أكثر من ثلاثة عقود قضاها الدكتور "فاتح وطفة" بممارسة المعالجة الفيزيائية والرياضة، وينذر علمه وجهده لمعالجة مرضاه، ويخص الفقراء منهم بالمعالجة المجانية، حيث توج عطاءه بإطلاق مبادرة لمعالجة عائلات الشهداء وجرحى الجيش مجاناً منذ عام 2011 إلى الآن.

مدونة وطن "eSyria" التقت بتاريخ 14 نيسان 2016، الدكتور "فاتح وطفة" بمكان عمله في حيّ "الحمرات" ضمن مركز "زين الطبي للمعالجة الفيزيائية" في مدينة "طرطوس"؛ ليحدثنا عن مسيرته قائلاً: «ولدت في قرية "حصين البحر" عام 1957، ضمن أسرة فقيرة مؤلفة من خمسة أبناء، فالأب يعمل في مرفأ "طرطوس"، ووالدتي سيدة مكافحة ربتنا على العطاء ومساعدة المحتاجين، وعلى الرغم من الضائقة المادية التي كانت تمر بها العائلة إلا أن تحصيلنا العلمي كان أولوية، تدرجت بالتعليم في مدارس القرية حتى المرحلة الثانوية، لأحصل بعدها على منحة دراسية إلى "رومانيا" لدراسة الطب "الرياضي"، حيث اخترت قسم "المعالجة الفيزيائية"، وكطالب سوري مثلت بلدي في العديد من اللقاءات الفنية والرياضية، لأعود في صيف 1982 إلى" سورية"، وعلى الرغم من العروض التي قدمت لي للعمل خارج البلد إلا أنني أردت أن أخدم بلدي التي كان لها الفضل بما وصلت إليه، عدت إلى قريتي وهنا بدأت رحلة الكفاح لأنه لا يوجد أي مرتكز يمكن الاعتماد عليه، فوضع العائلة المادي لا يسمح بفتح مركز للمعالجة الفيزيائية إضافة إلى عدم إدراك الناس أهميته لكونه اختصاصاً جديداً أخذت على عاتقي نشره والتعريف به كعلاج مكمل إلى جانب الاختصاصات الطبية الأخرى، ولسنوات عدة كنت أجوب شوارع المدينة مشياً على الأقدام وفي كل الظروف المناخية لعدم امتلاكي أي وسيلة نقل لأقدم المعالجة للمرضى في منازلهم من دون أي مقابل في وقت كنت بأشد الحاجة إلى المال، ولم أتمكن لثماني سنوات من فتح المركز إلى أن حصلت على قرض حكومي عام 1990 مكنني من فتح مركز طبي متخصص».

مركزي الطبي هو "سورية" المصغرة، حيث إن المراجعين من كافة المحافظات، ففي ظل الأزمة وفد إلى محافظة "طرطوس" العديد من الأخوة الذين اضطرتهم ظروف الحرب إلى مغادرة منازلهم، ومنهم من تعرض لبعض الإصابات، وأرى أن من واجبي تقديم العلاج لهم قدر المستطاع

وعن مبادرته التي أطلقها لمعالجة جرحى الجيش والمتضررين من الحرب يضيف: «منذ بداية الحرب الظالمة على "سورية" وأمام التضحيات الكبيرة التي يقدمها رجال الجيش؛ أطلقت مبادرة لتقديم المعالجة المجانية لمصابي الجيش وعائلات الشهداء مجاناً، وأعدّ هذا أقل ما يمكن عمله تجاه من قدم دمه ليبقى البلد، أطلقت مبادرتي منذ بداية 2011، ونشرتها على مواقع التواصل الاجتماعي، كما طبعتها على بطاقة التعريف الخاصة بي، وما زلت مستمراً حتى اللحظة، وعاهدت نفسي على الاستمرار، وإلى اليوم قدمت العلاج لما يقارب 350 مصاباً من جرحى الجيش بتكلفة تصل إلى 60 مليون ليرة تقريباً، حيث تمكن 75% منهم من العودة إلى ساحات القتال، ونحو 25% عادوا ليكونوا فاعلين ضمن مجتمعهم، ولدي توثيق كامل عن مجمل الحالات التي عالجتها، وكل ذلك تم مجاناً بالتوازي مع الاستمرار بتقديم المعالجة المجانية للفقراء من عامة الناس على الرغم من التكلفة المادية العالية والجهد العضلي الذي تتطلبه المهنة؛ وهو ما يضطرني إلى العمل ثلاث عشرة ساعة متواصلة وبمساعدة ابني الذي تطوع للعمل معي، وقد عرضت خبرتي وخدماتي على المستشفيات والمراكز الصحية من دون أي مقابل مادي، لكن لم ألقَ أذناً مصغية، أو أي دعم بإعادة تأهيل الأجهزة أو تأمين بعضاً منها نظراً إلى أهميتها في علاج بعض الإصابات الحرجة، وأمام التضحيات الكبيرة التي قدمها الشهداء وعربون وفاء لدمائهم أتكفل أيضاً بتقديم المعالجة المجانية لذويهم لعلَنا نردُّ جزءاً بسيطاً من عطائهم الكبير».

المصاب حسن ياسين

ويتابع حديثه: «مركزي الطبي هو "سورية" المصغرة، حيث إن المراجعين من كافة المحافظات، ففي ظل الأزمة وفد إلى محافظة "طرطوس" العديد من الأخوة الذين اضطرتهم ظروف الحرب إلى مغادرة منازلهم، ومنهم من تعرض لبعض الإصابات، وأرى أن من واجبي تقديم العلاج لهم قدر المستطاع».

أما في مجال الرياضة، فيكمل قائلاً: «منذ طفولتي كان لدي اهتمامات رياضية أهلتني لأكون عدّاءً على مستوى المحافظة بالضاحية وبالجري لمسافة 1500م، كما لعبت ضمن فريق "طرطوس" بكرة القدم والسلة. وفي قريتي قمت بمبادرة تطوعية؛ حيث أسست مركزين لألعاب القوى، وبعد تدريب استمر لمدة ستة أشهر شاركت مع طلابي في بطولة لألعاب القوى في "دمشق"، وحصدنا في ختامها 7 ميداليات ذهبية و13 فضية، كما نلنا المركز الثالث على مستوى "سورية"، ويمكنني القول إن اللياقة البدنية والرياضية خدمتني بمجال عملي كمعالج فيزيائي لكونها من المهن التي تتطلب قوة بدنية».

بعض المصابين الذين يتلقون العلاج

الشاب "حسن ياسين" من جرحى الجيش يقول: «أصبت بطلق ناري في منطقة الفخذ بعد كمين تعرضت له في محافظة "إدلب"، تم إسعافي إلى المستشفى العسكري في "طرطوس"، حيث أجريت لي عملية جراحية، بعدها غادرت إلى منزلي، لكنني لم أتمكن من المشي، وفي أثناء تصفحي لـ"الفيسبوك" اطلعت على المبادرة التي أطلقها الدكتور "فاتح" فاتصلت به، وكان هناك ترحيب من قبله وحدد لي موعد القدوم إلى المركز، حيث استقبلني بابتسامته المعهودة استقبال الأبطال، كان التعامل معي نفسياً وجسدياً، ومنذ خمسة أشهر أتردد إلى المركز يومياً؛ وهو ما منحني القدرة على المشي من جديد. كما أن والدي وأخي الأصغر من جرحى الجيش، وهما يتلقيان العلاج في المركز، وبفضل المعالجة تمكن أخي من تحريك أصابع يده بعد إصابته في إحدى المعارك، ولم نتكلف خلال مدة علاجنا بأي مبلغ مادي، حتى إن الدكتور يتابعنا ضمن منازلنا من خلال اتصاله الدائم، وهذا يخفف من جراحنا ويبعث الأمل بالشفاء».

وفي أثناء وجودنا في المركز التقينا الشاب "محمد حمدان" أحد جرحى الجيش ليقول: «تعرضت لإصابة منذ ثلاث سنوات في إحدى المعارك بُتر إثرها طرفي السفلي؛ وهو ما استدعى تركيب طرف صناعي، لكن نتيجة عدم الاستخدام الجيد للطرف أصبح لدي ضمور بالعضلة؛ وهذا جعل تركيب الطرف الصناعي أمراً مؤلماً وغير مجدٍ، وبعد القدوم إلى المركز قام الدكتور "فاتح" بمعالجتي، حيث عادت العضلة إلى طبيعتها وتمكنت من تركيب الطرف الصناعي من دون أن يتقاضى أي مبلغ مادي، واليوم أمارس حياتي الطبيعية ولدي الكثيرون من الأصدقاء الذين تلقوا العلاج هنا، والجميع يجمعون على المهنية بالعمل، والدعم النفسي، والمعنوي الذي ينسينا ألمنا».

بعض الشهادات التي نالها