كثيرة هي المبادرات البيئية التي قام وشارك بها المهندس "جندب دخيل" المولع بمحبة الطبيعة التي يحلم بأن يكون صاحب يد بيضاء في حمايتها حيناً، وإعادة إحيائها حيناً آخر.

فالبدايات لم تكن سهلة ويسيرة بالنسبة للمهندس "جندب دخل" ابن مدينة "الدريكيش" 1963، وإنما مشجعة لتعاون المجتمع المحيط مع أفكاره الشبابية التي انطلقت من مقاعد الجامعة، وهنا قال لمدونة وطن "eSyria" بتاريخ 16 تموز 2016: «بدأ اهتمامي بالبيئة منذ ثمانينيات القرن الماضي عندما كنت طالباً في كلية الزراعة بـ"جامعة تشرين"، حيث عرفت أهمية المحافظة على النظم البيئية، والأخطار التي تنجم عن الإخلال بالتوازن البيئي، والتي ينعكس أثرها السلبي على حياة الإنسان والحيوان والنبات.

لقد قدم "جندب" الكثير من وقته للعمل البيئي، فنظم عدة مسر بغاية الصعوبة وبدقة عالية، وهذا لم يكن ليحصل لولا شغفه بالبيئة، كما أنه ترك أثره في كل موقع زاره من خلال حملات النظافة التي كان يقوم بها ولو وحده بعض الأحيان

فبدأت تطبيق ذلك على الواقع بعد تخرجي في الجامعة والالتحاق بالعمل الوظيفي، حيث أمضيت عشر سنوات من العمل في الحقول، كنت أؤكد من خلالها على المحافظة على الحراج الطبيعية والصناعية، وعدم الاستخدام الجائر للأسمدة والمبيدات الزراعية، وما شجعني على المتابعة الآذان المصغية والعقول الراجحة لأهمية الهدف العام.

المهندس جندب يقود المسير البيئي

ومع بداية عملي بمجال الإرشاد الزراعي كانت هناك أخطاء شائعة في عمليات التسميد ومكافحة الآفات الزراعية، فمثلاً كان المزارعون يرشون أشجار التفاح في الصيف مرات عديدة تصل حتى اثنتي عشرة مرة، بينما كفايتها لتبقى سليمة معافاة ثلاث رشات فقط، أو أربع رشات لو تم تحديد الطور الحياتي للحشرة الضارة، وحينئذ كان لزاماً عليّ والمهندسين الزراعيين تحديد هذه الأطوار، وتعريف المزارعين بمواعيدها بدقة لاختصار عدد الرشات المضرة بالبيئة والفائضة عن حاجة الأشجار، وتقليل هدرها على مستخدميها.

وهذا ناهيك عن ضعف الخبرة لدى الفلاحين بعمليات التسميد، فكانت الأسمدة تضاف عشوائياً وفي مواعيد غير مناسبة، فاعتمدنا تحليل التربة من أجل معرفة ما ينقصها من عناصر غذائية، ثم تحديد برامج التسميد لكل نوع من الأشجار، وفقاً لعمرها ونوعها ومواعيد إضافة الأسمدة الآزوتية والبوتاسية والفوسفاتية، وبذلك تخلصنا من التسميد الجائر الذي يزيد على حاجة الأشجار ويسبب تلوثاً بالتربة».

عامر محفوض

لقد كان للمهندس "جندب" دور في تشجير العديد من المواقع الطبيعية، باعتماد علاقاته الاجتماعية، وهنا قال: «شجعت على التشجير الحراجي لأنه الضامن الوحيد لاستمرار دورة الحياة الطبيعية، وساهمت بزراعة العديد من غابات المنطقة، والأهم قدمت إلى الناس المحليين خبرة التعامل والاستفادة من الغابة والانتفاع منها، كما شاركت في نشر حشرة "كالوس نواكي" المفترسة للذبابة الصوفية التي تتطفل على أوراق الحمضيات وتبيدها، وكانت أول محاولة لنشر المكافحة الحيوية في المحافظة، وتكللت بنجاح منقطع النظير، كما كنت في تلك المرحلة عضواً في مجلس مدينة "الدريكيش"، وكانت لنا مع زملائي المهتمين بالحفاظ على البيئة تجربة مكافحة البعوض بمنع تفقيسه في نهايات الصرف الصحي، ومع جميع هذه الخطوات كان الشغف يزداد للمزيد من العمل البيئي، علماً أن النتائج كانت مرضية، ولكنها لم تلبِّ طموحي في إيجاد بيئة خالية تماماً من التلوث».

تحقيق الطموحات خطوة ناجحة بحياة المهندس "جندب"، قال عنها: «بعد النشاط في الحقول بدأت إعداد بعض المقالات والمحاضرات البيئية ونشرها في المجلات المتخصصة، وتقديمها في المراكز الثقافية بهدف تكوين نواة أساسية تجاه البيئة ضمن البيئة الاجتماعية، ومن العناوين التي اخترتها لتلك المحاضرات "التلوث البيئي بكافة أشكاله"، وبعدها أسست "جمعية أصدقاء البيئة"، وتم إشهارها عام 2010، ويشمل نشاطها محافظة "طرطوس"».

العناية بالمواقع الحراجية

ويضيف: «بعدما أصبح نشاطنا أكثر تنظيماً، بدأنا تنفيذ العديد من حملات النظافة، وحملات التشجير، وإقامة العديد من المسر البيئية، ومسابقات رسوم الأطفال البيئية، واكتشاف المغارات والغابات، ولدينا الآن تجربة لبناء جهاز هاضم للمواد العضوية من أجل إنتاج الغاز المنزلي والسماد العضوي، لكنها لم تنته بعد، الهدف منها التخلص من النفايات والبقايا العضوية لحماية البيئة منها».

إذن، لكل عمل فائدة ونتائج أو استثمار، وعن استثمار الغابات بالوجه الأمثل، قال: «يجب أولاً الاهتمام بالتشجير الصناعي، وزراعة غراس من الطبيعة السائدة لدينا، كأشجار السنديان والبلوط والغار والميس والخرنوب، لأنها موجودة في الطبيعة المحلية، ويمكن أن تستمر لمئات السنين من دون أن يصيبها أي نوع من أنواع التدهور، وبالنسبة للغابات الطبيعية، فيجب أن تتم تربيتها من قبل فنيين متخصصين حتى تكبر وتصبح غابة بالمعنى الحقيقي، وهنا يجب أن تتم زيادة عدد فرق التربية والتقليم التابعة لوزارة الزراعة، وعلى هذه الفرق إشراك الناس المحليين في عملها، وتعليمهم كيفية تقليم الغابة، والاستفادة من نواتج التقليم، حيث يصبح الإنسان بالفعل صديقاً للغابة يستفيد منها ويفيدها بدلاً من أن يقوم بعملية القطع الجائر للأشجار وتعريض المنطقة لخطر التصحر، فنحن في "جمعية أصدقاء البيئة" نفذنا أكثر من بيان عملي حول طريقة التعامل مع الغابات، وطريقة الدخول إليها، والاستراحة ضمنها، والخروج منها من دون ترك أي نوع من الملوثات».

لم يكتفِ المهندس "جندب" بعمله في الجمعية، وإنما تعداه وسبقه في مكان وجوده، وهنا قال: «في عام 1996 انتقلت من دائرة الزراعة إلى مؤسسة الأعلاف، وكانت حديثة البناء، فاستغليت المساحات الموجودة بزراعة الأشجار الحراجية، فأصبح لدي حديقة فيها أكثر من 150 شجرة حراجية ومثمرة من أنواع الصنوبريات والسرو والغار والجوز والحمضيات والرمان والجوافة، وغيرها. وقمت بتسجيل تلك الحديقة في "دائرة زراعة الدريكيش" على أنها حديقة حراجية صناعية، وأشرف على تقليمها ونظافتها باستمرار».

وعن المسر البيئية قال: «هناك عدة أمور يجب تحقيقها حتى يتم تنفيذ المسير، أولها خط المسير بداية ونهاية، حيث يجب أن يكون جديداً قدر الإمكان، أي غير مطروق من قبل المارة بكامله أو بقسم منه، وثانيها أن يكون في بيئة طبيعية غير ملوثة من أجل شرح الاستفادة منه، وضرورة المحافظة على البيئة، والفوائد المرجوة من ذلك، إضافة إلى أنه يجب ألا يكون ذا وعورة عالية، وذلك كي يتسنى للعائلات المشاركة، وهنا الكثير من الأمور أيضاً، منها أن ينتهي بمكان يمكن إقامة الاستراحة النهائية فيه، وجميع هذه الأمور تدرس قبل خمسة عشر يوماً من يوم المسير».

وفي لقاء مع المهندسة "ميادة منصور" عضو في الجمعية، قالت: «شاركت في معظم النشاطات البيئية للجمعية بتحفيز من المهندس "جندب"، وخاصة نشاطات السياحة البيئية؛ لكوني مهتمة بهذا الموضوع من خلال عملي في مكتب السياحة بـ"الدريكيش"، وفي كثير من نشاطاتنا كانت السياحة هدفاً له، لأنه مدرك أهميتها لكونها بمتناول الجميع، وتهدف إلى إنشاء علاقة طيبة بين الإنسان والبيئة من خلال المحافظة عليها والاستمتاع بها، وهذا طموحه، وقد حقق شيء منه في الكثير من المسر البيئية التي أسس لها وقادها بكل براعة».

أما الموظف المتقاعد "عامر محفوض" عضو في الجمعية، فقال: «لقد قدم "جندب" الكثير من وقته للعمل البيئي، فنظم عدة مسر بغاية الصعوبة وبدقة عالية، وهذا لم يكن ليحصل لولا شغفه بالبيئة، كما أنه ترك أثره في كل موقع زاره من خلال حملات النظافة التي كان يقوم بها ولو وحده بعض الأحيان».