أدرك الصياد "خالد خليل" ما يريده من التعامل مع البحر، فأصبح يميز بين مختلف أنواع الأسماك بمجرد النظر إليها ضمن المياه البحرية، كما أنه تمكن بخبرته من وزن الأسماك ضمن المياه في حالة مدهشة أكسبته الخبرة والشهرة والأمانة بين الصيادين.

فالبحر جعل من الصياد "خالد خليل" شخصاً أكبر من عمره بكثير، ناهيك عن الخبرة التي اكتسبها بتعامله مع المياه البحرية، التي لا يمكن -بحسب قوله- أن يكتسبها أي إنسان عادي أو حتى أي بحار، لا يريد أن يكون مدركاً للكثير من الخفايا، وهو الأمر الذي ساعده ليكون تاجراً ناجحاً مع تقدم سنوات عمره، وتحدث لمدونة وطن "eSyria" التي التقته بتاريخ 7 كانون الثاني 2016، عن تجربته بالقول: «أتعامل مع البحر منذ كان عمري سبع سنوات، حيث ولدت في مدينة "بانياس" سنة 1969، لكنني لم أتعامل معه كمصدر رزق إلا في سن السابعة عشرة، حيث أصبح صديقي بكل معنى الكلمة، انتهيت من العمل ضمن مياهه بتاريخ السابع والعشرين من شهر نيسان 2005، لأبدأ رحلة العمل التجاري بمهنة بيع الأسماك ضمن محلي في "ساحة السمك" بمدينة "بانياس"، وأعدّ نفسي مقصوداً من قبل الناس بعد أن اكتسبت الخبرة بالتعامل مع مختلف أنواع الأسماك، لأن هذه المهنة تحتاج إلى أن يكون العامل بها صياداً سابقاً ليكون ناجحاً في عمله، خاصة مع كثرة الأنواع المتشابهة بنسبة كبيرة.

في إحدى رحلات الصيد صادفت سمكة "أم عين" كبيرة فرميت لها الصنارة فتناولتها وتناولت غيرها وتبعتها بدقة مع شد ورخي حذر للصنارة حتى تعبت، فانتشلتها من البحر وقدرت وزنها بحوالي سبعين كيلوغراماً، وفعلاً بعد وزنها كانت كذلك لم تزد أو تنقص، وكانت أكبر سمكة "أم عين" قمت بصيدها

تركت العمل بالبحر وصيد الأسماك لأنني شعرت بأنني كبرت بالسن، خاصة مع عوامل الطقس من رطوبة وشمس وعواصف، وهي معاناة حقيقية للإنسان الصياد، ولا يدركها الإنسان العادي، ناهيك عن ليالي السهر بمواعيد وفترات معينة يجب أن يدركها الصياد ليكون ناجحاً بعمله، ومجمل هذه العوامل تجعل منه ذا مراس صعب، وتساهم بتقدمه السريع في العمر».

السيد خالد وتقدير وزن سمكة المرلاند

على الرغم من وجود الكثيرين من تجار السمك في "ساحة السمك" إلا أنه يعدّ من أنجح العاملين بهذه المهنة، إلى جانب بعض التجار الآخرين ذوي الخبرة والمكانة، ويعود هذا بحسب رأيه إلى أسباب عدة وصفها بقوله: «نجحت في عملي كتاجر سمك، وكوّنت أسرة جميلة وأسست لأحوال اقتصادية جيدة، نتيجة عملي السابق كصياد له باعه الطويل بالتعامل مع الأسماك، كأنواعها وطرائق تخزينها، ومتى يجب أن تدخل إلى مزادات البيع، ومتى يمكن أن تتوافر في المياه البحرية، وهذا يختلف تماماً عن حال من امتلك المال ورغب بأن يكون تاجر سمك من دون أن يدرك تلك الأمور السابقة. عملي في البحر وصيد الأسماك قبل أن أكون تاجراً ساعدني كثيراً في تقدير أنواع الأسماك وأوزان كل سمكة مهما كانت كبيرة أو صغيرة، ففي كثيرٍ من الأحيان أستطيع تقدير وزن السمكة من خلال رؤيتها بالعين المجردة، لأنني وخلال رحلة الصيد تعاملت معها باللمس؛ أي إنني كنت أرفعها من الماء بيدي بحب وشغف كبير للمسها».

أما عن غرائب قصة الوزن لديه فأضاف: «في إحدى رحلات الصيد صادفت سمكة "أم عين" كبيرة فرميت لها الصنارة فتناولتها وتناولت غيرها وتبعتها بدقة مع شد ورخي حذر للصنارة حتى تعبت، فانتشلتها من البحر وقدرت وزنها بحوالي سبعين كيلوغراماً، وفعلاً بعد وزنها كانت كذلك لم تزد أو تنقص، وكانت أكبر سمكة "أم عين" قمت بصيدها».

السيد خالد وإلى يمينه الصياد عصام طه

وعن المواقف الطريفة التي تدل على براعة التقدير البصري للوزن؛ قال تاجر السمك "رائد موسى" عن أحد المواقف التي شهدها: «خلال إحدى رحلات صيد "خالد خليل" شاهد سرباً من أسماك "المليفا" لمدة لا تتجاوز خمس ثوانٍ، وذلك خلال مرورها السريع بجانب قاربه، فعاد وأخبر الصياد "يوسف بيطار" الذي يملك شباكاً خاصة لصيد هذا النوع، بأنه يوجد حوالي خمسين كيلوغراماً من سمك "المليفا" في موقع معين، وهنا كان الرهان على وزنها قبل عملية الصيد، وعندما اصطادها أحضرها إلى ساحة السمك ووزنها أمام أغلب التجار والصيادين، وكان وزنها خمسين كيلوغراماً تماماً، ومن حينها أصبح خبير الأوزان عند كل رهان».

وفي حديث للصياد "عصام طه" قال: «يقوم "خالد" بعمل احترافي يختلف به عن بقية العاملين ببيع السمك، فكل ما يقوم به من أعمال يومية ببيع الأسماك يدونه في دفتره الخاص ليكون كسجلّ يدرك من خلاله أسعار كل نوع من أنواع الأسماك المختلفة والمتعددة بمواعيدها المحددة، وحتى مواعيد وفرتها كمادة أساسية للطعام، ومن خلال هذا العمل يدرك فروق الأسعار التي تطرأ على كل نوع في كل عام، هذا الأمر لا يقتصر عليه فقط؛ فبعضهم -وهم قلائل جداً- يفعلون ويقومون بما يقوم به لكن ليس للهدف ذاته، وإنما لحساب الجدوى الاقتصادية من عمله نهاية كل عام، والفرق هنا بينه وبينهم أنه يحتفظ بسجلات عمله التراكمي منذ أن بدأ العمل وحتى الآن، لتكون شاهدة على أي حدث حين الضرورة».

خلال العمل بمحله التجاري