حافظ المدرّس "علي حسن" على موروث جدّه من محبة التحصيل العلمي ومساعدة الناس، فحصل على الثانوية عام 1964، على الرغم من صعوبة الظروف، واعتمد أسلوباً خاصاً بالتدريس والحياة ما بعد التقاعد، فرسّخ فكرة البستنة وما بعدها.

المدرّس المتقاعد "علي عبد الحليم حسن" ابن قرية "العليقة" في ريف مدينة "بانياس" كان السبّاق في كل شيء أقدم عليه، انطلاقاً من التحصيل العلمي وانتهاءً بالزراعة، وهنا قال لمدونة وطن "eSyria" بتاريخ 24 آب 2016: «لم تكن بدايات تحصيلي العلمي سهلةً كما يظنّ بعضهم، فقد كانت غاية في الصعوبة لندرة المدرّسين والمدارس؛ وهو ما اضطرني للتنقل ما بين قريتي وقرية "نحل العنازة" يومياً ولمسافة أربعة كيلو مترات وتزيد، وهذا بحدّ ذاته كان حافزاً للمتابعة بالنسبة لي؛ لأنّ ما ورثته من جدي الشيخ "علي حسن ناصر" من محبة التعلم والثقافة كان هدفه تكريس حالة اجتماعية فكرية تنويرية بالنسبة لي، فكنت أول من يحصل على الشهادة الثانوية في قرية "العليقة" عام 1964، وعليه كنت أوّل مدرّس من القرية.

أنا لست مع الدروس الخصوصية عندما تكون وسيلة استغلال المدرّس للطالب، ولكني معها كفكرة تقوية عامة، علماً أن هذه الظاهرة لم تكن موجودة خلال مدة تدريسي وحتى عام 2005 حين التقاعد

اعتمدت على ذاتي منذ الصغر في تحصيلي، وما أذكره في سنّ العاشرة أنني قصدت مدينة "بانياس" لتقديم امتحان الشهادة الابتدائية وحيداً، وتابعت المرحلة الإعدادية في قرية "طواحين بيت الحكيم" التابعة لمدينة "جبلة"، وكان عليّ السير نحو أربع ساعات يومياً، واستمرت معاناتي بالسفر والتنقل إلى ما بعد حصولي على شهادة التدريس من "معهد الصف الخاص" في "اللاذقية"، حيث عيّنت بمحافظة "الحسكة"، ثم انتقلت إلى منطقتي والقرى المحيطة بها».

المدرّس علي حسون

هذه المعاناة في التحصيل العلمي كان لها آثارها الإيجابية في عملية التدريس التي انتهجها، وهنا قال: «في تلك الفترة كانت الأوضاع الاقتصادية متردية جداً، ومع هذا كان لمن يرغب من الأهالي بتعليم أبنائهم أمر واحد؛ وهو الاستدانة حتى بدء إنتاج الموسم الزراعي، وعليه كان عليّ التفكير كثيراً بواقع المجتمع ومحاولة مساعدته بانتهاج التحصيل العلمي للنهوض بالواقع الاقتصادي.

فدرّست في قرية "التون الجرد" ثلاثة صفوف معاً لأتمكن من تحقيق فائدة مستمرة مع الطلاب، وشجّعت الأهالي على بناء مدرسة بمجهودهم المجتمعي وساهمت معهم، وبذلك حققت عدة أمور؛ أهمّها تحريض الأهالي على الاهتمام بالتحصيل العلمي، ومساعدتي بإنشاء جيل متعلم ندرت فيه حالات الفشل، حيث اعتمدت أسلوباً خاصاً أساسه ترسيب الطالب الضعيف في الصف حتى يتقوى في السنة التالية؛ فيقدم على صف أعلى مكتنز للكثير من المعلومات، علماً أنني واجهت معارضات من قبل بعض الأهالي، ومنهم أحد أصدقائي المقرّبين عند ترسيب ابنه، حيث انعكست هذه السياسة عليه إيجاباً، وهو حالياً مدرّس ناجح في القرية.

جانب من قرية العليقة

وذات الأسلوب اتبعته في دولة "اليمن" حين كنت معاراً فيها ضمن منطقة "ملح"، وهناك عارضني شيخ شيوخ المنطقة على ترسيب ابنه، وكنت أوّل مدرّس يرسّب طالباً في المنطقة، ولكن عندما أوضحت للشيخ السبب والنتيجة وقف بجانبي لمتابعة هذا الأسلوب؛ وهذا من شأنه خلق صورة ذهنية رائعة عن المدرّسين السوريين في "اليمن"».

لم يعطِ المدرّس "علي" الدروس الخصوصية؛ لأنّ له موقفه الخاص منها، قال فيه: «أنا لست مع الدروس الخصوصية عندما تكون وسيلة استغلال المدرّس للطالب، ولكني معها كفكرة تقوية عامة، علماً أن هذه الظاهرة لم تكن موجودة خلال مدة تدريسي وحتى عام 2005 حين التقاعد».

المدرّسة رزان مع زوجها الدكتور مضر

عمل المدرّس "علي" بعد تقاعده في بستانه الصغير الذي يعدّه المدرّس "علي حسون" أوّل حقل زراعي في القرية يحمل مقومات البستان، وهنا قال: «كان اهتمامه يصب في العناية بالأشجار، حيث كان أول من رسخ فكرة البستان الصغير كحقل زراعي للأشجار المثمرة، فزرع أشجار التفاح والكرز والخوخ، بمعدل 100 شجرة تقريباً من كل صنف، علماً أن فكرة زراعة الأشجار المثمرة كانت رائجة، ولكنها ضمن الحدائق المنزلية وبشكل إفرادي لحاجة المنزل فقط، وليس للاستثمار الاقتصادي، وهذا تطلب منه إنشاء أول "برّاد" فاكهة في القرية عام 1992 لتخزين الفائض لمواسم وشهور تقل فيها هذه الأصناف».

أما فيما يخص مسيرته التدريسية، فقال المدرّس "علي حسون": «من خلال عمله التدريسي مثّل وجدان المدرّس المنتمي إلى التعليم، فكان همّه أكبر من مهنة التعليم، لبناء جيل متعلم ومثقف، وقد نجح بذلك بجدارة، حصد نتائج ذلك على الصعيدين الشخصي من خلال أبنائه الأطباء والمهندسين، والمجتمعي باحترام الجميع له، وتقديرهم لمسيرته التعليمية وعطائه، فقد امتلك حجة الإقناع بمنطق رزين ومقرّب من جميع الفئات العمرية، ويمكن أن تكون هذه الأمور موروثاً اجتماعياً من جدّه "الشيخ علي حسن ناصر" القاضي الاجتماعي للقرية، بعقلانية كلمته المسموعة بين جميع أبناء القرية».

أما المدرّسة "رزان محمد"، فقالت: «كان للمدرّس "علي" الفضل بمشورته في بناء جامع القرية و"المبرة" الخاصة بالتعزية، كما تميز بذكاء وإتقان فنّ الحوار مع الطلاب لتزويدهم بالمعلومة والمعرفة المترتبة عليها، كما أسس أول حقل إرشادي في القرية، فكان بخبرته وثقافته الزراعية مصدر المعلومة للمزارعين الجدد، إضافة إلى أنه أول من زرع أشجار الكرز في القرية، وتعامل معها كزراعة اقتصادية عام 1975، لذلك كانت خدماته التدريسية والزراعية لا غنى عنها».