عشق "محمد هيكل" السفر، واهتمّ بالعمل الأثري، وحقّق توازناً مع بعثات التنقيب الأجنبية، وكان لمنهجية العمل التي اتّبعها أثر كبير في اكتشافات مهمة. وارتبط اسمه بخصوصية استخدام الفخار كتوابيب إنسانية الشكل.

الباحث الأثري "محمد رئيف هيكل" الذي ارتبط اسمه بموقع "عمريت" الأثري -كما قالت المنقبة في الآثار "لميس أسعد"- له الفضل في الكثير من المكتشفات التي تصنّف بفرادتها على مستوى العالم، كما له باع طويل في وضع أسس العمل الأثري، فقد تعلّمت منه مبادئ العمل الميداني، وتابعت: «الآن أعود بالحديث إلى ما يزيد على عقدين من الزمن، حيث كانت أبواب العمل بعد التخرج في معهد الآثار والمتاحف مغلقة تماماً، فقصدت المتحف وبذهني لقاء رجل صعب ومختلف عما أعرفه نتيجة المنصب وطبيعة العمل، لكن الواقع كان مختلفاً تماماً؛ فالرجل يرتدي الحذاء البلاستيكي، ويمتلك ذهنية مختلفة عن التصوّر المسبق، حيث قال لي: "إن أردت العمل، عودي غداً"، وفعلاً في اليوم التالي كانت الانطلاقة تجاه تعلم منهجية العمل الأثري والإحساس بالقطع المكتشفة وتصويرها وتوثيقها وحمايتها، وبمعدّات بسيطة جداً، أبرزها: المتر، و"المنكوش" الصغير، و(المشحاف)».

لقد ارتبط اسم الباحث "محمد هيكل" باسم موقع "عمريت" الأثري؛ لأن له فضل اكتشاف المرفأ فيها، وإثبات فرضية المدن الثلاث التي وضعها، وبحث في آلية ري تلك المدن المتفرقة الجغرافية من نبع واحد بعيد عنها هو "نبع الحياة"، فتمكّن من اكتشاف القنوات الفخارية التي كوّنت شبكة ري معقدة التصميم وفريدة

وتتابع: «لقد ارتبط اسم الباحث "محمد هيكل" باسم موقع "عمريت" الأثري؛ لأن له فضل اكتشاف المرفأ فيها، وإثبات فرضية المدن الثلاث التي وضعها، وبحث في آلية ري تلك المدن المتفرقة الجغرافية من نبع واحد بعيد عنها هو "نبع الحياة"، فتمكّن من اكتشاف القنوات الفخارية التي كوّنت شبكة ري معقدة التصميم وفريدة».

المهندس مروان حسن

وعلى الرغم من كل هذه الاكتشافات، إلا أن حلم الباحث في الآثار "محمد هيكل" لم يكن بالعمل الأثري، بل كان بالسفر إلى مختلف البلدان العربية والأجنبية، قال في حديثه لمدونة وطن "eSyria" بتاريخ 17 تشرين الثاني 2016: «منذ الصغر وأنا أحلم بالسفر بغرض التعرف إلى الحضارات والثقافات العربية والأجنبية؛ لذلك درست التاريخ، وجهزت نفسي لهذا اليوم، لكن الأقدار غيّرت كل شيء، وألزمتني منذ البداية في العمل بالتنقيب الأثري، وهنا وقفت أقاطع بين حلمي وما يمكن تحقيقه على أرض الواقع، فوجدت الكثير من النقاط المشتركة، وعليه انطلقت بالعمل وبشغف كبير، حيث كانت البداية ضمن مواقع متعددة في الجزيرة السورية، منها: تل "السويحات"، وتل "مرديخ" على سبيل المثال لا الحصر، مع بعثات التنقيب الأجنبية والبروفسور "باولو ماتييه" وزوجته "كابرييلا"، ولا أنسى الدكتور "نسيب صليبا" بخبرته وحرفيته العالية بالتوثيق والتسجيل والتصوير.

وبدأت أنهل منهم طرائق وآلية العمل بالتنقيب الأثري، وتنظيم الوقت واحترامه، وأطبقها بحرفيتها، وكنا فريق تنقيب رائعاً ومتعاوناً، وعملنا في مختلف المواقع الأثرية بمنهجية علمية وشغف المعرفة، على الرغم من ضعف الإمكانيات المادية المتوفرة للتنقيب».

الباحث الأثري محمد هيكل

وعن واقع العمل في ظل الضعف المادي وقلة الكوادر البشرية العاملة، وكيفية التعامل مع هذه الظروف، أضاف: «حاولت أن لا أكون موظفاً تقليدياً، وعليه تحملت نتائج قراراتي ومبادراتي في العمل، وتنفيذها على أرض الواقع؛ لأن قرار الوظيفة بالنسبة لي لم يكن يعني شيئاً طالما أنني مصمّم على العمل بشروطي ورؤيتي الواقعية التي اكتسبتها من البعثات الأجنبية؛ وهذا كبدني الكثير من الأعباء المالية، ومع هذا الأسلوب وجدت نفسي وحققت سعادتي على مدار تسع وعشرين عاماً».

أما عن التخطيط للوصول إلى الإنجازات التي أرّخها التاريخ، فقال: «مدينة "طرطوس القديمة" لم تنل الاهتمام اللازم حتى الآن، وبداياتي معها كانت من جولة لأقبيتها عندما كنت مدير دائرة الآثار، حيث قررت تقديم مقترح استملاكها بغية رفع المستوى الصحي لطبيعة الحياة فيها، وفعلاً صدر المرسوم رقم 145 القاضي بذلك، وبعدها درست البعثة الألمانية المدينة بالكامل، ووضعت الرؤى الحقيقية لكيفية العمل بآثارها وترميمها، حيث باشرنا العمل الذي استمر لسنوات».

ويتابع: «من أبرز ما أجده إنجازاً في التنقيب الأثري كان في موقع "القضبون" شرقي مدينة "القدموس" بنحو عشرة كيلو مترات، حيث ظهر معنا خلال عمليات التنقيب معبد وتمثال "الإله بعل"؛ وهو اكتشاف فريد من نوعه، أثرى قائمة الحضارات التي استوطنت هنا، ومنح عملنا الأثري قيمةً مضافة.

كما أن أعمال التنقيب جنوب مدينة "طرطوس" أدّت إلى اكتشاف مدافن "عازار" وتوابيت فخارية إنسانية الشكل، وهي فريدة من نوعها على مستوى العالم، إضافة إلى اكتشاف الرخامية، وبذلك بدأت إثبات نظريتي القائلة إن "عمريت" ليست مجرد مدينة واحدة، وإنما هي ثلاث مدن متوزعة في عدة مواقع متقاربة، وأدّى هذا إلى اكتشاف قناة فخارية بطول 260 متراً، واصلة بين نبع "الحياة" والمرفأ المكتشف أيضاً خلال إحدى بعثاتي التنقيبية، وبذلك أكون قد اكتشفت وفريقي "عمريت التل" و"عمريت البحر" و"عمريت المشتل الزراعي" الذي ظهرت فيه لوحتان فسيفسائيتان نقلتا إلى متحف "أرواد"».

وفي لقاء مع المهندس "مروان حسن" المدير السابق لدائرة آثار "طرطوس"، قال عن معرفته بالباحث "هيكل": «لقد عمل الباحث الأثري "محمد هيكل" في البداية ضمن ظروف صعبة جداً ناتجة عن عدم توفر الإمكانيات المادية والطاقات البشرية للقيام بعمليات تنقيب مثمرة، ومع هذا فقد قدم الكثير الذي يمكن أن نفخر به أثرياً على مستوى العالم، إضافة إلى أنه كان خير من عمل مع البعثات الأثرية التنقيبية الأجنبية بمنهجية علمية أكاديمية اكتسبها بشغف ومحبة العمل، وبزمن قياسي، وضمن مختلف المحافظات السورية، ليغدو بعد عودته إلى "طرطوس" صاحب باع طويل في الإدارة والتوثيق الأثري، ويترأس إدارة متحف "طرطوس"، حيث كانت تسميته في تلك المدة "محافظ متحف طرطوس"، فوثق آلاف القطع الأثرية، ونظم آلية العمل فيه بروح الفريق الواحد، وكان الأب والمعلم لعشاق الآثار والعاملين فيها».

بقي أن نذكر، أنّ الباحث الأثري "محمد رئيف هيكل" من مواليد "طرطوس"، عام 1940، وله عدة إصدارات، منها: "دليل متحف طرطوس" باللغتين العربية والفرنسية، و"التوابيت إنسانية الشكل" باللغتين العربية والفرنسية، و"أرواد تاريخ وحضارة"، و"عمريت والاستيطان البشري في سهل عكار"، و"بانياس والمرقب"، و"بانياس وقلاعها"، و"القضبون - بعل"، كما حصل على شهادة تقدير لثلاث سنوات متتالية.