رغبت منذ نشأتها بالتحصيل العلمي والمعرفي، فكانت من أوائل السيدات اللواتي مارسن مهنة المحاماة ووقفن أمام القضاة للمرافعة ضمن محافظتها، استطاعت تجاوز البدايات الصعبة بالتحدي والجرأة، فدافعت عن الجرائم الأخلاقية.

المحامية "فتاة خضور" التقتها مدونة وطن "eSyria" بتاريخ 20 تموز 2016، وتحدثت عن أولى قضاياها التي رافعت بها أمام القضاة، والتي تعدّ من أصعب القضايا العامة، فأثبتت دور المرأة في العمل المهني، وتقول: «من طبيعتي البساطة والطيبة التي عشت وترعرعت عليها في منزلي وبيئتي القروية، وهذا ما لا يتناسب ومهنة القوانين والمتاعب، فأول دعوة دافعت عنها كانت لشخص اشترى لأبنائه ثياباً وأغراضاً من أسواق مجاورة، حيث أوقف بحجة التهريب، فزرته في زنزانته وأنا أشعر برهبة الموقف والخوف من رجل الشرطة، فأوحيت لذاتي بالقوة والقدرة على تجاوز الموقف، وفعلاً تجاوزته، وبعدها وقفت أمام القاضي ودافعت عن موكلي ضمن مرافعتي الشفهية بكل ما أستطيع، فحصل موكلي على البراءة، وهذه من أصعب الدعاوى التي يبدأ بها المحامي مهنته.

عملت على تحقيق وحماية حقوق الأسرة، وقدمت محاضرات كثيرة في هذا المجال، وساهمت بتوضيح أهمية هذا القانون ودورة المرأة الريادي في المجتمع، كما أكدت على حقوقها بقانون الأسرة المدني، وكيف يجب أن تكون مدركة لحقوقها وحقوق أسرتها، وهذا لاقى الاهتمام الكبير والتشجيع من قبل ربّات المنازل

أما الدعوة الثانية التي حصلت عليها مباشرة وضمن أقل من شهر، فكانت أخلاقية ومحرجة جداً للأنثى، وحين المرافعة طلب مني القاضي أن أخرج من الجلسة حفاظاً على حيائي، فقلت له كيف أدافع عن الحق وأنا أخجل منه، فهي رسالة إنسانية وأخلاقية، وعليه بقيت في القاعة ودافعت عن موكلي حتى حصل على إدانة للطرف الثاني المدعى عليه، وحينها أثنى عليّ القاضي وزملائي في العمل لجرأتي وقوة شخصيتي».

المحامية فتاة خضور مع نقيب محامي طرطوس محمد كناج

هذه الجرأة والقوة في الحصول على المبتغى كانت من منطلق الساعي خلف الحق والحقيقية، وكان لوالدتها دور في ذلك، وتقول: «في البداية درست الابتدائية في قريتي "كفرون حيدر"، وتابعت الإعدادية في "كفرون سعادة"، والثانوية في ناحية "مشتى الحلو"، وكنت الفتاة الوحيدة حينئذ التي تخرج من قريتها لطلب العلم، والتشجيع الأساسي لي كان من والدتي التي كانت تقول لي: "عليك أن تدرسي، وعلينا أن نقدم لك كل ما تحتاجين إليه"، مع أننا عائلة كبيرة بعدد أفرادها، علماً أنني لم أحظَ بذكاء كبير لمتابعة التحصيل العلمي، وإنما أمتلك محبة كبيرة للتعليم، حيث كان الهدف تحقيق شيء من هذا التحصيل العلمي محبة بوالدتي، حيث كنت أقصد مدرستي سيراً على الأقدام في مختلف الظروف الجوية، وكانت المتعة سبباً في ذلك.

انتسبت إلى كلية الحقوق في "جامعة دمشق" عام 1973، وتابعت دراستي في المنزل نتيجة ظروف عائلية معينة، وحصلت على الإجازة بعد أربع سنوات، وكان حلمي حينها الحصول على وظيفة وليس ممارسة المهنة، وبتشجيع من الأستاذ "محمود بركات سعود" -رحمة الله عليه- تدربت وسجلت في النقابة، وبدأت ممارسة المهنة بعدها، ولقيت التشجيع الكامل والمساعدة من الزملاء في العمل، وحتى من النساء في طريق السفر ما بين العمل والمنزل، حيث باتت النساء ينتظرنني ليثنين عليّ ويشجعنني، لكوني كنت الحالة الأولى في المنطقة».

المحامي عبد الكريم يوسف

وتضيف: «لم يكن هدفي مجرد كسب الدعاوى والمال، وإنما تغيير النظرة العامة لعمل المرأة في هذا المجال، وإثبات جدارتها في العمل، وهذه النجاحات تلتها نجاحات أخرى في مجال تفعيل دور المرأة العاملة في المجتمع، حيث ترشحت لعضوية مجلس المحافظة، وبقيت فيها ثلاث دورات متتالية، وهذا كان لأهداف خاصة؛ أهمها تفعيل عمل المرأة، وتحسين الصورة الذهنية تجاه عملها وموقعها الاجتماعي، وكانت أول إنجازاتي محاربة الفساد في "معمل مياه الدريكيش"، وإقالة المعنيين بالفساد.

كما شاركت بالعديد من المؤتمرات العربية والدولية، التي من أهدافها رفع مستوى المهنة وتعديل بعض القوانين فيها، كما ساهمت بتفعيل قانون وجوب حضور المحامي مع الموكل بوجه دائم، إضافة إلى تحدثي عن كثير من قوانين الأحوال الشخصية غير المنصفة بحق المرأة، التي تحتاج إلى تعديلات جذرية».

المحامية فتاة خضور تتابع عملها في النقابة

لقد حظيت المحامية "فتاة" بعضوية "لجنة المرأة السورية"، واهتمت بحقوق المرأة، ورفع مستواها بالمهنة، وتتابع: «عملت على تحقيق وحماية حقوق الأسرة، وقدمت محاضرات كثيرة في هذا المجال، وساهمت بتوضيح أهمية هذا القانون ودورة المرأة الريادي في المجتمع، كما أكدت على حقوقها بقانون الأسرة المدني، وكيف يجب أن تكون مدركة لحقوقها وحقوق أسرتها، وهذا لاقى الاهتمام الكبير والتشجيع من قبل ربّات المنازل».

وفي لقاء مع نقيب محاميي "طرطوس" المحامي "محمد كناج"، يقول: «عملت المحامية "فتاة خضور" بالأعمال النقابية والمهنية بكل براعة، وكانت وما زالت مميزة بإتقانها لعملها، ومهنياً أدركت القوانين والتشريعات إدراكاً كبيراً، ورافعت بها في قضاياها، فربحت جميع قضاياها تقريباً، حتى إن جرأتها بالتسجيل في النقابة لممارسة المهنة ليس بالأمر البسيط، لكونها أول محامية تمارس العمل الفعلي، فكانت جريئة في طرح دفاعها ووقوفها أمام القاضي في مرحلة لم تسبقها سيدة إلى ذلك في المنطقة».

أما المحامي "عبد الكريم يوسف"، فعنها يقول: «لقد رسمت لذاتها خطوات عمل حققتها وتمكنت من إثبات وجودها فيها، وكانت منافساً قوياً لزملائها في المهنة بأدائها وعملها، ولولا نجاحها لما تمكنت من الاستمرار، كما أنها تميزت بلباسها وترتيبها ودوامها الدائم بالمجتمع القضائي، فكانت كالفارس على حصانه لا تقبل إلا بالعدل، وتحلت بسرعة البديهة والجرأة».

يذكر أن المحامية "فتاة خضور" من مواليد عام 1951، قرية "كفرون حيدر" التابعة لناحية "مشتى الحلو".