لم تتمكن الجدّة "نظيرة" من متابعة تحصيلها العلمي بعد شيخ الكتّاب، وتعلمت مهنة الخياطة وأسست لأسرتها إلى جانب زوجها، وقدمت من مخزونها الفكري نحو 1000 أغنية كتابةً وتلحيناً، إضافة إلى ديوانها الشعري "عبق الفل".

من رحم المعاناة خرجت الجدّة "نظيرة إبراهيم" بملكاتها الفكرية الممزوجة بشخصية المرأة السورية، كأول أنثى تمحو أميتها عند شيخ الكتّاب في قريتها "حرف المسيترة" التابعة لمدينة "جبلة"، التي خرجت لتؤسس حياتها الاجتماعية والفكرية والعملية، حيث قالت لمدونة وطن "eSyria" بتاريخ 23 كانون الأول 2015: «من الجميل أن يعذب الإنسان في الحياة ليجد متعة وسعادة بعد تحققها، لكن يجب أن يبقى مسيطراً على غروره ليحافظ على نجاحه فيما قدمه، وهذا فكر تشربته من أسرتي وجدي القاضي الشعبي في القرية، وجدي الآخر مختار القرية، حيث كانت الانطلاقة من تعلمي مهنة الخياطة في "بيروت" وإتقاني لها، بدليل أن تصاميمي من الأزياء كانت تنال إعجاب النساء حتى أصبحن زبائن دائمات لي، وهذا أدى إلى أن أصبحت مورد رزق تعتاش منه عائلتي، ونجاحي كان من عدم الاكتراث للقيمة المالية على مبدأ الكثير يجمع أكثر من القليل، ما يعني أنني لا أحصل على القيمة المالية الحقيقية للتصميم. وبذلك كونت علاقات اجتماعية رائعة أعتز بها كرصيد اجتماعي، حتى إنني دخلت إلى حياة زبائني الشخصية وكأنني جزء منها، وهذا أمّن لي مخزوناً معرفياً كبيراً خدمني في هوايتي وموهبتي الشعرية والكتابية التي أتقنتها تلقائياً من دون تحصيل علمي، والمفارقة في حياتي العملية أن بداياتي انطلقت من شيخ الكتّاب في قريتي "حرف المسيترة" كأنثى وحيدة من بين أبناء جيلي، حيث كان لظروف الحياة الصعبة دور في قلة الاهتمام بالتعليم، وبقيت الوحيدة التي أتقنت القراءة والكتابة بين أبناء جيلي آنذاك».

فتحت منزلي للكثيرين من الأبناء والإخوة المهجرين الوافدين للمحافظة، ومنهم امرأة رأيتها تستقل الرصيف لتنام عليه، فقصدتها وأحضرتها لتنام معي في المنزل ريثما تتمكن من إيجاد مكان أفضل، وكذلك الحال لعشرين عائلة دخلت هذا المنزل كأصحاب له

وتتابع الجدّة "نظيرة": «لا جرم هذا كان نتيجة حبي للتميز عن بقية أقراني، فتابعت بناء شخصيتي كإنسانة محتاجة للمعرفة والعمل لأكون فعالة في مجتمعي، وأسست أسرة لها قوامها المعرفي بالحياة، حيث إن جميع أبنائي خريجين أكاديميين.

ديوانها عبق الفل

وكانت حصيلة ما بدأت به، انطلاق موهبتي بكتابة الأغاني والشعر وتلحينها، فكتبت الأغنية الوطنية تلقائياً، وكان عنوان أولها: "لعيونك يا وطنا" وقدمت أول مرة في عيد "الجلاء"، وبعد الزواج ازدادت أحاسيسي بالأشياء من حولي، وبدأت ألتقط كل شيء، وأحوله إلى كلمات وأغانٍ وطنية وتراثية، وخاصة عند العمل على ماكينة الخياطة الخاصة بي.

فأغلب التصاميم من إبداعي الشخصي الذي اشتغلت على تنميته بالدورات المستمرة عبر "الاتحاد النسائي"، وبتّ أقوم بتدريب المحبات للخياطة، كما كانت لي مبادرة شخصية في قرية "كفر جوايا"؛ حيث أقمت بالتنسيق مع مدير المدرسة والمعنيين بالقرية دورات لتعليم الخياطة للسيدات، حتى أصبحن سيدات منتجات وفاعلات بمجتمعهن، إضافة إلى الكثير من الدورات الخاصة بالاقتصاد المنزلي المعتمد على طرائق صناعة المؤن المنزلية».

الجدة نظيرة مع الحاجة أمينة فارس

المخزون الفكري لدى الجدّة "نظيرة" انطلق ليحاكي الواقع، وهنا قالت: «لدي أغنية بالشعر المحكي من كلماتي وألحاني، خاصة بمدينتي التي أقيم فيها، وهي بعنوان: "صباح الخير يا طرطوس" قدمتها على "القناة السورية الأرضية والفضائية" مرات عدة، حتى إنها أصبحت كشعار للمحافظة عند الحديث عنها، ويمكن القول إن حصيلة أعمالي الغنائية تقارب الألف أغنية من كلماتي وألحاني بعضها ما زال لدي، وبعضها الآخر في الإذاعة والتلفزيون».

ومع هذا لم يكن الجانب الإنساني غائباً عن حياة الجدة "نظيرة"، حيث قالت: «فتحت منزلي للكثيرين من الأبناء والإخوة المهجرين الوافدين للمحافظة، ومنهم امرأة رأيتها تستقل الرصيف لتنام عليه، فقصدتها وأحضرتها لتنام معي في المنزل ريثما تتمكن من إيجاد مكان أفضل، وكذلك الحال لعشرين عائلة دخلت هذا المنزل كأصحاب له».

نظيرة إبراهيم

وفي لقاء مع "أمينة فارس" مهجرة حضنتها الجدة "نظيرة" في منزلها، قالت: «لقد كانت لي الحضن الدافئ بما قدمته لي من إنسانية، وبعد معرفتي لها وجدتها مغرمة بكتابة الشعر والأغاني، وجلّ ما تقدمه وتبدعه للوطن؛ وهو ما عزز ثقتي بالقادم والخير الموجود في البلاد، فمنها استمديت القوة والصبر، وبها آمنت بإنسانية أبناء بلادي وحبهم بعضهم لبعض، وخلال سهراتنا سمعت منها الكثير من الأغاني والأشعار التي أثلجت صدري ومنحتني القوة».

أما الآنسة "رجاء حداد" المقربة من الجدة "نظيرة" فتحدثت عن علاقتها بها بالقول: «هي سيدة مناضلة وصبورة، أتقنت حرفتها بطريقة جذبتنا جميعاً لتصميم الأزياء لديها، ناهيك عن حديثها الشجي وكلماتها الجميلة التي تقطر شعراً محكياً، تحاورنا به وتطربنا بما تؤديه خلال ساعات عملها خلف ماكينة الخياطة، والجميل أن مخزونها الشعري لم يبقَ حبيس الأدراج، بل خرج إلى العلن عبر مجموعتها الشعرية "عبق الفل"؛ التي تحاكي فيها المرأة السورية المناضلة، وتصف خصالها وطباعها النبيلة».

بقي أن نذكر، أن الجدّة "نظيرة إبراهيم" هي أم لستة أبناء جامعيين، وهي من مواليد عام 1946 في مدينة "جبلة"، ومقيمة في مدينة "طرطوس" منذ عدة سنوات.