أسست "جميلة خوري" أكاديمية مهنة التمريض في "سورية" ودول أخرى، وعملت بإصرار على تحصيل شهادات أكاديمية اختصاصية تتمة لإنسانية مهنتها وإدارتها، ووظّفت ما حصلت عليه للخدمات الاستشفائية والاجتماعية.

هي ابنة "مشتى الحلو" المثقفة والغنية بثقافتها، والغنى هنا غنى التوظيف المجتمعي؛ كما قال الموظف المتقاعد "نزيه عيسى" ابن قرية الممرضة الأكاديمية "جميلة فاضل خوري"، وتابع لمدونة وطن "eSyria" بتاريخ 29 أيار 2016: «عرفنا ابنة قريتنا "جميلة خوري" بدقة تنظيمها لوقتها وحياتها؛ وهو ما انعكس إيجاباً على طبيعة عملها وعلاقاتها مع الآخرين، حتى إن تفكيرها ومستوى ثقافتها عالٍ جداً، لأنها رغبت بتحقيق شيء لمستقبلها التمريضي، فكانت دائمة الطلب للعلم والمعرفة، وهذا منذ الصغر؛ حيث كانت خريجة أول دفعة من مدرسة التمريض في الجامعة الأميركية، وكذلك أول فتاة في المحافظة تحصل على الثانوية العامة، فكل هذا كان خلفه الدافع الاجتماعي وخدمته، حيث نذرت نفسها للأعمال الإنسانية في "سورية" وخارجها، فلم يقصدها مريض أو محتاج إلا ولبّته بما استطاعت».

في "الكويت" أسست إدارة خدمات التمريض لنحو (750) سريراً، وهنا كان الانعكاس الاجتماعي والإنساني، حيث طبقت برنامج تطوير معلومات أفراد الهيئة التمريضية بحالة إنسانية تثقيفية لجذب النساء للاختصاص بالتمريض

أما الجدة "مادلين عكاري" من أهالي "المشتى"، فقالت: «العمة "جميلة فاضل خوري" بالنسبة لنا الأم والأب، لخدماتها الإنسانية لمجتمعها، وهي نموذج المرأة المتعلمة والمثقفة والمتمكنة من توظيف ثقافتها لخدمة مجتمعها طبياً، وهي وجه يمثل "مشتى الحلو" لأنها حين كانت تعمل كفتاة بالتمريض الاختصاصي لم يكن أحد يدرك هذا الاختصاص في المحافظة، لذلك كانت كاختصاصية مطلوبة للعمل في أضخم مستشفيات الدول العربية، وعليه عملت في مستشفيات دول عدة؛ كدولة "الكويت"، و"الإمارات العربية المتحدة"، وكان لها الفضل في نشر ثقافة التمريض وتدريب الاختصاصيين به، إضافة إلى تشجيعها شابات المنطقة على دراسة هذا الاختصاص دراسة أكاديمية».

جميلة خوري في منتصف الصف الأول مع طاقمها الطبي والتمريضي

المهندس "إلياس صباغ" قال أيضاً: «العمة "جميلة" من الشخصيات التي قدمت لـ"مشتى الحلو" الكثير على الرغم من اغترابها المستمر، كتقديمها سيارة إسعاف متكاملة التجهيزات من حسابها الخاص، وأذكر أنها باعت قطعة أرض لها لشراء تلك السيارة بالقطع الأجنبي، كما أنها أول ممرضة في "المشتى"، وقد أتمت دراستها التخصصية في "لبنان"، وكانت لها مكانتها الثقافية والمهنية في دولة "الكويت"، و"طببت" الكثيرين من أبناء بلدها في مكان اغترابها، وهذا انعكاس لانتمائها».

في حين أكّد المهندس "سمير عوكي" أن منزل العمة "جميلة" مفتوح للجميع، كدليل على كرمها وعطائها، وخاصة لشباب "المشتى"، فمنهم من منحته اللباس المجاني لظروف معينة أو لتفوق دراسي، ومنهم من ساعدته على مواصلة تعليمه على حسابها، وهذه حالات تتكرر في كل مناسبة، حتى إن كرمها طال فقراء الناحية كلها، ويتابع: «هي مثقفة بدرجة عالية، وتجلت ثقافتها بحبها للمطالعة باستمرار، حتى في هذه المرحلة العمرية المتقدمة، ومنزلها عامر بمكتبة ضخمة وشاملة لمختلف العناوين والاختصاصات، كما شجعت أبناء "المشتى" على المطالعة عبر تلك المكتبة المفتوحة لهم».

جميلة خوري مع الصديق نزيه عيسى

وفي لقاء مع الاختصاصية في التمريض "جميلة فاضل خوري" بتاريخ 26 شباط 2016، حدثتنا عن بداياتها ومسيرتها الحافلة بالإنجازات: «تميزت طفولتي بالشقاوة وحب التعلم، فدرست في المدرسة الابتدائية الأميركية بـ"المشتى"، وتمكنت حينها من تعلم ثلاث لغات، وانتقلت إلى مدرسة البنات الأميركية المغلقة في "طرابلس" عام 1933 لمتابعة التحصيل العلمي، وحصلت على الثانوية العامة بعمر ستة عشر عاماً، ولتفوقي قبلت في مدرسة التمريض بالجامعة الأميركية على الرغم من صغر سني، وفي تلك الفترة عشقت الزهور وتنسيقها ومازلت.

أما بعد التخرج فقبلت في مستشفى الدكتور "وهيب النيني" بمدينة "طرابلس" عام 1942، وتتالت ترقياتي لتخصصي ونجاحي في عملي، حتى طلبت للعمل في عدة مستشفيات أخرى، منها "مستشفى المينا"، وتأسيس أخرى كمستشفى "العاصي" بمدينة "حمص"، و"اللبناني" في "السعودية"، حيث جهزت له حتى "برادي" النوافذ».

شهادات وثناءات تمريضية

تكريس المهنة للخدمة المجتمعية بدأ بالتبلور الإنساني، وهنا قالت: «عندما بدأ الصهاينة طرد وتشريد الفلسطينيين من ديارهم، عملت كمتطوعة على الجبهة الفلسطينية اللبنانية ضمن عيادة طبية متنقلة متكاملة التجهيزات لثلاثة أشهر متواصلة، وكذلك تطوعت في الدفاع المدني السوري أثناء العدوان الثلاثي عام 1956، ونظمت حينها دورات الإسعافات الأولية لسيدات من "دمشق" ليكنّ عوناً لنا».

كما عملت الجدة "جميلة" في المستشفى الجامعي بـ"جامعة دمشق" عام 1951؛ وكانت مهمة عمل صعبة بحسب رأيها، حيث أضافت: «كانت العناية التمريضية معدومة في مستشفى الجامعة، وهذا دفعني إلى إقامة دورات تخصصية بفن تمريض الأمراض الباطنية والجراحية لتلميذات مدرسة التمريض، وفق أسس علمية أكاديمية، كما نظمت العناية التمريضية بالمرضى لـ(800) سرير، وهذا جذب خبيرة تمريضية من مؤسسة "روكفلر" خلال زيارتها إلى المستشفيات الجامعية، ومنحتني بعثة دراسية مدفوعة التكاليف عبر وزارة الخارجية، لكنها أوقفت من قبل رئيس الجامعة لأسباب غير مبررة لعامين، وبعدها أوفدت لتحصيل دراسة الصحة العامة والتدريب على خدماتها، وتلاها نيلي شهادة البكالوريوس بدرجة ممتاز، وأعددت أحدث برنامج علمي وفني وتدريبي لمدرسة التمريض في "جامعة دمشق"، لكنه لم يطبق، وقبل استقالتي من العمل أسست "الجمعية الوطنية للتمريض"، ثم غادرت للعمل في دولة "الكويت"».

وتتابع: «في "الكويت" أسست إدارة خدمات التمريض لنحو (750) سريراً، وهنا كان الانعكاس الاجتماعي والإنساني، حيث طبقت برنامج تطوير معلومات أفراد الهيئة التمريضية بحالة إنسانية تثقيفية لجذب النساء للاختصاص بالتمريض».

بعثة دراسية ثانية كان هدفها الدراسات العليا، قالت عنها: «هذه المرة من منظمة الصحة العالمية بعثة دراسات عليا في الإدارة بجامعة "كولومبيا" في مدينة "نيويورك" في عمر السابعة والأربعين، محبة بالتحصيل العلمي، وكذلك ماجستير في التربية بذات المدة تأهيلاً لأطروحة الدكتوراه حلمي وشغف حياتي، ولما حملت من خبرة ومعرفة وعلاقات اجتماعية وإنسانية عرفها من عاشرني بعملي، تابعت مسيرة عملي في إمارة "دبي" كمساعدة للمدير العام لشؤون التمريض، وباشرت تأسيس "مستشفى دبي العام" وطاقمه التمريضي على أسس إنسانية التعامل مع المريض، فكنت أختاً للجميع، ثم وظفت هذه العلاقات لجمع التبرعات للجمعيات الخيرية والإنسانية، وخلقت بذلك حالة مميزة عممت على المجتمع المحيط».

يشار إلى أن العمة "جميلة خوري" من مواليد "مشتى الحلو" عام 1922.