نشأت المربية "فريدة الياس" في مدرسة "الراهبات"، وتعلمت الفنون النسوية ووظفتها في التنمية المجتمعية، كما اختصت أكاديمياً باللغة الفرنسية ومارستها مهنياً، وحرضت بأسلوبها المختلف عشق اللغة، فتمكن بعض طلابها من الاختصاص الأكاديمي نتيجة ذلك.

كان لنشأتها في مدرسة "راهبات العائلة المقدسة" الداخلية دور كبير في حياتها العملية والمهنية، حيث قالت لمدونة وطن "eSyria" بتاريخ 30 آذار 2016: «كنت محاطة برعاية كبيرة من الراهبات والأهل الذين كانوا من أصحاب الأملاك الكبيرة في المدينة، وهذا كان له تأثير إيجابي، فبتّ أرى أن الدراسة السلاح الأمضى الذي يجب أن أخوض به الحياة العملية والمهنية، فدرست أكاديمياً اللغة الفرنسية، ودرستها في مختلف مدارس المحافظات، واتبعتها بدراستي لدبلوم اللغة الفرنسية، وبعدها تابعت التدريس في محافظة "الحسكة"، وبقيت فيها مدة من الزمن، ومن ثم عدت إلى التدريس في مدينتي "بانياس"».

قبل السفر وخلال توديعي لها قدمت لي نصيحتين؛ الأولى أهمية العودة إلى "سورية" بعد التحصيل الأكاديمي لتقديم الفائدة لإخوتي بالوطن، والثانية أهمية تجسيد الأخلاق السورية في بلاد الاغتراب وممارستها كما تربينا عليها

وتتابع: «خلال دراستي الداخلية تعلمت مهنة الخياطة، وحصلت على درجة الامتياز بها، ومن هنا كانت الانطلاقة نحو العمل المجتمعي التنموي، حيث أقمت العديد من الدورات المهنية في الاتحاد النسائي إلى جانب دورات اللغة الفرنسية للإناث وربات المنازل، بهدف تشجيعهن على العمل والإنتاج وتحويلهن من مستهلكات إلى منتجات ولو على صعيد الأسرة فقط، وكانت هذه الخطوة ناجحة برأيي لما قدمته من فائدة للكثيرات من النساء المهتمات، واللواتي أصبحن ماهرات ومنتجات فيما بعد».

المدرّسة فريدة مع الدكتور عبد الله

وعلى صعيد التدريس، أضافت: «كانت مرحلة التعليم من أنجح المحطات في حياتي العملية المهنية، من حيث طبيعة العلاقة مع الطلاب الذين تعاونوا معي حتى تمكنوا من اللغة واستفادوا منها في دراساتهم العليا، وهذا انعكس على مسيرة حياتي المهنية إيجاباً، فأوفدت لاتباع دورات تخصصية ومتابعة الدراسة في "فرنسا"، وهذا ما أعدّه امتيازاً منح لي لمرات عدة».

انطلقت المدرّسة "فريدة" نحو مجال العمل التطوعي، وطرحت الكثير من الأفكار البناءة خلال تلك المرحلة، وهنا قالت: «حاولت انطلاقاً من مهنتي بالتدريس الخروج عن المألوف دوماً ضمن قواعد الانضباط المعتادة، فكنت آخذ طلابي في رحلات ترفيهية مستمرة إلى الطبيعة بهدف تقوية العلاقة معهم وفيما بينهم، وتقديم أسلوب تعليمي تربوي مختلف عن المعتاد، فينجذبوا للغة، ونطرح الكثير من الأفكار ونتناقش بالدروس، وأحياناً نتحاور باللغة الفرنسية كمحادثة لتعمّ الفائدة على الجميع، وهذا أثر إيجاباً بالطلاب فيما بعد، فمنهم من درس الأدب الفرنسي أكاديمياً نتيجة ذلك».

المدرّسة فريدة تكرم من قبل إدارة المركز الثقافي ببانياس

كما أنها توجهت إلى العمل مع فئة وشريحة خاصة من المجتمع منذ عام 2003 ضمن مجال العمل التطوعي المجتمعي، فأوضحت ذلك بالقول: «أسّست جمعية "الرجاء" لذوي الاحتياجات الخاصة في "بانياس" كبادرة من بعض المهتمين بالطفولة، وبداية عملي كانت صعبة جداً من الناحية النفسية، فكنت أقضي الكثير من الليالي وأنا أفكر في طبيعة الإعاقات وتعامل الأهالي معها؛ وهذا كان دافعاً حرّض شيئاً ما في داخلي وجعلني أضع الخطوط العريضة للعمل والمقترحات التي يجب تبنيها من الجميع للنهوض بالعمل، ودمج هذه الشريحة بالمجتمع قدر الإمكان، والبداية كانت من إصراري الشديد على إيصال الأهالي إلى أطفالهم حتى باب سيارة النقل المخصصة للجمعية، بهدف إدراك التغيرات الحاصلة على شخصياتهم من ناحية تخفيف العبء عنهم، وبعضهم صرّحوا بهذا عندما أكدوا أنهم لم يشعروا بعد هذا بأن لديهم أطفالاً معوقين، لأن التعامل تغير كثيراً، وهذا ما كنت أسعى إليه دوماً.

كما أنني تمكنت من تحقيق هدفي الاجتماعي الأسري، فالطفل المعوق تعلم الاعتماد على ذاته، وأصبح يتناول وجبة الطعام بنفسه، ويهتم بنظافته أيضاً من دون مساعدة أحد، والأهم أن هؤلاء الأطفال خاضوا بطولات رياضية على مستوى الجمهورية بالرياضات الخاصة، وحصلوا على ميداليات ذهبية وفضية وبرونزية، علماً أن تدريبهم كان من قبل مدرّسات الجمعية فقط».

مع الأطفال والكادر الإداري في جمعية الرجاء

وتضيف: «بعد دخول الأزمة إلى حياتنا العامة وبلادنا، توجهت نحو عمل إضافي هو العمل الإغاثي التطوعي مع الكنيسة، وتوزيع المساعدات التي نقوم بتوضيبها على المتضررين والوافدين؛ وهذا منحني شعور الرضا عن الدور الذي يفترض بي ممارسته تجاه وطني وأهلي».

الدكتور الجامعي "عبد الله بلال" من طلاب المدرّسة "فريدة"، قال: «كان لها فضل كبير على حياتي واختصاصي الأكاديمي ومتابعة الاختصاص في "فرنسا"، وتجسد ذلك من خلال الإرشادات والتوجيهات اللغوية والمهنية التي منحتني لغة سليمة خففت عليّ أعباء كبيرة في مرحلة الدراسة الخارجية، فاللغة الفرنسية صعبة جداً إن لم يكن الشخص يملك أرضية مسبقة يبني عليها في مرحلة الاختصاص الخارجي في "فرنسا"».

ويتابع: «قبل السفر وخلال توديعي لها قدمت لي نصيحتين؛ الأولى أهمية العودة إلى "سورية" بعد التحصيل الأكاديمي لتقديم الفائدة لإخوتي بالوطن، والثانية أهمية تجسيد الأخلاق السورية في بلاد الاغتراب وممارستها كما تربينا عليها».

الروائية "فايزة الداوود" من طالبات المدرّسة "فريدة"، قالت: «هي أيقونة "بانياس"؛ فقساوتها في تقديم اللغة كان لها الأثر الإيجابي بتحصيلنا الجيد لهذه اللغة، وكان لها جملة مأثورة تقولها للطالبات غير المواظبات على كتابة فروضهن المدرسية، وهي: "آه يا بشعة"؛ على الرغم من أن تلك الطالبة لو قيمنا جمالها نراها جميلة جداً، وفيما بعد أدركنا أن معيار البشاعة بالنسبة لها هو إهمال الفروض المدرسية؛ وهذا شجعنا على تقديم واجباتنا وفروضنا المدرسية بمواظبة ومتابعة كبيرة».

المعلمة "رجاء علي" العاملة في "جمعية الرجاء لذوي الاحتياجات الخاصة"، قالت: «منذ ثلاثة عشر عاماً بدأنا العمل في الجمعية، وكانت البداية صعبة جداً من حيث التعامل مع هذه الشريحة من أبناء مجتمعنا، لكن المدرّسة "فريدة" سهّلت علينا المهمة وهوّنت الكثير من الأمور، بل حرضتنا على تقديم أجمل ما نملك لهم، فكانت الناصح لنا والأم التي احتضنتنا، وهذا فعلاً حرّض غريزة الأمومة فينا حتى بتنا نرى هؤلاء الأطفال أبناء لنا؛ وهو ما انعكس إيجاباً على استمرار عمل الجمعية حتى يومنا هذا».

يشار إلى أن المدرّسة "فريدة الياس" من مواليد مدينة "بانياس"، عام 1943.