دَرَّست "مادلين عكاري" في جزيرة "أرواد" بكل محبة على الرغم من مشقة السفر اليومي، وبلورت اهتمامها بالتراثيات بجمع عشرات القطع التراثية، فأسست بها مهرجان "مشتى الحلو" كظاهرة شعبية في "عيد الصليب".

المعلمة "مادلين عكاري" والمسؤولة سابقاً عن جناح التراثيات في مهرجان "مشتى الحلو"، تقول لمدونة وطن "eSyria" بتاريخ 13 أيار 2016: «ضمن مقتنياتي التراثية "مغزل حرير" يعود إلى أيام عمل "معمل الحرير" في بلدتي "المشتى"، وقد تناقلته أسرتي منذ تلك الفترة حتى وصل إليّ، ويمكن أن يكون من أقدم المغازل الباقية حتى الآن، وقدمته للعرض ضمن جناح التراثيات في المهرجان الذي كنا نقيمه احتفالاً بعيد "الصليب" ضمن فعالية أهلية وشعبية، ونال الكثير من الاهتمام المحلي والعالمي عبر المغتربين الداعمين له، حتى إنه أصبح برعاية الدولة لاحقاً، واستمر عدة سنوات وتوقف، وكنت المعنية بجناح التراثيات والمنسقة له، بما أملكه من قطع تراثية متعددة، وما كان يقدمه بعض المحتفظين بقطع تراثية إفرادية لعرضها ضمن الجناح».

لديها مطحنة قهوة خشبية، تعدّ من أقدم مطاحن القهوة، ولديها المكحلة القديمة جداً والمحمصة والساعات والمكواة المعدنية التي تعمل بالإحماء، وحين نشتاق إلى الماضي نزورها ونتمعن بمقتنياتها

في تلك المرحلة بالذات كانت المعلمة "مادلين" تدرّس طلاب جزيرة "أرواد" أيضاً، ولها اهتمامها الخاص، وهنا قالت: «شغفت كثيراً بمهنة التدريس، لذلك كنت في تنقل دائم ما بين البلدة وجزيرة "أرواد"، على الرغم من صعوبة السفر اليومي والمسافة الكبيرة بين المنزل والعمل؛ لأنني وجدت فيها متنفساً للمعرفة التي أغنيتها بالثقافة ونقلتها إلى الطلاب في الجزيرة، وشجعتهم على المطالعة بمختلف الكتب التي كنت أقدم بعضها لهم، كما كوّنت علاقات اجتماعية واسعة مع ذاك المجتمع الجميل أنتجت رحلات ترفيهية بحرية وإلى المعالم الأثرية والتاريخية للتعريف بها».

السيف القديم والطبق النحاسي

وبالعودة إلى التراثيات، تقول إن الغبار على القطع التراثية جزء من التراث، وتضيف: «وجود الغبار على القطع التراثية شيء من التراثية والقدم البصري عند المشاهدة، فهي توحي للمتلقي بأنها معروضة ضمن معرض تخصصي بترتيبها وتنسيقها، وهذا أمر رغبت فيه كي لا أشعر بالفراغ والبعد عن المعروضات، وخاصة القطع التي يزيد عمرها على قرن من الزمن، كالطبق النحاسي المنقوش عليه شخصين عاريين يتستران بأوراق النخيل، وأيضاً السيف القديم جداً والمميز، حيث يكمن تميزه بشكله المستقيم وطوله وقبضته التي تختلف عن السيوف العربية، وجميعها دلالات على قدمه».

المعلمة "مادلين" رمز أمانة وصدق لدى الكثيرين، أوضحت ذلك بقولها: «لكوني أهتم بالتراث والمقتنيات التراثية؛ فأغلب القطع التي أمتلكها هي هدايا من أصدقاء أرادوا المحافظة عليها فقدموها لي، وبعضهم يقدمون القطع للمشاركة بها في المعارض ثم نردها إليهم بكل أمانة، فهم يهتمون بالناحية الثقافية البصرية والمعرفية بتاريخها القديم».

مادلين عكاري مع بعض المقتنيات

وتتابع: «اقتناء القطع التراثية موهبة تداعب روحي لأنني أحب التاريخ والقصص التاريخية، حيث أراها ذات جذور مرتبطة بها، وهذا لا يعني أن ألحق بالتاريخ وأقف على أطلاله، وإنما يجب أن يكون محفزاً بالنسبة لي للعمل على إحيائه وتمجيده والانطلاقة منه نحو المستقبل، وعليه أحب المطالعة لأنها غذاء الروح، علماً أنها اختلفت في الوقت الحالي عما سبق، فأيامنا السابقة كان للمطالعة نافذة واحدة وهي الكتاب، ومن المعروف أن الكتاب يذهب بالقارئ نحو الجذور، أما الآن فهناك مئات الوسائل للمطالعة والكثير منها خداع وجاذب لأمور أبعد عن ثقافة الكتاب المعهودة؛ أي إنها قد تذهب بالقارئ إلى بوابات ونوافذ مشوهة تماماً، ولها أهدافها الكثيرة البعيدة منها والقريبة، ومن هذه المطالعة التي مازلت متمسكة بها أدرك كل تفاصيل القطع التراثية التي أمتلكها، بل أغوص في أمور أقرب إلى الماورائيات الخاصة بها، فأصبح على دراية كاملة بتاريخها واستخداماتها وأصولها».

وفي لقاء مع المحامي "وائل صباغ" مؤسس الملتقى الثقافي العائلي في "المشتى" يقول: «في البداية كان الاحتفال بمهرجان "المشتى" في "عيد الصليب"، وكانت الجدة "مادلين" من مؤسسيه وخاصة جناح التراثيات التي اختصتها لنفسها هواية تمارسها حتى الآن، وكانت تجمع القطع التراثية وتنظمها في جناحها الخاص، لتعيد إلى الزوار حكايات الماضي العريق، وهي مستمرة باقتناء القطع وتبحث عنها في كل مكان، لأنها ترى فيها بوابة رسم المستقبل الذي ننشده، فلها الفضل في المحافظة على تراثنا وبقائه».

المحامي وائل صباغ

أما "سهام ديب" المهتمة بالتراث، فتقول: «عملت المعلمة "مادلين" بحرفة "الكروشيه" أيضاً، بعد أن تعلمتها من جدتها بمراقبة عملها، وبعدها بدأت حياكتها شخصياً، وحالياً تصنع منها القطع التراثية لكل من يرغب من دون مقابل ربحي، لأنها لم تحولها إلى مصدر دخل، بل بقيت بالنسبة لها حرفة تراثية يجب المحافظة عليها للأجيال القادمة، لذلك نحن نراها سيدة التراثيات».

وفيما يخص القطع التراثية تقول "سهام": «لديها مطحنة قهوة خشبية، تعدّ من أقدم مطاحن القهوة، ولديها المكحلة القديمة جداً والمحمصة والساعات والمكواة المعدنية التي تعمل بالإحماء، وحين نشتاق إلى الماضي نزورها ونتمعن بمقتنياتها».

يذكر أن المعلمة والمقتنية التراثية "مادلين عكاري" من مواليد "مشتى الحلو"، عام 1947.