تميّزت بفصاحتها وحبّها لفنّ العمارة، فآثرت دراستها أكاديمياً لتعمل بها واقعياً، فنظّمت مدينة "طرطوس"، وأشرفت على مشاريعها الحيوية، ومثّلت بلادها عربياً ودولياً، فكانت المكرمة والمهندسة المعمارية الأولى.

عاشت المهندسة المعمارية "نهى بشور" بين ستة إخوة، وانتقلت للعيش وأسرتها في "دمشق" نتيجة عمل والدها مديراً للمصرف الزراعي، وكان طلب العلم مشروعاً لها، حيث درست الإعدادية والثانوية فيها، وحين تفوقها في الثانوية اختيرت لتمثيل بلادها ضمن احتفالات عيد الوحدة في "مصر"، وتابعت لمدونة وطن "eSyria" بتاريخ 9 شباط 2017: «في احتفالية "عيد الوحدة" أدينا عرضاً فنياً راقصاً على أنغام "رقصة السماح"، وكان لهذه الزيارة أثر كبير في نفسي، وخاصة بعد متابعة فنّ العمارة الرائع للمباني القديمة والقصور الملكية في "القاهرة" و"الإسكندرية"، ومن هنا كانت الانطلاقة في عشق العمارة كفنّ راقٍ».

في احتفالية "عيد الوحدة" أدينا عرضاً فنياً راقصاً على أنغام "رقصة السماح"، وكان لهذه الزيارة أثر كبير في نفسي، وخاصة بعد متابعة فنّ العمارة الرائع للمباني القديمة والقصور الملكية في "القاهرة" و"الإسكندرية"، ومن هنا كانت الانطلاقة في عشق العمارة كفنّ راقٍ

تميّزت بفنّ الخطابة، وعليه اعتلت المنابر الخطابية في المناسبات الوطنية والقومية، وهنا قالت: «البيئة الاجتماعية الأسرية، وتشجيع الأهل، ساعدا على تنمية الشخصية القوية التي توافقت مع ما ملكت من فصاحة لغوية وجرأة ووضوح في التقديم أمام الناس، وخاصة المثقفون والأدباء، أمثال: "نازك الملائكة"، و"كوليت خوري"، و"إلياس فرحات" الذين أثنوا على ما كنت أقدمه من خطابة وشعر في المناسبات الوطنية».

المهندسة نهى مع زوجها المهندس أدمون الشماس

بعد الثانوية دخلت كلية الهندسة قسم الديكور، لكن هذا كان بعيداً عن رغبتها التي أوضحتها بالقول: «دخلت هندسة الديكور ولم أجد شغفي فيها؛ لأنّ فنّ العمارة المطبوع في مخيلتي من زيارة "مصر" لم يفارقني، وصارحت والدي بهذا، ورغبتي بدراسة هندسة العمارة، علماً أنها موجودة فقط في جامعة "حلب"، فكان لي ما أردت، حيث أعدت التسجيل في هندسة العمارة عام 1966 نتيجة درجاتي المؤهلة لذلك، وتابعت دراستي فيها برفقة سكنية مع والدتي حتى التخرج عام 1970، وكنت الثالثة على ثلاثة عشر طالباً سورياً وعربياً يدرسون بذات الكلية، حيث عينت بمرسوم جمهوري من الرئيس الراحل "حافظ الأسد" كأول مهندسة معمارية في المحافظة ضمن بلدية "طرطوس"، كان حلمي إثبات شخصيتي ووجودي في العمل أمام الأمانة التي حملتها لتأسيس عمل منهجي للبلدية البسيطة بكل شيء في تلك الأوقات».

وتتابع عن انطلاقة العمل الممنهج من دون كلل أو ملل، فتقول: «بعد تزوجي من زميلي المهندس "أدمون الشماس" انطلقت للعمل، وكنت أول رئيسة تخطيط وإشراف على المخطط التنظيمي للمدينة، وكذلك أعددت أول كتاب لنظام ضابطة البناء، وعينت رئيسة مكتب الأبنية والرخص والمخالفات، لما ملكته من روح المبادرة في العمل والجرأة في متابعته مهما كانت الصعوبات والعوائق، وكل هذا بهدف المحافظة على روح العمل الوطني بعيداً عن التقييد الوظيفي، فشقت الشوارع التنظيمية، واخترقت المدينة لتجميلها وتنظيم حركتها، وأنشأت الحدائق كرئة لها، ومنها: (الكورنيش البحري، والكورنيش الشرقي، وشارع المحطة، وشارع الثورة، وحديقة الباسل)، كما قمت بدراسة وإشراف على "القصر البلدي" و"سينما الكندي"، مع ساحتي "النجمة" و"المشكبة" و"المجمع الحكومي"، وبعدها كوّنت لجنة دائمة لدراسة المشاريع السياحية في المحافظة، وإعطاء الرخص لها، وكنت خبيرة المحافظة في تخطيط المدن والعمارة حتى سن التقاعد. كذلك في عام 1988 تم افتتاح مكتب استشاري للسيد المحافظ وكنت فيه الخبيرة والمستشارة لشؤون بلديات المحافظة».

من المدينة القديمة التي ساهمت بتجميلها وتوظيفها سياحياً

وتضيف: «في عام 1989 عهد إليّ رئاسة لجنة الاستقبال والتنظيم لمهرجان "العلوم" الثالث عشر عند العرب، الذي أقيم في "طرطوس"، وقمت أثناء الإعداد له بترميم مركزي الثقافة في "طرطوس" و"بانياس"، وتلقيت براءات تقدير وشكر من مدير التراث العلمي العربي، ورئيس جامعة "حلب" والمحافظ، كما تم في عام 1989 تكوين لجنة حماية مدينة "طرطوس القديمة"، وتم تعييني رئيسة للمكتب الفني حتى تقاعدي عام 2004، وهنا نتيجة عملي في "المدينة القديمة" وبأعمال الدراسات والتوثيق وفتح الأقبية المهجورة وتعزيلها وترميمها، أقيمت بعدها سنوياً المهرجانات السياحية القطرية وأسواق المهن اليدوية لكافة المحافظات واللقاءات الأوروبية للتعريف بهذه المدينة».

في عام 1997 وبقرار من رئيس مجلس الوزراء تم إيفاد المهندسة "نهى بشور" إلى مدينة "بواتيه" في "فرنسا"، حيث قالت عن هذا الإيفاد: «أوفدت إلى "فرنسا" كرئيسة للوفد السوري للمشاركة في معرض اللقاءات الدولية وتنظيم الجناح الخاص ببلدي، والهدف إظهار المعالم الأثرية والسياحية والفنون الشعبية، ولنجاح المشاركة نلت عن وفد بلادي الميدالية الذهبية، وعن جميع المشاركين في اللقاء من دول العالم. وأذكر أن من قدمها كان عمدة "باريس" بمنحي الكأس الذهبي».

مع السيدة الأولى أسماء الأسد خلال تكريمها

النجاح العملي والمهني لم يكن كل شيء في حياتها، بل كانت أيضاً ربة المنزل والأم، حيث قالت: «حاولت بكل عزم أن أكون الزوجة والأم المثالية، وعليه قدمت التربية الحسنة لأبنائي، وأدركت صناعة جميع أنواع المأكولات كما بقية السوريات، وكنت حسنة اللفظ والفكاهة، وهذا ينطبق على بيئتي المجتمعية، حيث قدمت مع مجموعة من زملائي أجمل حفلات نقابة المهندسين، وكنا نحضّر لها في منزلي لأكون بقرب أسرتي ودراسة أبنائي الذين أصبحوا أكاديميين متميزين في عملهم الحالي».

وتضيف: «أتممت التوثيق الكامل للمدينة القديمة بجدّ ومثابرة وعناء، ونفذت مخططاً عقارياً وتنظيمياً للوضع الراهن طال البنى التحتية والنواحي الهندسية والسكانية والاجتماعية والأثرية وسلّم لمجلس المدينة، وفي عام 2004 وبعد التقاعد بدأتُ العمل الهندسي في مكتب حر، وقمت بجهد شخصي وعمل إبداعي مكلف بنقل عمليات التوثيق الكاملة للمدينة القديمة منذ نشأتها حتى تاريخ اليوم، لحفظها من الزوال والخراب».

وفي لقاء مع الفنانة التشكيلية "تمام المقدم" المواكبة لعمل المهندسة "نهى" قالت: «تشرفت بالعمل مع أول مهندسة معمارية في المحافظة ضمن "المدينة القديمة"، وكانت مثالاً يحتذى بالعمل والنشاط، حيث قدمت خبرتها الواسعة، وكل ما وصلت إليه لخدمة هذه المدينة، حيث دخلتها عندما كانت كلها أقبية ومواقع ملأى بالنفايات، فعملت مع فريق متكامل بذمة وضمير ونشاط قل نظيره لإعادة تأهيلها، لتصبح قابلة لاستقبال المعارض والنشاطات الثقافية، وأعادت إليها ألقها».

أما المهندس "محمود حاج فتوح" رئيس "بلدية طرطوس" السابق، فقال: «تميزت معاملتها بالإنسانية، وتصدرها لمساعدة أهالي المدينة القديمة دوماً وتسيير أمورهم ضمن مجال عملها وغيره، ومن أهم إنجازاتها "كتاب توثيق المدينة القديمة" كوثيقة تحفظها من العبث. وعلى المستوى الاجتماعي كانت سيدة مجتمع قدمت أفراداً أكاديميين يفخر بلدنا بهم».

يشار إلى أنّ المهندسة "نهى عزت بشور" من مواليد "صافيتا"، عام 1943، وقد كرمت عام 2008 بمناسبة "عيد الأم" من قبل السيدة "أسماء الأسد"، كأم مبدعة في مجال العمل الوطني، كما كرمت من قبل نقابة المهندسين المركزية لدعمها في رفع راية الهندسة، وكذلك اختيرت المرأة النموذج لـ"سورية" ضمن حملة "الأيادي البيضاء لنصرة المرأة"، حيث بث البرنامج على سبعين محطة فضائية عربية، كما طبع لها كتاب "توثيق المدينة القديمة في طرطوس" بالتعاون بين المحافظة ووزارة الإدارة المحلية والاتحاد الأوروبي والمفوضية الأوروبية، ووضعت النسخة الأولى في منظمة "اليونسكو" في التراث العالمي.