"، قال: «لعب "أحمد" دوراً مهمّاً في رعاية المواهب الثقافية والفنية الشابة، وقدّم الكثير من الدورات الإعلامية عندما كان أميناً لفرع الشبيبة في المحافظة، وكان نصيراً حقيقياً للفقراء ضمن عمله في "الهلال الأحمر"، وله العديد من المبادرات المجتمعية والإنسانية القائمة حتى الآن بنتائجها، التي نهضت بالمنظمة الفقيرة إلى منظمة لها رصيدها الكبير المادي والمعنوي».

أما الدكتور المهندس "محمد عروس"، الذي واكب عمل "أحمد عثمان" في المنظمة، فقال: «حصل على العديد من أوسمة الشرف التي تزينت بأعماله وإنجازاته المجتمعية، ونال شهادات دبلوم من عدة منظمات دولية، وآخرها شهادة الدكتوراة الفخرية من "اتحاد منظمات الشرق الأوسط للحقوق والحريات"؛ وهذا دلالة على مكانته الدولية والعالمية في المجال الإنساني».

يشار إلى أنّ "أحمد محمد عثمان" من مواليد "حيّ الميناء"، عام 1941.