ساهم الآثاري "بسام القحط" بتسجيل منطقتي "السوق القديم" و"التل" في بلدة "صافيتا القديمة" كشريحة تراثية فريدة من نوعها في "سورية"، وأنتج فكرياً كتاباً عنهما، فهو المختص الذي جمع تاريخهما واختزنه كشريحة فكرية ومرجعية لكل مهتم.

كثيرون من أبناء مدينة "صافيتا" يرون الآثاري "بسام القحط" مرجعيتهم التاريخية والجغرافية بكل ما يخص المنطقة، ومنهم المهندس "عدنان محمد" ابن مدينة "صافيتا" وزميل الدراسة مع الآثاري "بسام"، ويقول: «بالعموم مادة التاريخ جافة، لكن الآثاري "بسام" تمكن من إضافة روح الشغف إليها، فأحببتها من خلاله، وبت أسأل وأقرأ كثيراً من المراجع المهتمة به، وهذا حال الكثيرين من أبناء المدينة، ومنها كتابه الخاص بالمدينة الذي وصفها بكل دقة ومصداقية.

تمكنت من الجمع بين التاريخ والآثار والتراث على الرغم من صعوبة الأمر بوجه عام، وذلك نتيجة التمكن من علم كل منهما ومحبة هذا الاختصاص، فتبلور مجمل هذا لأكوّن ذاكرة جغرافية تاريخية عن مقاطعة "صافيتا"، وذلك انطلاقاً من امتلاك ذاكرة جغرافية مدعومة بالواقع والأبحاث بمساعدة الدكتور "كمال صليبي" عبر حوارات مفتوحة

هو يرى أن العلم والمعرفة وجدا لخدمة الناس وعليه بنى علاقات واسعة ومتنوعة مع كل مهتم ومتابع يضيف إليه المعرفة، وبالنسبة لي حين أسال مثلاً عن قطعة فخار تراثية، يجالسني ساعات ويحدثني عن تاريخها وكيف يمكن تمييز فترتها الزمنية وعمرها واستخداماتها لأحصل على معرفة معمقة».

المهندس عدنان محمد

أما الرسامة "ديانا سليمان" من بلدة "صافيتا"، فتقول: «لقد ساهم الآثاري "بسام" بما امتلكه من علم ومعرفة وخبرة كباحث تاريخي خلال مسيرته المهنية بتسجيل الكثير من الشرائح الأثرية، منها الشريحة التراثية في بلدة "صافيتا القديمة" وتسجيل مدافن أثرية في بلدة "البارقية" وموقع "صهريج تركب" الأثري، وطاحونتين مائيتين قديمتين في قرية "عين الكبيرة"، وهذا انعكاس لخبرته كباحث برأيي، إضافة إلى نجاحه بتعيين حماية عشرات المواقع والنقاط الأثرية المهمة في "صافيتا"، وكذلك البيوت التراثية».

وفي لقاء مدونة وطن "eSyria" مع الآثاري "بسام القحط" بتاريخ 29 حزيران 2016، قال عن بداية احترافه لصناعة الكتابة التاريخية: «درست التاريخ في الجامعة اللبنانية، وكنت الأول على دفعتي لمحبتي لما أحاول الاختصاص به، فحصلت على درجة عليا في كلية الآداب والعلوم الإنسانية وهي درجة الماجستير، وهنا كان لبيئتي دور إيجابي، خاصة أن هذه الملكة الفكرية رافقتني منذ الصغر من خلال حديث والدتي عن العلامة وكبار الباحثين والمفكرين، وكذلك أصدقاء والدي الذين لهم باعهم الطويل في الفكر والتاريخ كالمفكر الدكتور "كمال أبو ديب"، والدكتور "منير بشور"، وهو ما أطر لدي الملكة في المجال البحثي التاريخي فبلورتها بالدراسة الأكاديمية.

الباحث الآثاري بسام القحط

كما اتبعت الكثير من الدورات الاختصاصية باللغات القديمة، وحينئذ تقدمت لمسابقة في المديرية العامة للآثار والمتاحف، نلت أعلى الدرجات خلال الاختبارات، وعينت كأمين متحف مساعد، ثم أمين "متحف طرطوس"».

ويرى "بسام القحط" أن التاريخ والآثار علمان أكاديميان يكمل أحدهما الآخر، فجمع بينهما، ويقول: «تمكنت من الجمع بين التاريخ والآثار والتراث على الرغم من صعوبة الأمر بوجه عام، وذلك نتيجة التمكن من علم كل منهما ومحبة هذا الاختصاص، فتبلور مجمل هذا لأكوّن ذاكرة جغرافية تاريخية عن مقاطعة "صافيتا"، وذلك انطلاقاً من امتلاك ذاكرة جغرافية مدعومة بالواقع والأبحاث بمساعدة الدكتور "كمال صليبي" عبر حوارات مفتوحة».

صافيتا القديمة

في عام 2002 أصدر "القحط" كتابه الاختصاصي عن بلدة "صافيتا"، وعنه يقول: «صدر لي كتاب بعنوان: "مقاطعة صافيتا - التاريخ الاجتماعي والاقتصادي"؛ وهو كتاب يحاكي الأحداث والواقع خلال اثنين وأربعين عاماً ابتداءً من عام 1790؛ وهو صادر عن "دار الفتاة" للأستاذ "هاني الخير" الذي وقف إلى جانبي داعماً لعطاء الشباب، وكذلك ساعدني الدكتور "حنا بشور"، واعتمدت فيه وثائق المحاكم القديمة في "طرابلس" ما بين عامي 1570 و1918 وما فيها من وثائق مهمة جداً، خاصة في "محمية طرابلس القديمة" أو "طرابلس الشام" وما فيها من وثائق عن بلدة "صافيتا" و"الساحل السوري" مكتوبة بخط قديم جداً غير واضح وغير مفهوم، حيث اكتشفت وثائق مهمة جداً غير مكتشفة للعلن؛ وهو ما حفزني للخوض في هذا الغمار، فأعدت كتابتها بالخط العربي الواضح والمفهوم بخبرة ومصداقية عالية، حتى إنني أصبحت القارئ والمترجم الأول بالنسبة إلى العديد من أساتذة الجامعة اللبنانية والطلاب نتيجة ذلك، فالخبرة والعلم للجميع، وهو الأمر الذي دفعني إلى تقديم المعرفة لمن يرغب وخاصة للجامعة والطلاب، بما قدمته من ترجمات وتعريب نصوص، والأهم ما قدمته في مجال الآثار من اكتشافات وتوصيف».

ويتابع في مجال التوظيف الواقعي للعلم والخبرة: «أكثر من ثمانين نقطة وموقعاً أثرياً في قطاع "صافيتا" وعلى رأسها قلعة "برج صافيتا" وقلعة "أم حوش" وطواحين مائية قديمة على أنهار منطقة "صافيتا" وغيرها، ساهمت بتوصيفها وتحديد هويتها التاريخية والجغرافية، من خلال المسح والتوثيق المبدئي والمسح والتوثيق المعمق للمنطقة بالكامل، وهو ما كانت تحتاج إليه لحمايتها من تجار العقارات وغيرهم، والأهم من ذلك تسجيل نحو 120 عقاراً تراثياً في بلدة "صافيتا" عام 2008 بمذكرة قرار تسجيل للمنطقة التراثية في البلدة، وهي "حي التل" و"السوق القديم" بجانب الهاتف الآلي، وهذه المنطقة تضم بيوتاً تراثية من أجمل بيوت "الساحل السوري"، وتعود إلى القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، وهي الوحيدة كشريحة تراثية مسجلة في "سورية"، وتم تصنيفها إلى خمس شرائح، والأمر ذاته في العمل على حماية منازل تراثية مهمة جداً في "مشتى الحلو" وقرى "بيت ناعسة" و"الطليعي" وما يعرف بـ"بيوت الحرير" التي تعود إلى نهاية القرن التاسع عشر، وهذه البيوت التي كانت تعدّ قصوراً صغيرة أيامها، كان بناؤها ناتجاً من المردود الحاصل عن زراعة التوت لتربية دودة القز وصناعة الحرير الطبيعي منها، ومن تجارة هذا الحرير في منطقة "صافيتا" و"سوق الحرير" في "مشتى الحلو" وسوق الحرير في قرية "بيت شباط" التراثية التي تعدّ من أجمل قرى المحافظة، وكذلك من أموال المهاجرين السوريين إلى الأمريكيتين في بداية القرن العشرين؛ الذين طالما دعموا أهلهم في "سورية" والساحل خصوصاً بالأموال التي كانت سبباً في بناء هذه "الفيلات" التراثية والقصور الصغيرة».

في مختلف الأعمال التي شارك بها اكتسب الخبرة والمعرفة وقدم قيمة مضافة إلى العمل، وأكد ذلك بقوله: «عملت مع البعثة السورية الهنكارية للمسح الأثري في مناطق المحافظة عموماً، فاكتسبت الخبرة الكبيرة، وشاركت عبرها بمسوحات واكتشافات مبدئية للعديد من المواقع الأثرية المهمة، خاصة في "جرد القدموس" ضمن قراها الغارقة في القدم التي تشبه المدن المنسية في محافظة "إدلب"، ومن هذه القرى "بدوقة" و"حدادة" و"بلوسين" و"بيت جاش"، وما فيها من خرائب أثرية، فالعمل مع هذه البعثات مهم جداً للخبرة الكبيرة التي يمكن اكتسابها والتقنيات التي يمكن العمل بها والتعرف إليها».

ويضيف: «البعثة السورية الهنكارية تهتم بفترة الحروب الصليبية والقلاع المشهورة، والبصمة الجيدة لي في عمل هذه البعثة هي معرفة تاريخ المناطق بدقة من خلال معرفة أسماء المواقع الجغرافية وتتبعها عبر مراحل متعددة ضمن مرحلة تاريخية عبر قرنين من الزمن 1097-1303 ميلادي، وهذا أدى إلى تحديد شرائح وتواريخ كانت ضائعة، فكانت بمنزلة قاعدة بيانات تعتمد بأسلوب منهجي دقيق وعملي».

يشار إلى أن الآثاري "بسام القحط" من مواليد "صافيتا"، عام 1962.